صلاح عجـيـنة - هذا هو الذي

1

الكلبة في الحي مثل جردل كناسة، أودع نفسه للناموس، مجرد كائن منبوذ، يبعث في المكان روائح نتنة، لا تطاق، كروائح المؤرخين السماسرة.. الحي يتوحش تعقيداً، والكلبة في العهر تتأسس مشروعاً.. الحي يبلله الشوق لمحق ذاته برئة أفصح، والكلبة في البائسات من الأيام تختمر..

الحي يملؤه التحديق، والكلبة يعيشها اللا وقت، وقشعريرة مطبقة من اللا جدوى كلاهما، الحي والكلبة يسرق الآخر، فالحي يسرق روث الكلبة ليبتسم أديمه ويسرق سرها وأخبار دورتها السرية، والكلبة من الحي بأعجوبة تسرق حياتها.

إن المشكلة بأسرها لن تفكها خطابات الهوية - إذ ليست ثمة هوية تلغى أخرى، إن ما يحدث بعيد عن الهوية، إنها صرخات أصولية مزعجة على غرار ما يفعله المنطق احصري.. تقول القراءات.

كلاهما جان، وكلاهما مجني عليه.. بيان يكتنفه التكرار تصدره الدوائر ذات الطابع الإعلامي.

"تف".. سيمفونية جماعية مجزوءة الزمن والضوء يجيد عزفها أبناء الكلبة المقرورين

- العدالة.. مفهوم طوباوى تتلقى ربقته - كالعادة - كائنات القدر من الناطق باسم الحي الذي - يستمر في إلقاء دروسه عن حقوق كائنات القدر مستشهداً كل مرة بما تلقاه الكلبات من الويلات.

- ليست نظيفة هي الدروس.. تقول جمعية الرفق بالكائنات المتعددة الإعاقة.

- مكملاً حواره. يجدد الناطق دعوته بقوله:

دعوا الكلبات تتمرغ وتمرح في المستنقعات، هناك أو هنا، دون أن تقترب من محلات بيع السجائر أو الأرصفة التي تمثل الطابع المجتمعي التاريخي لدين الحي.

- الحي يصطفى مجلساً دسم القبح لفض نزاعات المواشي والدواب والكلبة لا تفتأ تدع ذيلها المجزوء يرسم وجداناتها العفوية، إنها لم تعرف الزيف بعد، فالزيف خدعة رشيقة بالغة الحدة، أما الكلبة بالنسبة للزيف مثالية حد التصرف، إنها تحتاج مزيداً من الربكة والإثارة.. مزيداً من الإسفلت والضباب كي تؤهل أعضاءها لفنون الزيف والبناء.. تقول القراءات

كتاب إحباط همارئتا الكلبة، أما شفتاها فهما النزف المجهول الولادة، وكذلك الكلبات الجارات والليست جارات تعيش.. إنه فرط من الظلم، ظلم المعنى وظلم المجلس … واللعنات تتردد في الأزقة الرملية المحتشدة بالملل والصمت معاً..، لكنها أبداً، لا تناغى أحداً.. ويستمر المجلس في تسيس الدواب سياسة يلحفها الليل بظله.. وتأبى الدواب إلا أن تكفن عيونها.. صارت الكلبة في مواجهة مجلس الحي وكذلك الكلبات الجارات، مواجهة بدائية تنحصر في إطلاق هواء جوفها في إحدى أزقة الحي الممتدة.. وكذلك الكلبات الجارات تفعل !

- مواجهة إعلامية لإرضاء شعر إبط الكلبة لذبح أية شكوك أو تساؤلات عن إمكانية المواجهة.. أصوات معارضة تفترض هذا.

- الفنان هو من يتخذ منهجاً ثورياً في المواجهة يضرب من خلاله عنق السلفية استيفاء ثم يحيلها إلى قائمة التقاعد عن العمل ليخترع - وهو الأقدر - منظومة مستحدثة ليمارس دوره كمناضل مبشر، يحمل نبوءته، وفى ذات الوقت يهيئ هذه المنظومة بأن تنسحب - دون مماطلة - فور انتهاء لحظتها التاريخية لتنتهي مشرقة في ترتيبها المعجمي.. يقول النبأ التاريخي.

مجتمع الكلبة.. مجتمع اللحظة المعادة على الدوام، والمنفصل على الدوام.. أدركت هذا الكلبة وكذلك أدركت الكلبات.

- من هناك، حيث الأوحال والأزقة الباهتة، حيث الفقر كله، والملل مبلغ نقدي، حيث يموت ديوجين في اليوم ألف مرة، صرخت الكلبة في جمع الكلبات:

- لمتنا لباس المعنى، ومرآة القوة، فلنعلن عن أنفسنا، فنحن في النهاية إناث من فصيل الحقراء وأبناء عهر متواصل.. إذن، لننسى عقائدنا الخاصة ومرجعياتنا ريثما نجد لنا بيان.. فلنتفق ولنمزق هذا الليل الجامح فينا !!

- كيف ؟.. هل نعيش سوية في زقاق واحد ؟

كيف سنحقق المعنى إذن ؟ كلبة من زقاق أرستقراطي تساءلت - ماذا تقصدون ؟. أتريدون إعلان الخصومة ضد الحي ؟ … تريثوا، فثمة أمور لا يمكن التعامل معها بحرارة !.. كلبة أليفة غاضبة.. بتأفف ألقت برأيها والذي لا يعنيها الأمر كثيراً. وخلعت أبواب الحوار، وانشرح الخلاف، وسقط الجميع في بركة الأيدلوجيات ومستنقعات الدرجة.. صارت الكلمة اجتراح لمستحيلات وبات الرأي مصنعاً لموضوعات طوباوية.. ربما يتعين الافتراض أن حالة كهذه نشأت عن الاختلاف المذهبي أو تعدد الخيار السياسي في مجتمع الكلبات، إلا أن الواقع يرصد عكس هذه الرؤية، إذ أن تعددية الخيار السياسي والمذهبي تبدو مرحلة لا تجسدها حالة الكلبات على الخارطة الحياتية… فكلبة قذرة في زقاق رخيص، وأخرى أليفة في بيت عريق، وثالثة تعيش على أعضاء تناسل أبنائها، و…….، وجميعها تتفق في العهر وحب البقاء دون جاهزية نموذجية للبقاء.. فتغيير الحياة أو إعادة ترتيب المحيط ليست من شأن الحلم في الذاكرة المجتمعية للكلبات، بالتالي.. فإن أسئلة الحاضر مؤجلة إلى حين إيجاد منظومة لإجابة الماضي الذي لم يكف عن التدفق بحيوية لبحث قصة الخلق الكائناتي.. تقول القراءات.


11

إن المشاكلة التي يقطر من أردائها الحنق هذه التي يصر على تنفيذها أبناء الكلبة، والتي تتلخص في اختلاق أسطر مضيئة من تاريخهم المنحوت بالشطط، فرغم أن التاريخ مادة تعالج عجز الراهن، إلا أنه لم يكون إلا ذاكرة مجهدة إزاء تاريخ موغل في العهر.. وأبداً لا تكف محاولات أبناء الكلبة المشلولة الشرف في تحقيق مبتغاهم، وأبداً لم ينالوا قسطاً، صار التاريخ - بالنسبة لهم - مطلباً جماعياً وتساؤلاً يذعن لخطابات تذعن في نهايتها، لكسب رهان الأسبقية الماضوية ليبرروا عجزهم الآني.

- لا تجسيد اللحظة ولا ترتيب المعنى يعنيهم، أنهم يغصون في مساحة ممتدة من الوهم، مفترضين أن لهم مملكة غابرة، وإن هذه المملكة غارقة في بطن الحجر.. حروف بائسة لم تتعلم بعد، معنى الطقس ومعنى الآخر!!

- ظاهرة بحجم هذه - تلفيق تاريخ مضيء - تحيل الذائقة إلى قائمة مشوهة تحوى بأسماء مومسات، إنها فانتزيا من البلاهة وسوء الحال. إن تاريخ الكلبة - في واقع الأمر - كامرأة خطلاء، أحمق من يأتيها طالباً القرص.

- أرضهم حقد، أشجارها حقد، وثمارها أحقاد، ذلك كونهم يشعرون بالضيم وفقدان المعنى والبيان، لذا فسطور تاريخهم لا تعدو كونها جذوراً سحيقة من الأحقاد القديمة والجديدة، والخارج من تلفيقهم التاريخي لا تعيشه سوى حالة من الغثيان والقيء، إنه تاريخ دموي حاد، وجنسي حاد، محوره الفني السياسة ومحوره الخفي صراعات تدور في فلك الأعضاء التناسلية.. تاريخ لم يولد كي يقال أنه تاريخ.. بإيجاز يقول النبأ التاريخي.


111

هؤلاء هم الذين

قضموا بأسنانهم معاول البرد

فأرهقوا الضباب

وأشاعوا في الجمع حكايا الدفء

وانطوا في الركن

يتسلقهم الوهم

ودائرة تقصى دون رائحة

ومات البرد دون رماد.. لينحسر الدفء.

إلحاد دون إصغاء

وكفر ممتد.. وكلام كثير يمزق الحرف

يلعن الزيف.. يصنع إكليلاً للحدس.

سلام عليكم أيها الذين..

في هدأة الليل

أدرائتم، فأفرغتم الشرايين نزف

وكنتم قبراً مجهول الهوية

وسحر تضوع رائحته في النسل

سلام من فوهة سعال

إلى قدح من دم

يمزق بنطال الرطم

أزميراً في عنق المخ

يقول: يقتعد الحق دار البيض وجحر الخمر

صلاح عجـيـنة




* ميادين
العدد: 35.. السنة: 03.. 03/2004

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى