فتحي مهذب - من قتل (ج)؟.. قصة قصيرة

الثالثة مساء
ندف الثلج تتدافع.. شهر يناير ذئب قطبي ما فتئ يعوي منذ أيام قلائل فوق أسطح البيوت القرميدية.
كان حاجز بلوري يفصل بينهما. كل يضع سماعة الهاتف في أذنه المستنفرة.
الكلمات تتساقط مثل أوراق الخريف من شفتي إبنه السجين.
الإبن متلعثما عيناه تحلقان مثل عصفورين مذعورن.
- لست أنا الذي رشق السكين في قلب (ج).
ثمة وحش قذر مخيف بدائي قفز من قفصي الصدري
وأعمل أنيابه في جسد (ج).
ثم إختفى على غرة داخل غابة أعصابي الكثيفة.
أنا بريء أنا بريء.
الوحش الدموي الذي يحتل مملكة جسدي هو القاتل الحقيقي.
نظر إليه الأب نظرة سريالية غائمة
- هون عليك يا بني.
أعرف جيدا إنه الجني الذي خدع أمك وأهاب بها إلى إعمال النار في جسدها لكي تتخلص من الأشباح التي تضربها بالكرباج في الليل فتصدر صوتا ميتافيزيقيا غريبا مزعجا أقض نوم الجيران.
- إنهم يبغون مضاجعتي وجري إلى مكان معتم جدا.
أبي : هل مات ( ج ) ؟
الأب : نعم .
لقد قتله دب نصفه الأسفل بشر .
- كيف ؟
صوب خنجره السام باتجاه قلبه فأرداه قتيلا.
- لكن لماذا أنا في السجن ؟
لأنك متهم بجريمة قتل مروعة .
أطلق الإبن عبوة ناسفة من أعماقه تناهت إلى مسمع السجان الذي كان يراقبه عن كثب.
- إسمعني جيدا يا أبي
لم أقتل (ج) إطلاقا .
لقد إنتظره البحر طويلا ليشيعه إلى بلاد الفرنجة لتغيير معالم حياته الشحيحة البائسة ليفر من أخطبوط الموت البطيء ونعيق غربان اللاجدوى ليصنع ملحمة فذة لحياته الهامشية الكريهة.
بيد أن البحر غضب غضبا شديدا لما تأخر (ج) فقرر الذهاب إلى بيته على أطراف أصابعه وإطلاق النار عليه.
البحر لا يظلم أحدا . إنه لا يحب الكذب واللف والدوران والضحك على الذقون. البحر يحب المغامرين وأسباط السندباد.
الأب : أحيانا أشك في قدوم تلك المومس خلسة متلفعة بثياب راهبة مسنة لتقتص منه لأنه إفتض مشاعرها وهدم فردوسا صغيرا أقامته على حافة قلبه المتشفف عاقدة العزم على إتخاذه بعلا والهروب من صخب الحانات وشقشقة أفاعي المامبا.
إنها القاتلة المتخفية التي طاردته مثل فريسة هشة ومن ثم لم تجد بدا من حمله إلى عالم الماوراء.
- الإبن مخاطبا الأب بلهجة خافتة : أصدقني القول يا أبي هل أنت القاتل السائر في جنازة (ج) ؟
الأب- أنا لا أقتل المجانين مثلك.
- الإبن : ملامحك تشي بذلك يا أبي.
- أنت قتلت جدول الفرح الصغير في أوج عنفوانه.
شردت عصافير العائلة التي تسكن في أعشاش قلوبنا.
- الأب : أنا لم أقتل فراشة واحدة في حياتي.
- الإبن : يصرخ يا سجان يا سجان
هاهو القاتل الحقيقي.
- إنه أبي الذي قتل (ج) بمسدسه الإداري لأنه دافع عن شرف أخته العذراء لما حاول أبي إغتصابها.
- أبي جاسوس وشهواني وعاهر.
وفي هذا الوقت بالذات حيث هاجت ثيران جنونه تدخل عدد من السجانين ساحبين الإبن إلى إلى باحة السجن صائحا
أنا بريء أنا بريء.
بينما عاد الأب أدراجه إلى الخلف.
مخاطبا نفسه بإيقاع تراجيدي.
- هل أنا مجرم؟
- هل أنا حقا من قتل( ج )؟
  • Like
التفاعلات: ليلى منير أورفه لي

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى