أمل الكردفاني/ الفهم والتوقعات

✍ *_أمل الكردفاني_*

تبدو المسلسلات التركية ساذجة جدا..حيث انها تبنى على فكرة سوء الفهم بحيث ينمو سوء الفهم وتنمو معه القصة...وفي النهاية تنحل العقدة بانحلال سوء الفهم...
مع ذلك الأمر ليس ساذجا كل السذاجة..فخلال تفاعلاتنا الانسانية نعتمد بشكل اساسي على التوقع والتوقع يعتمد على الفهم والفهم يعتمد على صحة او عدم صحة أحكامنا الأولية.
انت تفهم الشريك إما لتستغله..او لتطور علاقتك به أو لتدمره...
وهذا يعني اننا نتوقع سلوك الآخر والسلوك غالبا ما يكون قصديا وعليه فنحن نتوقع النوايا .. والسلوك والنوايا هما ردود الافعال.
وهنا تبرز مدارس عدة علمية تأخذ بما نقوم به يوميا بشكل اعتباطي وتدرجه هي داخل منظور علمي.
وتعمل العلوم في اتجاه تطبيقي لرسم ردود الافعال أي توجيه الأفراد. فعلم الهندسة الاجتماعية هو احد تلك العلوم التي تعمل على منح سلطات الدولة آليات تحريك المجتمع نحو تحقيق أغراض الحكومة وتحقيق مصالح فئة ما.
الإعلام السياسي أيضا وعلم النفس السياسي بل وحتى علوم الجريمة المختلفة تسعى نحو هذا الغرض. وتستخدم العواطف المتنوعة (دينية ، ثورية ، قومية..الخ) للسيطرة والتوجيه.
فبدلا عن مجرد الفهم للآخر فهناك السيطرة على الآخرة عبر تحديد مفاهيمه وأفكاره.
كيف نفهم الشريك؟ وهذه مسألة شديدة الأهمية والخطورة...إن فهم الشريك سواء الأسري أو شريك العمل التجاري والسياسي بل وحتى الشريك في الجريمة هو أول مبادئ تطوير العلاقات المختلفة...وهو أول ما يبحث عنه الشركاء..
فقبل الدخول في شراكة تجارية نبحث عن شريك جيد..وجيد هنا تعني أن ردود أفعاله ستتطابق مع توقعاتنا دائما أو غالبا بما يحقق مصالحنا. وأغلب الشراكات تفشل منذ البداية إذا لم تتأسس على أسوأ التوقعات وبالتالي وضع منافذ وطرق بديلة واحتياطية للخروج بأقل الخسائر في تلك الحالات السيئة.
وما دمنا نتحرك في هذا النطاق فالتوقع هو ما يحرك كل انشطتنا..فعندما نتزوج نتوقع أشياء ما وعندما ندفع ثمن سلعة نتوقع أشياء ما وتحدث الصدمات عندما يخالف الواقع توقعاتنا على نحو مباغت.
عندما نسلم على شخص نتوقع أن يمد يه ويصافحنا ولكن عندما تمتنع امرأة عن مصافحة رجل لسبب ديني أو غيره تحدث صدمة مؤقتة وسريعة تخالف المجرى العادي للأمور .. والمجرى العادي هو أن تتطاق مجريات الأحداث مع التوقعات نتيجة فهم مسبق لها.
وعندما نتحرك في اتجاه السياسة الدولية سنجد أنها تعتمد كذلك على التوقعات وتعتمد فوق ذلك على التوقعات التي تقف على طرفي نقيض. وهكذا فأمريكا تستطيع ضرب إيران إن ضمنت توقعات رد الفعل الروسي أو الصيني...وإيران تستطيع ان تحتل الجزر الإماراتية إن ضمنت انطباق توقعاتها مع رد الفعل الأمريكي وكذا...
وهكذ فالتوقع هو فهم مسبق لرد فعل الآخر على مستوى الأفراد والجماعات...وروابطنا الاجتماعية والقانونية والسياسية تهتمد على ذلك الفهم وبدونها تكون تحركات أحجار الشطرنج عشوائية وشيدة التدمير.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى