عبدالله البقالي - برج روتردام..

برنامج ذلك كان يقتضي مدينة روتردام. المدينة التي تسبقها سمعتها. و ترسم في خيال من يسمع عنها الكثير من الصور و الأفكار التي تبني تميزا و اعتقادا بأنه بصدد ولوج عالم شبيه بعوالم ألف ليلة و ليلة.
الطريق إليها تضع من يسلكها و لم يسبق له رؤية المدينة في حيرة. فالمشاهد المتوزعة على طول الطريق تكسر تلك الفجائية التي ترسمها مداخل المدن. فالتمدن تلوح أشكاله في كل ركن تقع عليه العين للحد الذي لا يمكنك رؤية التربة. بساتين و دور أنيقة و مدن صغرى غاية في الهندسة على طول المسار. حوار و جدل عجيب بين التطور و الأصول. بين التمدن و العراقة بشكل يفيد و كأن التصنيع لا يعني شيئا آخر غير الحفاظ على الطبيعة بشكل تصير فيه المساحات الخضراء هناك تفوق أي مساحة لبلد يعتمد الفلاحة الأسلوب الوحيد للعيش.
أوقف" زاهر" السيارة قرب برج هو أعلى ما يوجد في روتردام . برج لم أسمع به من قبل. لكن وجود أشخاص يتحدثون كل لغات العالم حوله، أفاد أنه برج مشهور و مقصد السياح من كل رحاب المعمور.
حين اتجهنا إلى المدخل، لم ألحظ وجود أدراج. وهو ما نبهني إلى أن الصعود للأعلى لا يتم إلا عبر مصعد. و على الفور أحسست أن أنفاسي تنقبض.
لم أكن أعاني من هذه العقدة من قبل. لكنها مع الزمن و الوقائع تكونت. لكني ظللت محتفظا ببعض الأمل بوجود أدراج بمكان ما. لكن صديقي أنهي كل الاحتمالات موضحا أن المصعد هو السبيل الوحيد.
صدر ردي بشكل عفوي و قلت: لنلغ أمر الصعود أو اصعد أنت و سأنتظرك هنا.
تسمر صديقي في مكانه و لم يتعدى أن رسم ابتسامة فيها الكثير من الأسف و الاستغراب معا. و الحقيقة أن هدوءه ذاك و تريثه في التعقيب أثر في نفسي كثيرا. فلا يعقل أنه بعد قطع كل تلك المسافة نلغي برنامج الصعود بدون مبرر أو بموقف غير مفهوم.
لقد كان الأمر يتعلق ببضع ثوان داخل ذلك الصندوق. غير أني كنت أجد تواجدي داخله أقسى من وجودي داخل قبر.
نظرت حولي. رأيت أناسا من مختلف الأعمار يهرعون إلى داخل المصعد. و دون أن تفكير قلت لصديقي: لنصعد.
ابتسم زاهر مرة أخرى و علق: حقا؟
عند منتصف البرج انفتح باب المصعد و خطوت خارجه و كأني لم اكن أشعر بكل ذلك الرعب.
المشهد كان رائعا. كل زاوية من تلك الشرفة العالية كانت تبيح للناظر رؤية مساحة من تلك الفتنة و الجمال الذي يشكل امتداد روتردام. عروس قد لا ترى عريسها، لكنك تشعر أنه يطوقها و يلف خصرها بذراع مشكلة من الزرقة و الأخضر و الأبيض. عاشقة تغازل النسيم الذي يمتص حرارة أنفاسها كي ينتظم النبض الذي يضخ الحياة في إوصالها.
الزاهر بدا اكثر حماسا وهو يطل من ذلك الارتفاع، بل ازداد جشعا وهو يطلب مني الاتجاه الى المصعد الثاني الذي يوصل إلى الأعالي. و في هذه المرة كنت حازما.
حين نزلنا إلى البسيطة قال الزاهر: هل تعلم أني أعاني من نفس عقدة المصعد ؟
نظرت إليه و انفجرنا ضاحكين.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى