عادل الأسطة - أنا والجامعة 14 : سنوات البعثة :

في نهاية أيلول من العام 1987 سافرت إلى ألمانيا ومكثت فيها حتى 10 تموز من العام 1991 .
خلال السنوات الأربعة هذه تقريبا انقطعت صلتي بالجامعة انقطاعا شبه تام . وكان علي بعد أن أنهي الدكتوراه العودة لكي أخدم مقابل كل عام أنفقه في الدراسة ثلاثة أعوام .
كان يمكن ألا أوقع عقدا ملزما مع الجامعة وأن أحصل على إجازة دون راتب لمدة ثلاث سنوات ، فالأستاذة ( انجليكا نويفرت ) ، كما ذكرت ، هي من كان له الدور في الحصول على بعثة DAAD ، ولكني كنت على يقين من أن الدراسة قد تستغرق أربع سنوات وأكثر ، فأنا مقدم على الدراسة بلغة لا أتقنها ويجب تعلمها في معهد غوتة لمدة ستة أشهر أو لمدة عام ، وأكثر الذين درسوا في ألمانيا احتاجوا إلى أربعة أعوام تقريبا ، وعدا ما سبق فإن سفري للدراسة في بعثة يختلف عن سفري للدراسة في إجازة ، ولا يعني هذا أن الجامعة ستسهم في نفقات دراستي وتدفع لي ولأسرتي مبالغ مالية إضافية . ربما كانت الميزة الوحيدة لطالب البعثة عن طالب الإجازة هي أخذها في الاعتبار في نهاية الخدمة ، علما بأن هناك ميزة لطالب لإجازة عن طالب البعثة تتمثل في أن الأول إن أخفق في دراسته وعاد لا يسأل عن التكاليف ، وأما الثاني ، إن أخفق وعاد ، فسيدفع التكاليف التي أنفقت عليه من الجهة المانحة كاملة ، تخصم من راتبه شهريا على سنوات . هل كانت الجامعة تنهج مع المخفقين كلهم النهج نفسه ؟
أعتقد أن العودة إلى ملفات المبعوثين المخفقين يقول لنا الحقيقة ، وأنا أعرف ثلاثة أو أربعة ممن عادوا ولم يكملوا دراساتهم أو ممن غيروا تخصصاتهم أو ممن مكثوا في دراستهم سبع سنوات أو عشر سنوات . دائما هناك اعتبارات تختلف من شخص إلى آخر ، ولا أريد أن أورد أسماء محددة لمن غيروا تخصصاتهم وعادوا معززين مكرمين ، أو ممن أنفقوا سبع أو عشر سنوات وانتهت حكايتهم بهدوء ، وأعرف أيضا شخوصا عادوا ولم يكملوا دراستهم فغرموا أو أعفوا . وليست هذه الحكاية مما يعنيني هنا .
خلال السنوات الأربعة التي قضيتها في ألمانيا كنت أتواصل من خلال الرسائل مع أصدقاء وزملاء لي ، أطلب منهم بعض الكتب أو أطلب منهم أن يتصلوا بأهلي في فترة الانتفاضة لتزويدهم بالمال كل شهر ، فالمرحوم عدنان العبدالله الذي كفلني من أجل العودة إلى الجامعة كان استدان مني مبلغا من المال ولما أراد سداده كلفت الدكتور محمود عطالله الذي احتاج المبلغ بزيارة أبي وإعطائه كل شهر دفعة ، وكانت الانتفاضة في ذروتها .
لم أتصل بإدارة الجامعة ولم تتصل بي تسألني ماذا حدث معي وأين صرت في دراستي ومتى سأعود ، ويبدو أن ما كانت تمر به الضفة من أحداث ملتهبة لم يكن يسمح لإدارتها بالتفكير بأمور المبعوثين ، فجل همها في الانتفاضة التي أغلقت فيها مباني الجامعة من الاحتلال هو تأمين شقق يدرس فيها الطلاب حتى تستمر العملية التعليمية غير المستقرة والبائسة جدا ، كما كان يكتب لي زميل في رسائله ويقترح علي ألا أعود بسرعة .
في أثناء إقامتي في ألمانيا كنت أتذكر في أعياد الميلاد الزملاء وبعض الأصدقاء ، فأرسل لهم بطاقات أعياد ، وكان من هؤلاء الدكتور شوكت زيد الذي صار في حينه رئيسا للجامعة ، وكان يرد على رسائلي ، لا بصفته رئيس جامعة ، بل بصفته مثقفا أنفقنا معا في وكالة الغوث خمس سنوات كنا نلتقي فيها أسبوعيا لمناقشة كتاب بحضور السيد يوسف رضا مدير الوكالة في منطقة نابلس والسيدة لواحظ عبد الهادي مديرة التعليم في الوكالة في منطقة نابلس أيضا . وأعترف بأن الدكتور شوكت زيد كان مثقفا وقارئا جيدا ومنه تعرفت إلى( عاموس عوز ) و ( ابراهام يهوشع ) ، فقد كان يقرأ الأدب العبري باللغة الانجليزية . لقد ابتدأت صداقتي معه قبل أن ألتحق بعملي في الجامعة وتوطدت وكان يكن لي احتراما كبيرا ، وكلما زرت مكاتب الوكالة عرجت عليه لنتحدث في الأدب ، وفي تلك الأيام أبدى إعجابه بقصة ( يهوشع ) الطويلة " إزاء الغابات " التي نقلت لاحقا إلى العربية .
صار الدكتور شوكت زيد رئيسا للجامعة ولم يحل هذا دون أن يكتب لي ، ولما كان ليبراليا ومتفتحا فقد حثني على أن أستفيد من إقامتي في ألمانيا ما استطعت ؛ أن أذهب إلى السينما والمسارح والفيلهارموني واقترح علي أن أقرأ رواية ( باتريك سوسكيند ) الصادرة بالألمانية حديثا والمترجمة إلى لغات حديثة في الوقت نفسه " العطر " ، ولم أكن أعرف في حينه أن المياه تجري من تحت قدمي الاثنتين ، فقد كانت الجامعة تتابع أخباري الشخصية أكثر من متابعتها أخباري العلمية ، وربما وجب أن أعرج قليلا على قصة شخصية حدثت معي شغلت نابلس وألمانيا والأردن ، وما زالت ، حتى صرت قضية عالمية ، وهذا ما سوف أكتب عنه ببعض حذر في الخميس القادم مساء أو في الجمعة القادمة صباحا .

2 / 1 / 2019



104

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى