القاصّة التّونسيّة زهرة مراد تعوّض ما فات من زمن الكتابة.. حاورها : محمد عمار شعابنية

اقتحمت زهرة مراد المجال السردي بعدما أدركت سنّ الحكمة اكتسبت خبرة واسعة في الحياة وتجاوز أبناؤها مرحلة المراهقة ، غير أن ذلك لا يمنع من التصريح بأنها ظلت منذ سنوات الدراسة قارئة نهمة مطلعة على أمهات الكتب باللغتين العربية والفرنسية في مختلف اختصاصات العلوم الإنسانية وفي مقدمتها الكتب الأدبية .
وعندما ألحّت عليها الكتابة قررت أن تخوض غمار السرد القصصي والروائي فأصدرت من ثمراته قبل تقاعدها بسنوات قليلة ثلاث مجموعات قصية ورواية في ما بين 2014 و2019 وما زال لها ما تقول متشجعة باحتفاء أهل الأدب والقراء بأعمالها التي اعتبروها إضافة إبداعية تستحق الإهتمام بها .
أنتولوجيا السرد العربي أجرت معها الحوار التالي :

> س: زهرة مراد...قدّمي نفسك ليتعرّف عليك القرّاء.
- ج: زهرة مراد، كاتبة تونسيّة، مولودة بالوسط التونسي (نصر الله)، أعيش حاليا بشمال البلاد (قليبية ). عملت بسلك التّعليم، أستاذة المدارس الابتدائيّة، ثمّ في إطار الإشراف البيداغوجي (مساعدة بيداغوجية). الآن، متقاعدة. أكتب القصّة والرّواية وقصص الأطفال كما أكتب الشعر النّثري والشعر باللّغة العاميّة. لي إصدارات أربعة هي على التوالي "على وقع ولادة" (قصص)، "ليلة بيضاء" (رواية)، "مغانم الحزن" (قصص)، "صديقي المشاكس" (قصص).

> س : لم تنخرطي في مجال الإبداع الأدبي قبل سنة 2014 أي بعد فترة شبابك بسنوات معتبرة.. ما الذي شغلكِ عن الكتابة فيه ؟
- ج: منذ سنوات الدّراسة بالابتدائي،كنت أحبّ القراءة والكتابة. وكانت نصوصي تُنشَر في مجلّة المدرسة في ذلك الوقت. وفي المعهد، كان أساتذة اللّغة العربيّة يُعجبون بما أكتب دائما وكثيرا ما كنت أحصل على أفضل عدد في العربية. خلال تلك الفترة، بدأت أكتب الشّعر، ثمّ الخاطرة، وبعد ذلك بدأت أكتب القصّة. راسلت برنامج "أدباء ناشئون" الّذي كان يقدّمه في الإذاعة المرحوم الأستاذ الجامعي المنجي الشّملي.
إلاّ أنّني حين دخلت معترك الحياة المهنيّة، وتزوّجت وأنجبت أطفالا...لم يبق لي المجال للتّفكير في الكتابة كما في السّابق، لأنّ مهنة التّعليم مسؤوليّة كبيرة جدّا، كنت أتعامل معها كرسالة اجتماعيّة وإنسانيّة، وهي كذلك بالفعل، فكانت تأخذ منّي الكثير من الجهد والوقت...إلى جانب واجباتي تجاه عائلتي وأطفالي الثّلاثة.
كانت النّتيجة أن ابتعدت عن الكتابة نوعا مّا، كنت أكتب أحيانا ولكنّي أحتفظ بما أكتب لنفسي...إلى أن كبُر الأولاد واطمأنّ قلبي على مستقبلهم وصار عندي الوقت الكافي لأعود إلى القلم. ومع تطوّر تكنولوجيات التّواصل، وجدت نفسي أكتب وأنشر في الفضاء الأزرق...ولقيَت كتاباتي صدًى طيّبا لدى عديد الأصدقاء والقرّاء...
شجّعني ذلك على العودة للكتابة بأكثر حماس. ثمّ جاء ذلك الحدث الّذي زلزلنا جميعا في نهاية 2010 وبداية 2011، أتحدّث طبعا عن الأحداث السّياسية والحراك الاجتماعي الّذي لم ينتهِ بعدُ في الحقيقة ولم يؤت أكله لحد الآن...فصار الوضع مثيرا ومحفّزا أكثر للكتابة. من ثمّة كتبت وانتقلت إلى خوض غمار تجربة النّشر. فكان أوّل مولود أدبيّ سنة 2014 بعنوان "على وقع ولادة" وفيه عديد النّصوص الّتي تتحدّث عمّا هو سياسيّ، كما لا يخلو الكتاب من مواضيع أخرى تلامس الحياة الاجتماعية والمواضيع العاطفيّة وغيرها...

> س: امتهنت التّعليم إلى أن تدرّجت فيه للإرشاد البيداغوجي فكنت تتنقلين باستمرار إلى المدارس الابتدائيّة في المدينة والقرى والأرياف البعيدة للقيام بعملك...هل انطبع كلّ ما عايشته بالممارسة في قصصك ؟
- ج: حين نكتب، لا بدّ أنّنا نُفرغ في نصوصنا من ذواتنا ومن تجاربنا، هذا مؤكّد...لكنّنا حين نتكلّم عن تجاربنا فليس بالضّرورة أنّنا نعني أنفسنا كأشخاص. إنّما كلّ ما نعايشه من أحداث ومواقف وحكايات قد تخصّ تلاميذنا أو زملاءنا أو جيراننا أو حتّى أناس لا علاقة لنا بهم غير التّلاقي بمحض الصّدفة...ومن المؤكّد أنّ ما عايشته في كلّ مكان زرته، قد ترك أثرا مّا في كتاباتي. ولا يقتصر الأثر على المواقف أو الحكايات أو الأحداث أو الأشخاص...المكان نفسه، أحيانا، هو الّذي يؤثّر فينا ويستفزّنا لنكتب عنه.

> س: في ما بين 2014 و2019 نشرت ثلاث مجاميع قصصية ورواية وتستعدين لنشر غيرها...هل هو تعويض عمّا فات من زمن الكتابة؟
- ج: نشرت فعلا أربعة كتب بين سنة 2014وسنة 2019، ولو كنت متفرّغة للكتابة تماما كما أريد، ربّما كنت كتبت أكثر من ذلك. وفي اعتقادي كلّ العمر هو زمن للكتابة طالما هناك القدرة والرّغبة وعنصر الاستفزاز، أقصد تلك الدوافع الّتي تجعلنا نكتب...العالم من حولنا يشتعل وفيه ما هو مقرف ومغضِبٌ الكثير، بدءا بمحيطنا القريب...نحن نسمع ونرى يوميّا ما يستفزّنا...لنكتب...نوثّق لزمننا ومجتمعنا وللعالم وللأجيال القادمة ما نعيشه اليوم وهنا...

> س: أنت قاصّة مراوغة لأنّك تستدرجين المتلقّي لقراءة قصصك بشغف عساه يستنتج نهايات لها غير أنّك تفاجئينه بخواتم لم يفكّر فيها، كما ورد ذلك في قصة " صديقي المشاكس"...هل هناك تفسير أو تبرير لذلك ؟
- ج: صحيح، هناك مراوغة في بعض نصوصي كما في نصّ "صديقي المشاكس" وكذلك في نصّ "كرهها" من نفس المجموعة...لكن ليست كلّها...ألا ترى معي أنّ تلك المراوغة مشوّقة وتلك النّهاية غير المتوقّعة ممتعة؟ من طبعي، أكره العمل بنفس الوتيرة، ربّما ينعكس هذا على كتاباتي من خلال تلك المراوغات.

> س: في قصصك أحلام كثيرة وإحباطات متعددة...فلأيّ منهما سيكون الانتصار في إصداراتك القادمة ؟
- ج: لو لا الحلم لقتلتنا الإحباطات. والمتعمّق في كتاباتي المليئة بالأوجاع والإحباطات كما تراها، فإنّه يلاحظ أنّها لا تخلو أبدا من الأمل. و في حياتي كما في كتاباتي لا يكون الانتصار إلا للأمل والحلم...فقد تتأخّر الأشياء الجميلة، لكنّها حتما تأتي.

> س: بأيّة عناوين قصصيّة أو روائية ستطلّين على القرّاء بعد اليوم؟
- ج: مبدئيّا...العنوان الّذي سيصدر قبل غيره هو "أقدام على الرّمل"...بعد ذلك لكلّ حدث حديث. لم أختر بعدُ عنوان مجموعتي الجديدة.

> س: هل تؤمنين بأن هناك أدب نسائي وأدب رجالي .. وإن كان هناك فارق بينهما ففيما يتمثل؟
- ج: أعتقد أنّ الأدب إنسانيّ ولا فرق بين ما تكتبه المرأة وما يكتبه الرّجل إلاّ بقيمته الإبداعية. وأستغرب تسميات مثل الأدب النّسوي.هل نسمّي ما يكتبه الرّجال "أدبا رجاليّا"؟

> س: لمن تقرئين من السّادرين والسّاردات ؟
- ج: يصعب حصر الأسماء لكنّني قرأت للكثيرين. أذكر محمد العروسي المطوي وعلي الدّوعاجي ونجيب محفوظ والطيب صالح وعبد الرّحمان منيف والبشير خريف ومحمود المسعدي...كما أنّني أقرأ الكثير ممّا ينشر في السّاحة حاليا...

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى