جعفر الديري - "ندوة السودان": الحركة بين أجزاء سودان اليوم قديمة وعريقة جدا

كتب - جعفر الديري

أكدت ندوة "السودان أبعاده الحضارية والتراثية" أن الحركة بين الأجزاء المختلفة التي تشكل سودان اليوم هي قديمة جدا وعريقة جدا، والوجود الذي يمثل المجموعات المختلفة في كل جزء من هذه الأجزاء هو أيضا عريق.
جاء ذلك خلال الندوة التي عقدت في متحف البحرين الوطني في العاصمة المنامة، خلال افتتاح الاسبوع الثقافي السوداني بمملكة البحرين، بمشاركة كل من أستاذ التاريخ العام بجامعة قطر د. عثمان سيد أحمد البيلي الذي تحدث عن منهجية دراسة تاريخ السودان وعلاقته بالعلوم الأخرى، وأستاذ الآثار في جامعة الخرطوم د. علي عثمان محمد صالح الذي تحدث عن الحضارة والتراث المادي المتأصل في بلاد النوبه.

ثقافة عربية إسلامية

وقال د. عثمان سيد أحمد البيلي: إن أقصر طريق للحديث عن تاريخ السودان وعلاقته بالعلوم الأخرى هو مقاربة أبعاد الموضوع كما عددها من تطرق اليه. فالحديث أولا عن السودان ثم أبعاده وعلاقته بالدول. وبسرعة شديدة جدا أود منكم أن تتخيلوا خارطة السودان، الممتدة من البحر الأحمر حتى حدود السودان. فهذا الفضاء الجغرافي الكبير الشاسع والمتنوع هو جزء من أبعاد تلك الحضارة، ثم يأتي داخل هذا الاطار المكونات البشرية المختلفة التي شاء الله أن تكون الآن في سودان اليوم بحدودة الجغرافية السياسية. وبالطبع هذا لم يكن في الماضي القريب. فلو رجعنا مئة عام الى الوراء. لوجدنا أن السودان قد بدأ يحتله الغزو الخارجي ومن ثم كانت أجزاءه تتساقط.
وأضاف المحاضر: ان هذه المكونات للسودان هي قديمة في هذا المكان، عريقة في تاريخ هذا المكان. ولها من تراثها المحلي الكثير جدا. لأسباب ربما تعلمونها. ذلك لأن الغزو الذي أتى من الشمال ثم اتسع لم يستطع أن يقضي على الثقافة المهيمنة في تلك الأجزاء في تلك الفترة. وهي الثقافة العربية الاسلامية. ولكن لابد من التفريق هنا بين ثقافة عربية وبين ثقافة عربية اسلامية. فليس بالضرورة أن تكون الثقافة الاسلامية ثقافة عربية والعكس صحيح. لأن هناك مسيحيون ويهود يمكن أن يسمّوا عرب.

تراث وحضارة

ومتحدثا عن المزيج الثقافي الذي تختص به السودان قال د. البيلي: أود مرة أخرى أن تعودوا بذاكرتكم لتاريخ القسم الشمالي من السودان. بدءا ببلاد النوبة التي تبدأ من أسوان في مصر وتنتهي الى سوبا. وتذكروا سريعا الممالك القديمة. وأثر هذه الحضارة التي قامت في هذا الجزء من السودان. فقبل أن تكون هذه المنطقة عربية اسلامية كانت قد قدمت ثقافة عريقة قديمة هي مزيج بين الثقافات. لأن بلاد العرب ليست فقط هي الجزء الآسيوي وانما هي جزء ممتد من الجزيرة الى المحيط. وقطعا كان هناك عرب تنوبوا في شمال السودان كما كان هناك نوبا تعربوا في شمال السودان.
ثم لنترك هذه المنطقة ونمشي الى الغرب فسنجد هناك دارفور. وهذه مملكة قديمة عريقة ومذكورة ومعروفة لها ارتباطها بمصر ولها ارتباطها بالحجاز ولها ارتباطها بالتجارة وبالثقافة العربية الاسلامية لا سيما القرآن. فهي تكاد تكون بوتقة ومركز للقرآن الكريم. وكانت فيها مملكة وكانت تنتسب الى المعقول والمعقول ينتسب الى العباسيين والأثر العربي الاسلامي. كما كانت هناك المسبعات وهي أيضا نماذج عربية اسلامية ثم كانت هناك آثار الزرقاء وهي ممتدة الى كل أجزاء السودان. وأذكر هنا "كيروان" وهو أستاذ وله المام واهتمام كبير جدا بالدراسات المروية وكان يزور السودان كثيرا ومن ضمن اهتماماته واكتشافاته أنه وجد أن هناك مثلثا قاعدته في جنوب السودان وفي بلاد النوبة. هذا المثلث يري اتساع وانتشارهذه الحضارة وهذا التراث.
وأضاف: أريد أن أقول هنا أن هناك صلة بين التراث وبين الحضارة. فالتراث هو القديم العتيد المتمثل في الأشياء مادية كانت أم تقليدية وتأتي الحضارة لكي تنبني على هذا التراث والتفاعل بين التراث والحضارة تتحرك الثقافة وهذا مصطلح بارز لابد أن نهتم به لأن الثقافة هي كيف نفعل وكيف نتفاعل ونعالج الأشياء. ثقف أي هذب شذب. فالثقافة هي التهذيب فالمثقف هو الذي يكون مهذبا. اذا في مقاربة هذه الأبعاد - وأنا أرجع هنا الى الدراسة. وأذكّر بمحاولاتنا نحن المهمتين في محاولة للتغيير الجذري في معالجة تاريخ السودان. بالذات وكيف كنا نريده أن يتكون من هذه المكونات. وينفتح كل السودانيين لكي يعرفوا أن هناك صلة قديمة وعريقة - عندما قلت أن السودان الحديث هذا هو تكوين الغزو لعلي لم أصدق. فالمفهوم الجغرافي السياسي نعم. لكن في المفهوم التراثي الحضاري فان الحركة بين هذه الأجزاء المختلفة التي تشكل سودان اليوم هي قديمة جدا وعريقة جدا والوجود الذي يمثل المجموعات المختلفة في كل جزء من هذه الأجزاء هو أيضا عريق.

نموذج فريد

من جانبه تحدث أستاذ الآثار في جامعة الخرطوم د. علي عثمان محمد صالح عن الحضارة والتراث المادي المتأصل في بلاد النوبه، وقال د. صالح: ان الدراسات التي تجري بشأن السودان من علوم آثار وغيرها وعلوم تاريخ بفروعه المختلفة وآلياته المختلفة جعلت من الضرورة بمكان أن يلتفت الناس لهذا التاريخ فهو نموذج فريد في تاريخ العالم، فالسودان بهذه المساحة وهذا التعدد سلك طريقا عتيدا في تطوره.
وأضاف د. صالح: ان التطور التاريخي في السودان متصل اتصالا حيا. فكل ما كان يمارس في سودان ما قبل التاريخ هو جزء من كل ما يمارس من سودان الفترة التاريخية وهو جزء من كل ما يمارس من تاريخ اليوم. ونحن عندما نقول ذلك ربما ظهرت هذه العبارة عبارة صعبة الفهم. ولكن عندما ننظر الى الثقافة المادية نجد أن ذلك صحيح. فهي فكرة نشأت من طبيعة الأرض وطبيعة المناخ. وهذه الاستمرارية ليست استمرارية مادية فقط وانما هي موجودة أيضا في الثقافة غير المادية بل حتى في الثقافة الروحية أيضا. فنستطيع أن نتحدث عن طبيعة تعبد السودانيين ونتحدث بين الاله الرسمي واله الشعب.
ان هذه الاستمرارية التي نجدها اليوم هي التي تكشف عن شخصية الانسان السوداني. فنحن عندما نتحدث عن الماضي نتحدث عنه وكأنه كان وانتهى. فنستعمل كان بعيدا جدا عن يكون. فبينما الحاصل اننا اكتشفنا ان الانسان السوداني الذي كان. كان انسانا عارفا ببيئته وعارفا باحتياجات تلك البيئة ومتأقلما مع ضرورات هذا الوجود. ومستغلا لهذه البيئة التي تواجد فيها وتكونت شخصيته منذ 1300 قبل الميلاد استنادا على الحفريات التي عثر عليها مؤخرا.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى