أيمن دراوشة - قراءة أسلوبية في نص "قشور" للكاتب أكثم جهاد.. تلاحم عضوي وصوغ بديع وتناسق تصويري بحركية أفعال عنيفة

النص:

"تَعَرّى، أَقاموا عَلَيهِ الحُجَّة، وَارَى سَوْءَتَهُ بِعَبَاءَةِ أَبيهِ، رَمَقَهُم... خَرُّوا سُجَّدًا... للآنَ يَطْرَبُ لِصَوتِ النَّهيقِ"
أكثم جهاد

نبدأ بمصافحة المُبوَّب " العنوان" قُشُور بضم القاف وحسب ما ورد في معجم المعاني:
الجمع : قِشْرات و قِشْر ، قُشُور
القِشْرَةُ : واحدةُ القِشْر ، غلاف خارجيّ جافّ يحيط ببذرة النبات أو ثمرته.القِشْرَةُ : جُزء خارجيّ وسطحيّ من السَّاق أو الغصن أو الجَذْر في النَّبات وهو يحيط بالخشب
قِشْرة الأرض : ( البيئة والجيولوجيا ) الجزء الخارجيّ من سطحها ، ويتراوح سُمكه بين 30 ، 45 كيلو مترًا ويتكوّن من صخور الجرانيت والبازلت
قِشْرة الرأس : رقائق جلديّة تغشى بشرة الرأس وتنسلخ عنها متناثرة
قِشْرَةُ الْبَيْضَةِ : غِلاَفُهَا
قِشْرَةُ الْجِلْدِ : الثَّوْبُ الرَّقِيقُ الَّذِي يُغَطِّي الْجِلْدَ يَظْهَرُ عِنْدَ تَقَشُّرِهِ ، ووردت أيضا بمعنى الشيء التافه الذي لا فائدة مرجوة منه.
وقد وظف الكاتب العنوان دون أن يستخدمه في نصه القصير وهي تقنية حديثة تثبت براعة الكاتب بحث القارئ على الاستنتاج والتحليل ، وتوظيفها هنا هي لأصحاب النفاق السياسي والاجتماعي ، فهم فئة تافهة لا فائدة منها ، وهم موجودون منذ القدم وليس بالشيء الجديد، لكنه نفاق متطور بتقادم السنوات ، فعندما يتعرى المسؤولون وأولو الأمر منهم يتبدى لنا عوراتهم التي أوحت إلينا بفضائح المسؤولين وأفعالهم المشينة من فساد إداري ومالي وخيانة، لتأتي تلك الفئة من الدهماء المنتفعين المنافقين لمحاولة التستر على تلك الفضائح طمعًا في المكاسب أو المناصب، فيما هم بنظر المسؤولين والحكام أناس تافهة وأصنام ،وليست أكثر من قشور أو غطاء يستر عوراتهم المتمادية في العري.

هذا النص ما هو إلا عمل فني له وحدته التركيبية التي تدفع به إلى تحقيق غايته، وهذه الوحدة الادائية تتضح في مسار الفكرة وفي الدلالات والإيحاءات المستخدمة وفي مستوى الكتابة وفي تسلسلها وتتابعها.

ولهذا فمن الممكن أن نطلق على هذا النص وحدة معمارية أو تركيبية لأنها مقامة على بنية تحتية التي هي الميسم لا تخطئه العين يمثل الأساس للقيمة الجمالية من نسيج متلاحم، وهندسة تركيبية كاملة.

لقد لمسنا الوحدة الأدائية في النص من حيث التناسق والتلاحم وذلك جميعه له ملمح جمالي ، وقد كانت الصور المستخدمة مغذية بنسق خفي يتفاعل في محيط الدائرة، فالقصة قصيرة جدًّا ولا تحتمل تكدس الصور، فتنفصل عن جاذبية المركز الأساسي ، فكان بإمكان المؤلف الإطالة ويوقعنا في شباك التشتت والتبعثر ، لكنه آثر تغليب المعنى على اللفظ ، ونجح في تركيزه على صور محددة استمدت حيويتها من تماسك شرايين تضامها ، فكانت صوره صلبة ليست زجاجية مهمشة متناثرة.
"وارى سَوءَتَهُ بِعَباءَة أبيهِ"
"رَمَقَهم"
"خَرّوا سُجّداً"
"يَطربُ لِصَوت النّهيقِ"

إذا تحدثنا عن الوحدة العضوية فإن هذا المصطلح يقترب بشكل أكثر من طبيعة هذا العمل الفني؛ لأنه يشمل بنية وظيفية بمعنى أن الأجزاء لعضو كامل يوائم واحدها الآخر بحيث ينسجم الكل مكتملا.

"رَمَقَهم... خَرّوا سُجّداً... الآنَ يَطربُ لِصَوت النّهيقِ"

إنها نتاج تمازج وتآلف بين النشاط الفكري والملكة الإبداعية، فهي قوة تركيبية بالتعبير عن نواحٍ عديدة وليست ناحية واحدة، إنها الزج بين البصر والبصيرة، وبين الصورة والمعنى، وبين التأثير التعبيري وجماليات التعبير، وكل ذلك تم برمية واحدة.
وقد استخدم الكاتب بناء تصويريًا متكئًا على الحركة وراسمًا حالات نفسية تتدفق دراميتها بالبث الانفعالي الذي يَستبْعِدُ من أمامه الأداء البياني أمام نضارة وحيوية الحركة المذهلة...

فلنرَ قوة وذهول الأفعال الحركية التي تنطلق كقنبلة "تَعَرّى، أقاموا، وارى، رَمَقَهم، خَرّوا..." فالنص حركي بامتياز عنيف.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى