خيرة جليل - التشكيلي السوداني ابراهيم الصلحي.. تجربة مائزة تمثل افريقيا بعيون أبنائها

عوالم الفن لها مرجعيات متعددة ، تجعل المتلقي يربط ذهنيا أو بصريا أشكالها وألوانها بأشياء أخرى سبق له أن رآها، مما يفقدها بعضا من هالتها. فكثير من الأعمال التصويرية تتناص بوضوح مع تيارات ومدارس غربية، واقعية، انطباعية، سريالية...وكذلك حال الأعمال التجريدية، فهي إما هندسية ذات مساحات مسطحة من الألوان الأساسية، أو تكوينات ذات أشكال متحررة لاتبتعد عن التجريد الغنائي، أو تنبثق أشكالها عن حركية شديدة وعنيفة، توظف الكف والذراع، وتمتح روحها من عوالم سولاج وفرانز كلاين أو بعض فناني الاتجاه الحروفي. لکن وأنت کمتلقی واعی بحیثیات التشکیل وقضیاه ومدارسه ...حین تقف أمام أعمال التشکیلی السودانی ابراهیم الصلحی ، تحس فعلا أنک تجردت من کل هذه الحمولات الفکریة والمرجعیات الفکریة ووقفت سبیا طاٸعا أمام أعمال تسحبک خارج الزمان والمکان ، فتتنقل بین فضاءاتها وتحاور شخوصها دون أن تحس بأدنی قطیعة فکریة أو لغویة. فمن یکن هذا الفنان الذی استطاع استقطاب اهتمام کبریات المٶسسات الراعیة للفن بجل مدارسه واهتماماته؟ ماهی خصوصیة معظم لوحاته الفنیة التی سمحت لنا الظروف بالوقوف امامها ومحاورتها؟ کیف تعامل مع الفن والمدارس الفنیة عامة وکیف تعامل مع فضاٸه الفنی حتی یروضه لإرادته؟

وأنا كمغربية أفريقية أحسست بالخجل أني لا أعرف الكثير عن هذا الفنان الذي مثل السودان في أرقى تجلياته، فالتشکیلی ابراهیم الصلحی ، ولد بأم درمان بالسودان سنة 1930. تم الإعتراف بقدراته الفنیة الممیزة سنة 1960. عمل رفقة أصدقائه على خلق مدرسة فنیة عرفت ب” مدرسة الخرطوم“ والتی قادت الحرکة التشکیلیة الحداثیة بافریقیا وهی فی حد ذاتها” أفرقنة الفن pan-Africanism. “ عين وكيلاً لوزارة الثقافة التى كانت تسمى أنذاك مصلحة الثقافة.. سنة 1970 زج به بالسجن لمدة ستة أشهر على أنه معارضا نشیطا للنظام السودانی انذاک. مما انعکس علی أعماله الفنیة التی انتقلت من العمل باللونین الأبیض والأسود الی خامة الألوان الأخری وشکلت أعماله صوته الذی یراد إخماده. Untitled Pen and Ink, 1963. — Ibrahim El-Salahi کسب بأعماله احترام النقاد وقاد الحرکة التشکیلیة المعاصرة بوسطه الإفریقی بامتیاز والتی عکست مدرسة الخرطوم بشکل واضح مما جعل أعماله أکثر عمقا وثراء فکریا وسیاسیا وفنیا فشکلت أعماله محطة إهتمام العدید من المٶسسات المهتمة ومنها مٶسسة هارمون Harmon Foundation Collection

كما كان أول فنّان إفريقي يعرض أعماله الفنية بصالة "تيت" الحديثة ببريطانيا، وهي أكبر وأعرق صالات العرض في العالم، ولا تُعرض فيها إلا أعمال كبار التشكيليين في العالم. حيث يقول: [كنّا عشرةُ مسجونين في زنزانةٍ واحدةٍ، نتشاركُ جردلاً يفيض بالقذارة].ثم واصل: [بالرغم من أنّ الحبس الإنفرادي كان عقوبة مَنْ يُقبض عليه متلبساً بحيازة ورقةً؛ إلا أنني واصلتُ الرسم على قصاصات ورقيةٍ، كنتُ أخفيها بالدفن]. الصلحي الذي شغل في سبعينيات القرن الماضي منصب وكيل وزارة الثقافة، وجد نفسه مسجوناً دون محاكمة، أو تهمة؛ ووصف تلك التجربة بـ "المروّعة جداً"، ولكنه استدرك بأنّه استفاد منها كثيراً.

إن ما یشد المتأمل لأعماله هو کونها أعمالا إفریقیة محضة تعج بأشکال الحیاة الافریقیة الأصیلة والصادقة، من اشخاص وحیونات وأشجار ومساکن ، والمثیر فیها أیضا أن رٶوس ووجوه الحیونات جد شبیهة بالأقنعة الإفریقیة، وهذا فی حد ذاته یعبر عن أصالة وعراقة أعماله التی تستمد مشروعیتها من جذوره الإفریقیة. أما بعض أعماله فهی عن قصد أو عن غیر قصد شکلت صوت إفریقیا المتطلع للتغییر ورصد صادق لمراحلها الدامیة واستنزاف خطیر لخیراتها من طرف الاستعمار بکل مراحله ، واستغلالا سافرا لحقوق مواطنیها دون السعی للتخفیف من معاناتهم من المجاعة والتهمیش والاستغلال وسط المجتمع العالمی . جل هذه الأعمال لم تکن بهذا المستوی من الرقی فی خطابها وجمالیة ألوانها لو لم یکن صاحبها بقدر کافی من الثقافة والوعی المسٶول. لأن التشکیلی ابراهیم الصلحی هو متذوق فنی من النوع الرفیع المستوی ، لأن شخصيته کمتذوق قبل أن یکون فنانا تأثرت بالأوساط التی انتقل فیها خلال وظاٸفه وحیاته مما هیأ له مستوى حضاري متقدم أدخله فی علاقة قویة وعمیقة مع الاتجاهات السائدة والتقدم العلمي التكنولوجي مما حقق له انفتاحا واضحا علی التعامل مع ثورة عالم الاتصالات، وما يحققه من الاطلاع على النتاجات الإبداعیة الحديثة، التي تقلل بدورها الفجوة الثقافية والمعرفية و تنمي مستويات شخصية المتذوق، لأن “الفرد لا يعيش في فراغ فشخصيته تتأثر (بالسياق الاجتماعي) الذي يوجد فيه،“* ولا تنطلق من فراغ کذلک ، فتشکل شخصیة ابراهیم الصلحی شخصیة صادقة وحاملة للهم الافریقی بامتیاز، لأنه شيخ صوفى زاهد يحرص علي حضور إحتفالات المولد النبوى الشريف بمسقط رأسه بأمدرمان..و ممثل تلفزيوني بارع ادى دور الشيخ( الحنين) فى فيلم عرس الزين للكاتب العالمى الطيب صالح الذى ترجمت رواياته بمعظم اللغات الحية وأشهرها موسم الهجرة إلى الشمال..فكان فنانا ذو قضية وشخصية صادقة ومتصالحة مع نفسها،لأن”الشخصية في مفهوم علم النفس هي جملة الصفات الجسمية، والعقلية، والمزاجية، والاجتماعية، والخلفية التي تميز الشخص عن غيره تميزاً واضحاً ان کان وصفاً او تعريفاً مبسطاً وحيداً للنفس البشرية هو كونها نظاماً ربطياً يكيف الاستجابات الفكرية والانفعالية التي يقوم بها مع الاوضاع التي يصادفها”* فشکلت أعماله لغة فنیة جمالیة فکریة راقیة وسهلة ممتنعة و أدبا فنیا وفکریا للحوار والتخاطب . منطلقا من عدم التعصب لأفکاره الشخصیة مرسخا الحق فی الإبداع فی إطار ما تضمنه الحریات السیاسیة الفردیة والجماعیة فی إطار مبدإ الدیمقراطیة الفنیة والفکریة، داعیا للتخلی عن المیز العنصری وإحترام مبدإ التنوع البشری فی تقبل الاخر مع الإحترام المتبادل. أعماله وحیاته شکلت نموذجا صریحا وصادقا للتعایش بین الأدیان والتخلی عن التعصب الدینی والمذهبی والعرقی فشکلت أعماله برادیم إفریقی صادق ینطبق علی حیاته کالإبن البار لأفرقیا الصارخ بهمومها فی إطار رٶیة ” ماما أفریقیا“ ؛ مما یجعل المتلقی قادرا علی فهمها بسهولة لأن جمالیتها تنطلق من مرجعیتها الفکریة والجمالیة المحلیة والإنسانیة الکونیة التی بناها المبدع علی التسامح بجل أشکاله وأنواعه ومرجعیاته لأنه کما جاء لدی عالم النفس الانجليزيBullough، فی تصنيفاته للنمط الادراكي” يمثل كلاً من هذه الأنماط طريقة مختلفة في إدراك الموضوعات الجمالية والإستجابة لها“. فی دراستی لبعض لوحاته التی کنت محظوظة بتأملها من حیث الخطوط والالوان والمساحات والملمس والشكل والفضاء، وكما هو معروف ان هذه المفردات لعناصر الفن التشكيلي متوافرة في تكوينات الطبيعة وكل مفردات الكون ومنها البشر، ولكن هذه المفردات عندما يتاملها الفنان ابراهیم الصلحی تصبح خزانا خصبا له للکثیر من الأفکار التی تعج وسط دیماغه فیحاول إخراجها علی شکل أعمال فنیة أصیلة، ليقوم بفصل هذه الأجزاء وتفكيكها فيقوم بتشكيل بنيتها بتكوينات فنية سهلة ممتنعة عندئد يسمى عمله بالفن التشكيلي الإفریقی الأصیل بكل فروعه التي تم ذكرها من رسم ونحت وكرافيك مرکزة وملخصة فی لوحاته التی في معظمها إما صغیرة أو متوسطة الحجم.

فی دراستی لبعض لوحاته التی کنت محظوظة بتأملها من حیث الخطوط والالوان والمساحات والملمس والشكل والفضاء، وكما هو معروف ان هذه المفردات لعناصر الفن التشكيلي متوافرة في تكوينات الطبيعة وكل مفردات الكون ومنها البشر، ولكن هذه المفردات عندما يتاملها الفنان ابراهیم الصالحی تصبح خزان خصب له للکثیر من الافکار التی تعج وسط دیماغه فیحاول اخراجها علی شکل اعمال فنیة أصیلة، ثم بعد ذلك يقوم بفصل هذه الاجزاء وتفكيكها ثم بعد ذلك يقوم بتشكيل بنيتها بتكوينات فنية عند ذلك يسمى عمله بالفن التشكيلي الافریقی الاصیل بكل فروعه التي تم ذكرها من رسم ونحت وكرافيك مرکزة وملخصة فی لوحاته التی معظمها إما صغیرة او متوسطة الحجم. کل اعماله کانت بنات افکاره الصادقة والبارة لجیناته السودانیة الافریقیة. وهذا ما جعلها ممیزة. ولقيمتها فهي تحظى بأعلى وأرقى دور العرض والمتاحف العالمية لتلعب بذلك دور الدبلوماسية العالمية .

عموما،إن أعماله تمثل بامتیاز عهد الفنان الملتزم، الواعي بهموم الإنسان وقضايا مجتمعه، الفنان الذي كانت ريشته بندقیة فی وجه الأعین المتربصة بأرضه وثقافته، وبوجوده کإنسان إفریقی حر لم تغریه بهرجة المناصب وصخب الحیاة أمام القضیة التی کانت تسکن کیانه ثقافیا وانسانیا وابداعیا والقلیل بأوطاننا العربیة والافریقیة التی تدرک ذلک فعاش اغترابا بوطنه وبعالمه العربی لیختار فی الاخیر الاستقرار ببلاد الغربة التی أدرکت قیمة أعماله الفنیة لتحضی باهتمام کبربات المٶسسات العالمیة التی لا یحلم بولوجها کل من ادعوا القادة والریادة بالتشکیل بعالمنا العربی والاسلامی

المصادر والإحالات:

*- مدارس علم النفس : راجح ،احمد ،اصول علم النفس 1976

- مدارس علم النفس عاقل فاخر 1977 2

- بول ریکور : صراع التأویلات . ص31 ترجمة د منذر عیاشی ومراجعة د جورج زیناتی . دار الکتاب الجدیدة ط 2005 .

5- الواقع العربي وتجارب ما بعد الحداثة في الفن التشكيلي من الصورة إلى المفهوم. بشرى بن فاطمة

6- Nathalie Heinich Le Paradigme de l'art contemporain، Structures d'une révolution artistique 2014. Gallimard.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى