جعفر الديري - "ندوة الأدب المعاصر": يحسب للمسرح السوداني اتكاءه على الحس الوطني

كتب - جعفر الديري

ثمنت ندوة "الأدب المعاصر تجارب سودانية وبحرينية" لحركة المسرح السوداني، اتكاءها مباشرة على الحس الوطني، حيث ارتبطت مباشرة بقضايا الوطن والتحرر ومقاومة الاستعمار.
جاء ذلك خلال الندوة التي عقدتها أمانة الخرطوم عاصمة الثقافة العربية للعام 2005 ضمن اسبوع الثقافة السودانية في العاصمة المنامة، بمتحف البحرين الوطني، والتي شارك فيها الأستاذ بمعهد الموسيقى والمسرح في السودان د. عثمان جمال الدين، الأستاذ بجامعة البحرين الناقد د. عبدالحميد المحادين، والأستاذ بجامعة افريقيا بالسودان د. عبدالله حمدنا الله.

مسرح مسكوت عنه

وحول موقع المسرح في الثقافة السودانية قال د. عثمان جمال الدين: إن المسرح في السودان هو واحد من المسكوت عنه في الثقافة السودانية، لأسباب متعددة أولها أن وجود المسرح في السودان هو كوجود المسرح في الوطن العربي لأنه وجود أشبه بالمتعثر، باعتبار المسرح ليس جزءا أصيلا من الثقافة العربية قبل الاسلام وبعد الاسلام.
وصحيح أن هناك بعض الشواهد وبعض الظواهر التي تشي بشيء من التمسرح لكن ليست مسرحا بعلاقات الانتاج السائدة في المسرح الاغريقي الذي انحدر الينا حتى الآن، وكرمناه وسكناه في رؤيتنا الجمالية وأصبح جزءا من الثقافة العربية والثقافة السودانية على وجه الخصوص.
وعندما أقول المسرح بعلاقات الانتاج السائدة الآن فأعني أنه المسرح الذي انحدرت معماريته من الحضارة الاغريقية القديمة وهو المسرح الذي يسمى "البوروسينيوم" أو مسرح "الفتحة" الذي أصبح بهذا الوضع الذي نحن فيه الان، فهذا غير موجود في صلب الثقافة العربية على الاطلاق.
وأضاف د. جمال الدين: قام المسرح في الحضارة الغربية على تنظير الأحادية لكن بمرور العصور والأحداث الثقافية المستمرة سكن في صميم الجنس الثقافي في الوطن العربي وقبل، وكانت الريادة فيه للسوريين اذ شاهدوه في أوروبا ومن ثم أسكنوه في ثقافتهم ثم رحل الى مصر.
ونحن في السودان تعرفنا عليه بوجه خاص من الجاليات التي كانت موجودة في السودان، من الشاميين والمصريين وبعض الأغريق كالخواجة "لويز" الذي ذكرته بعض المصادر والمراجع.
والشاهد أن هذه النشأة التي تمت في المسرح في السودان نشأت مشابهة لكثير من النشآت التي تمت في الوطن العربي، لكن يحسب للسودان أنه اتكأ مباشرة على الحس الوطني، وقد دلتنا بعض الشواهد والدراسات على ذلك مثال علي عبداللطيف الذي كان يشكل جزء من حركة المسرح باعتباره باعتباره نوعا من التحريض.
صحيح أن هذه النشأن بدأت متعثرة بعض الشيء حتى استطاعت الدخول في النسيج الثقافي ببطأ شديد على عكس القصيدة والقصة وذلك الاعتبارات متعددة، لأن كثيرا من المثقفين السودانيين الى عهد قريب كانوا يأنفون عن الحديث عن المسرح.

المشهد الثقافي البحريني

من جانبه تحدث د. عبدالحميد المحادين عن بعض ملامح تكون المشهد الثقافي في البحرين، فأوضح أن البحرين بلد بحري ومع مطلع هذا القرن والقرون الخالية كانت علاقته بالبحر علاقة حياة وموت وصراع. وكان أهل البحرين من رواد الغوص في الخليج، واللؤلؤ البحريني كان مشهورا في أرجاء العالم، تضعه الحسناوات أقراطا وعقودا وترصع به أساورها ولم يكن يدور في خلد احداهن ما هو الألم الذي كان يعانيه غواص اللؤلؤ وتجارة اللؤلؤ ومتاعبها، في وقت لم تكن الخدمات فيه متيسرة بشكل أو بآخر.
ان الوطن العربي هو أطراف ومراكز ولقد كانت البحرين والخليج العربي في الأطراف، وفي الطرف الشرقي تحديدا، لكن لم تغب ولا حتى لحظة واحدة عن ما يدور في مراكز الوطن العربي. فمع مطلع هذا القرن كانت الصحف تقرأ في البحرين، وكانت تأتي من العواصم العربية الى الهند، ثم يعاد تصديرها من الهند الى البحرين، فتمكث الصحيفة شهرا، حتى تصل الى البحرين فيقرأ أهل البحرين منذ شهر ماذا يدور عند اخوانهم العرب في المراكز البعيدة.
وأضاف د. المحادين: كان أهل البحرين تواقين لأن يؤسسوا مراكز ثقافية، لذلك أسرعوا الى تأسيس الأندية الثقاقية في المنامة ثم في المحرق وهي أندية يجتمع فيها المثقفون الذين كانوا على اطلاع عن طريق التجارة والسفرات عن ما يجري في أوروبا وفي الهند وفي جنوب آسيا. لقد كانوا يقرأون ويناقشون ويتحدثون في أمور كثيرة.
وكان التعليم عبارة عن كتاتيب وكانت تقوم بدور أساسي في تكريس اللغة العربية عن طريق تكريس حفظ القرآن الكريم، لكن كان لابد من أن ينهض الناس الى تعليم أكثر حداثة مع التعليم الديني، فتأسست أول مدرسة نظامية في البحرين العام 1919. وهو تاريخ مبكر جدا في تلك الفترة التي كانت ضاربة في متاعبها ومشكلاتها. وفي العام 1928 كانت في البحرين أول مدرسة لتعليم البنات في المحرق أيضا. وفي العام 1928 ذهب اثنا عشر شابا من البحرين مبتعثين الى الجامعة الأميركية في بيروت، وكان ذلك فتحا كبيرا في التعليم النظامي.

فترة الإصلاح والرجعة

بينما عرض د. عبدالله حمدنا الله لجانب من تاريخ الأدب العربي في السودان: إننا نؤرخ للأدب الحديث فنيا منذ ظهور جيل البارودي، لكن العصر الحديث يبدأ عموما من الحملة الفرنسية، وقد عرف السودان طريقة البارودي تقريبا منذ بداية القرن العشرين، حين بعث شعر البارودي الشعر العربي بعد موته طيلة أربعة قرون. يقول عباس محمود العقاد "أنك لو ألقيت أربعة قرون من تاريخ الشعر العربي ما خسر الشعر العربي شيئا"، ودارسوا الأدب العربي يعرفون هذه الحقبة جيدا.
وقد جاء جيل العباسي وعبدالله محمد البنا وعبدالله عبدالرحمن ومحد صالح وهؤلاء، في فترة نسميها في الأدب السوداني - فنيا - بفترة التيار المحافظ من حيث النظر الى طبيعة الأدب نفسه وأسميها - أنا- فترة الاصلاح والرجعة، لماذا؟ لأن هذه الفترة وبسبب الاستعمار والاستشراق في العالم العربي كان كل الشعر العربي يريد أن يربط الانسان في هذه الأرض بجذوره، حتى لا يذوب ويندفن في هذا الوافد الجديد.
وأضاف د. حمدنا الله: أعتقد ان هذا أمر طبيعي فالشعوب التي تجري في عروقها دماء الحضارة لا تذوب في غيرها، فأوروبا على سبيل المثال لمّا واجهتها هذه الحضارة الاسلامية وكانت قوية في وقتها، لم تذب في الحضارة الاسلامية لأنه كانت عندها حضارة قديمة، لكنها رجعت الى ماضيها من خلال التراث اليوناني في الحقبة الكلاسيكية والتراث الروماني في الحقبة الرومانسية.
والعالم العربي لأنه يمتلك حضارة عريقة قديمة لم يرد أن يذوب أو يدفن في غيره ولذلك أراد أن يرجع الى ماضيه ليتطور ويسير، وبذلك ظهرت لدينا حركة الرجعة نسبة الى هذا وحركة الاصلاح لأن المجتمع نفسه كان لابد من فيه من اصلاح عميق جدا. وقد ظهرت في هذه الفترة عمرية حافظ وبكرية عبدالحليم المصري وعلوية محمد عبدالمطلب، وفي السودان ظهرت عثمانية البنا هذا الى جانب النماذج الكثيرة في الشعر السوداني".

حركة التجديد بالأدب السوداني

وحول حركة التجديد قال د. حمدنا الله: منذ منتصف العشرينات ابتدأت حركة التجديد في الأدب السوداني، ففي الفترة من الثلاثينيات وحتى منتصف الأربعينيات ظهرت حركة ما يمكن أن نسميه بالشعر الوجداني. وتأسست في سبيل هذا مجلات وكان هناك انتاج غزير جدا. والمسألة لم تكن اعتباطا لأن المثقفون عندما عملوا على اكتشاف اخفاق ثورة 24 انتهوا الى نتيجة مهمة جدا وهي أنه من أكبر اخفاقاتها أنه لم تكن لها حركة فكرية تسندها وتعبّد لها الطريق، لذلك لابد من قيام حركة فكرية تكون مدادا وسندا لأية حركة ثورية.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى