ثقافة شعبية محمد رمصيص - شعرية السخرية في الزجل المغربي.. نماذج مختارة

بكثير تمرد وإصرار أعلنت القصيدة الزجلية الجديدة عن ولادتها في بحر السبعينات من القرن الماضي. عقد ساخن لون تاريخ المغرب الحديث والمعاصر بكثير من المرارة والوجع.. لم تكن السخرية الزجلية سوى ترجمة لعمق الجرح وحدة الألم..فالسخرية بطبعها تتجاوز حدود الوصف البارد للواقع إلى انتقاده وإثارة السؤال، وتحريك المستنقع وتحريض العقل على اتخاذ موقف مضاد لما هو سائد من خلال الخطاب الساخر الذي يقول شيئا ويعني شيئا آخر كقولك للمستبد ما أعدلك!
إن سخرية القصيدة الزجلية الجديدة نهضت على خلفية معارضتها لأزجال الأغنية العاطفية المستهلكة، فضلا عن اتخاذها من الظرفية التاريخية الكابتة للحريات عاملا موضوعيا لتوجيه سخريتها نحو الفضح والانتقاد.. تجربة زجلية أفادت كثيرا من تنويع أساليب قولها الساخر المسنود باستثمار الحكاية الشعبية والأمثال واللغز والسلامات وما تكرس من جماليات القصيدة الزجلية المشرقية لاسيما تجارب أحمد فؤاد نجم وعبد الرحمان الأبنودي.. في هذا السياق العام ستتبلور تجارب عبد الله ودان ، رضوان أفندي وأحمد لمسيح ثم في مرحلة لاحقة تجربة كل من محمد عزيز بنسعد وبوعزة الصنعاوي وعزيز غالي وآخرين.. فالسخرية الزجلية بالنتيجة بدأت كما لو أنها بقعة زيت في بحر هائج تتمدد كلما اشتدت الخيبات والأوجاع، وصارت مساحتها أوسع وأعمق..

-1 بصدد تحدي مفهوم السخرية:

يعتبر «الساخر في العمق لاعب ماهر بمقاييس الأشياء، يقومها ويضخمها حسب مقتضيات الموقف»(1) وباعتماد السخرية على هذه التقنية فإنها تجعل من خطابها متنا مضعف الإحالات، مزدوج المعنى يروم عكس ما يصل الذهن لأول وهلة كقولك للبخيل ما أكرمك والقصد به بخله! لكن السخرية رغم هذا تبقى رهينة لحظتها التاريخية. فما يبدو ساخرا اليوم هو ليس كذلك غدا.هي خطاب صادم وانتقادي يروم كشف النواقص والمبالغات.. خطاب يجمع بين الهذيان والرزانة، بين الجنون والعقل،بين اليقين والشك.. هي خليط يتقاطع فيه الضحك بالبكاء والحياة بالموت.. إن السخرية فضلا عن كل هذا بإثارتها للهزء تريح الذهن من القلق ..» لأنها في العمق ترجمة لوعي انتقادي يروم تصحيح العيوب في قالب هزلي»(2) هي لعب مع الألم وثقة في الذات إلى درجة نجاحها أحيانا في تحويل اليأس إلى أمل والهزيمة إلى نصر.. السخرية بالنتيجة متعددة الأوجه فهي سخرية من الذات و من الآخر، جزئية وكلية، لغوية و مقامية ،خطاب جمالي وفلسفي في الآن نفسه. وبسبب هذا كله تنتج قصيدة سوداء تعمل على التدمير والهدم في أفق بناء متين للذات والهوية. القصيدة الساخرة في العمق قصيدة حدادية لأنها ترثي موت الأشياء الأصيلة فينا في اتجاه تأسيس قيم مواطنة.. فقط تجدر الإشارة هنا إلى أن السواد بالإضافة لكونه لون الحزن هو لون الرفض والمحو. يكفي حضور الأسود لتغيب باقي الألوان.أما السخرية من الشرفة السياسية فهي مؤشر دال على ضيق هامش الحرية وتعملق الكبت والحرمان..ومادام الساخر في العمق يستشعر عزلة في الجوار فهو يبحث دوما عن مشارك ومتواطئ لأن الفرد في الأساس لا يستطيع الضحك بشكل انفرادي عكس البكاء..إن السخرية تصير أعمق كلما كثر المتواطئون مع الساخر.. والتفاعل المثالي مع القصيدة الساخرة والمسرحية الساخرة وغيرهما دليل على ما نروم. الساخر وهو يسخر ينتج طمأنينة معنوية ويستشعر القوة والتفوق الرمزي من الآخرين، ومن خلال ممارسة حق الرفض والمقاومة.. السخرية لكل هذا هي بديل عن اليأس ومراوغة للفشل..هي تنفيس عن الاحتقان وتمرد موصول إذ لا يمكن للساخر والمتسلط أن يكونا على وفاق أو تصالح أبدا ..ولذلك هي أداة بلاغية صانعة للذوق الرافض والحسي النقدي.

-2نماذج مختارة
من الزجل المغربي.

في بداية السبعينات وما قبلها من القرن العشرين، عرف المغرب احتقانا اجتماعيا وسياسيا انعكست ظلاله على مرايا الكتابة الإبداعية برمتها فجاءت في مجملها كتابة هتافية يعلو فيها الصراخ على الأدب إلا في ما ندر.. وبالتالي هيمنت القصيدة الشعار على حساب القصيدة الشعر. وكانت السخرية جسرا آمنا لتفادي تلك التقريرية والمباشرة.. السخرية بهذه الخلفية ليس هزلية بقدرما هي مأساوية تقتضي منا الضحك الأسود. ضحك بطعم البكاء، ضحك موجع على جراح الذات الجمعية.. وما الساخر إلا أحد الأصوات المتألمة ..والألم هنا ألم تكويني لا مرضي..

يقول عبد الله ودان في قصيدة»الميمة الباكية ديما»عن ديوان «البالة والفاس»(3)ص16/17:

«مابقى ضحك.ما بقات وناسة
معلوم تظلي عساسة
في الشرجم تسناي خيالو
ولدك يرجع من المدرسة
ولد آلالة ما قر والو
ولدك متبع السياسة
(…)
ولدك ألالة ما شبهشي للدراري
ولدك ألالة كيكولو يساري
خلاص خلاص خلاص
تحزم للكفاح.
وانت يالالة كتكولي قاري
يكفينا يا لالة أش بغينا المزاح
ولدك ألالة رجلو خرجو الشواري
ولدك ألالة موسخ الضواصا
ولدك ألالة لازم يتكلاصا.»(3).

يتضح جليا اعتماد الشاعر في هذه القصيدة على سخرية الموقف المبنية على تضاد حالتين متقابلتين:حالة المتمدرس الذي امتلك وعيا سياسيا على خلاف باقي التلاميذ،و فقط لأنه أراد التعرف على حقيقة واقعه المعطوب والجهر به فإنه اتهم بخرق القانون !. بل إن قمة المقارنة الساخرة وصلت ذروتها عندما قابل الشاعر بين وعي الأم التي اعتبرت ابنها متمدرسا (قاري) واعتبره المخزن متمردا( رجليه خارجين الشواري) . إن انتقاء الشاعر لهذا السياق الدرامي والعمل على تجليته بشكل ساخر كان يهدف من خلفه خلخلة الوعي الضمني بأن التعاطي مع السياسة لا يعني بالضرورة الخروج عن القانون على اعتبار أن قوة الدولة كمؤسسة من قوة المجتمع المدني… وعلى خلاف هذه القرينة الشعرية الساخرة من الآخرين جاءت قصيدة رضوان أفندي ساخرة من الذات.. كما في قصيدة»طريق الليل» يقول فيها:

«أنا غادي وهي جاية
تدوب الثلج ف داتي
جاي أنا غادية هي
تتصرف ف خطواتي
ضحكت لي من بعيد
لهبت نار شهواتي
ضحكة تزرع قلب جديد
فاق شيطان زلاتي
ومن سعد الليل مأمن
ومن سعدي نعس المخزن
ونعسو ولادي وبناتي
لكن زينة النظرة
مولاة العين الخضرة
ملي قربت !! لقيتها مراتي؟؟(4).

في هذا النموذج تطرح علينا الأنا نفسها ليست كذات عارفة مطمئنة واثقة من نفسها ولكن كموضوع للمعرفة بشكل ساخر. ذات اعتقدنا لحين أننا عرفناها بما يكفي لكنها تطرح علينا من جديد أسئلة الشهوة واللذة بشكل مزلزلة ونكتشف أنها لازالت قارة مجهولة تماما.ذات غامضة ومحكومة بالجسد ورغباته التي لا يعرف عنها العقل شيئا. فإن كانت قصيدة «طريق الليل»جاءت في قالب بوحي فإنها تلتقط بألمعية الماهية الملتبسة للذات وترفع عنها الوقار والرزانة المزعومتين..إذ نادرا ما يقدم الفرد خباياه بهذا الشكل النزق و«الفاضح»..فبين الصورة التي تعطي الذات عن نفسها للمجتمع، تحضر صورة مغايرة تماما لحظة الخلوة مع النفس وهو عكس ما قام به الشاعر في هذه القصيدة، حيث اختار إسقاط القناع والسخرية عن الزيف الذي يجلل مجمل مناحي الحياة. والمرأة ليست بمعزل عن هذا الزيف إذ أنها بارتداء الشعر المستعار واستعمال المساحيق تغير من وجهها ما لانهاية من المرات في اليوم الواحد وهي بذلك شريكة الرجل في تسويق هذا الزيف المجتمعي الذي نعيشه.. إن هذه السخرية بقدر ما تغذي الشكوك في أننا نعرف ذواتنا تسخر من رزانتها المزعومة وتشجب التمثيل على بعضنا البعض.السخرية واضحة هنا من أننا وان كنا نعتقد أننا نملك أجسادنا فإننا لا نملك حقا توجيهها للوجهة التي نريد بالعقل فقط.. فالجسد له منطقه الخاص الذي لا يعرف عنه العقل شيئا.وفي ذات الأفق تسير تجربة أحمد لمسيح الذي يزاوج بين السخرية من الذات ومن الآخر كما في القرينتين التاليتين.يقول في قصيدة»أنا ما كاينش»عن ديوان بنفس العنوان:

«يمكن أنا حلمة
حلم بها شي حد..وطاحة فالما
يمكن شي حاجة
تخيلها شي حد
يمكن ظل سحابة
يمكن مويهة وتبخرت(…)
يمكن كنت حرف على الورقة.. وتمحت
يمكن كنت سطر محرز
ولما عرفو سري، ما بقيتش كاين(…)
أنا واقيل ما كاينش
أنا نيت ما كاينش(….) بلا بكم.. .أنا .. ما كاينش.»(5)

تسير هذه القصيدة في أفق السخرية من تضخم الذات والنرجسية المرضية، والإصرار الأبله على إثباتها في الكثير من السياقات المجتمعية .والشاعر هنا يسخر من الظاهرة بنفي ذاته أولا غير أنه نفي متلو بالإثبات.. تأرجح ولد لدينا كينونة محتملة التحقق وعدم ممكن الحدوث، حيث قال الشاعر: »يمكن أنا حلمة،حرف مسطر.. أنا واقلة ماكينش». السخرية هنا تحققت من خلال وضعيات غير متوقعة (نفي الذات) والشاعر بذلك يروم تنسيب الحقائق معتمدا التكرار الذي أفاد القيصدة على مستوى الجرس الموسيقي وأكد معناها دلاليا.. علما بأن فعل النفي تكرر سبع مرات في هذه القصيدة(أنا ما كاينش) والشيء إذا تكرر تقرر كما يقال.. غير أن القارئ تنتهي به القصيدة لسؤال مربك وهو كالتالي:كيف للشاعر أن لا يكون وهو يكتب علما أن الكتابة تشكل أحد الأجوبة الممكنة لجرح الموت !!في قصيدة «بلادي يالمزوقة من برا أش خبرك من الداخل»وجه الشاعر هذه المرة سهام سخريته للمجتمع متخذا من العاقل والفقيه والشريف نماذج للتهكم يقول في ص179:

«أح.أح..كلشي يجري ويقول آح
والعاقل داير وتير ولى مداح
والفقيه داير مضمة ولى شطاح
والشريفة خدامة فالملاح
والسلوقي ولى نباح
واللي نتسانو بركتو ولى دباح
والشريحة زادت سومتها سوم التفاح
ويلا قلنا حقنا فين يقولو باح» (6).

في تجربة الزجال بوعزة الصنعاوي بدت مجمل قصائد ديوانه المخطوط(7)مغمسة تماما في ماء السخرية التي تقترح بدائل من الواقع المعطوب في ذات الآن الذي تشن حربا متواصلة على السطحية والقراءة المغرضة للمعتقد، حيث لاحظنا مثلا في قصيدة »لوحة» أنه وهو يؤدي فريضة الصلاة متوجها للقبلة خمس مرات في اليوم لم يكترث أن تكون بينه وبين القبلة لوحة أو منحوتة مادام القلب عامرا بحب الله ومجمل مخلوقاته.يقول في قصيدة»لوحة»:

«حطيت الشيتة واللوان
قلت نرسم لوحة
نعلقها ف ذاك الكوان
ورسمت راسي عنتر
وحدايا عبلة
ودارت الحاجب قوس
والشفار زعمة نبلة
وقمت نصلي
وكانت المراة واقفا قبلة
ومنين دخل صاحبي
ذاك صاحبي لي من الإخوان
شاف اللوحة
ديك اللوحة اللي ف الكوان
قال فرحنا ملي وليتي عنتر
لكن حشومة تبين معاك عبلة
ورسم من الحاجب قوص
لكن مضي من الشفار نبلة
وفرض عليك تصلي
لكن حرام توقف المرا قبلة
وقلت راي صاحبي رأي ثاني
ورسمت راسي عنتر وحدايا عبلة
ودرت الحاجب قوص والشفار زعم نبلة
وقمت نصلي
وحلفت تتبقى المرأة قبلة..»

إن الشاعر هنا يتشبث بفرض الصلاة والتعبد ابتغاء رضا الرب أما ما تبقى فلواحق .. ولذلك فهو يسخر من قصر نظر صاحبه مادامت العلاقة التعبدية التي تربطه بالرب سليمة وهذا هو الأهم.. أما أن تكون على جدران بيته لوحة امرأة في اتجاه القبلة فالأمر لا ينتقص من إيمانه شيء مادامت سريرته صافية…
في تجربة الزجال عزيز غالي حضرت السخرية السوداء حد الجرح جراء مطابقة الساخرة بين الذات المتلفظة والحمار.. يقول الشاعر في قصيدة»خوكم لحمار»(ص67/68):

«شتي أنا
واحد لحمار كبير
خليت//عل حشيشة
وحفنة د الشعير
وبغيت//حتى أنا نطير !
(…)تهزيت فالسما
باش نفرفر
ونطير
جيت كدكد
ف البير
(…) داعت لخبار
جاوا رجال الدوار
يتجاروا//على ظهر خوتي
جاوا..//شتفوا على الصغار
وكالوا للعيالات
يتوخروا
اللور//وتمتم الفقيه
ف ودن السارح
وعلا صوت البراح
مايقرب حد لهذ لمكان
هاذ لمكان//سكنه شيطان
وخلاوا خوكم الحمار معلق من لكراع.»(8).

في هذه القصيدة وغيرها رام الشاعر تصوير حرمان الفرد البسيط من الحلم بالسعادة والعيش بكرامة، لكنه يجد نفسه في مواقف ساخرة بمباركة سلطة الفقيه والبراح.. بل إن السخرية تصير سوداء تماما عندما تجعل الحق في الحلم غير مباح.. أمر يؤزم كينونة المواطنين ويضعهم في وضعيات مضحكة /مبكية غير أن الشاعر لا يتوقف عند عتبة الذات بقدر ما يجعل منها جسر لانتقاد الآخر.
في ذات الأفق سارت تجربة عزيز محمد بنسعد التي زاوجت بين السخرية من الذات كما الآخر على امتداد ديوان»حثيث بلا مغزل»(9)حيث استمرأ الشاعر نوسانه بين الذات والمجتمع ساخرا منهما معا كما في القرينتين النصيتين التاليتين. يقول في قصيدة »ستة وستين كشيفة»:

«وداز لعمر كيت
وأنا من قلة الزهر بكيت
بكيت ت ما كديت//ت داب التلج ف الراس
وذاب الثلج ف النفس
وذاب الثلج تحت لكدام
هاذ الثلج مثلج
- علاش هبط للصفر؟
وعلاش تحت الصفر بالذات
كال:
- من تمة سيرة العرب بدات !»

ويضيف في قصيدة «لالة مسعودة» ص92.

«لبلاد ناقشة يديها
شكون كال يديها
هاو بلادي يا الوردة
هاو عليك يطيح الندى
والسحاب ف عينك دموع
تبروري وبرق ورعدة
وشكون كال لبلاد تجوع؟
صباحك ما بغى يبدأ
وكية نهارك ماليه طلوع.»

في القرينة الأولى سخر الشاعر من جمود التاريخ العربي وتوقفه عند نقطة الصفر حيث ظلوا يراوحون لحظة البدء..في القرينة الثانية استثمر الشاعر مفارقة وفرة خيرات البلاد وجوع أبناءه .. م فارقة مقامية ترجمت استفحال ظاهرة النهب والسرقة المستشرية في أوساط الشخصيات النافذة..
نخلص إلى أن السخرية الزجلية المغربية تراوحت بين انتقاد الذات والآخر أمر أعطاها مشروعية التصديق لأنها في العمق تزودت بوقود النقد الذاتي، فضلا عن رغبة الفضح وإدانة كل ما يسئ لكرامة الإنسان قاصدة التأشير بامكانية تصحيح العطل والعطب..أما من الوجهة البلاغية فإن السخرية بقدر ما أمدت الخطاب الشعري بصور وأساليب ومعان مبتكرة عملت على خلخلة مفهوم اللياقة والأدب «الرصين»، محررة كما هائلا من المكبوتات والمبعدات. فإذا كانت الدارجة المغربية قد حررت شعرائها من البحور الخليلية والحركة الإعرابية للغة المعربة منتجة قصيدة مضادة للقصيدة المشرقية، فإن السخرية حررت الزجالين من ثقل الضغط والكبت التي تراكم بالأحشاء جراء العيش في واقع معطوب.. «فبين السخرية والكتابة بالعامية تقاطع لافت. فهما معا تشتركان في ذات الجرح:الإقامة في الهامش»(10)
إن السخرية بالنتيجة هي وسيلة بلاغية تعويضية تمد أصحابها بسلطة رمزية قصد إيصال صوتهم الاحتجاجي للآخر متوسلين قلب المعنى والغلو والثورية، مستثمرة تفجير المثال وقلبه مع استدعاء المرويات الشعبية ولذلك فمتونهم جاءت متنوعة المرتكزات والغايات: فإذا كان عبد الله ودان بنى سخريته على جراح السياسة وتبعات التعاطي معها، فإن رضوان أفندي ركز على رغبات الجسد الملتبس .. بينما جعلا عزيز غالي وأحمد لمسيح من الذات محط تندر وسخرية بخلاف بوعزة الصنعاوي الذي جعل من المقدس خلفية لقصائده، منتقدا بعض التأويلات المغرضة لممارسة فريضة الصلاة خلافا لمحمد عزيز بنسعد الذي وسع من دائرة السخرية حيث شملت أحيانا الواقع العربي المتكلس وعاد في نماذج مجاورة للسخرية من أعطاب الوطن والذات سواء بسواء…
تبقى قيمة السخرية البلاغية والتواصلية للمنجز الزجلي بالمغرب كامنة في إمداد الخطاب الشعري بفسحة تخييلية جديدة جراء جمعها بين الهزء والانتقاد من جهة، ومن جهة ثانية تقديمها لرؤية تتعدى البعد البلاغي للزجل إلى مستوى فلسفي حيث بات الشاعر الساخر جاعلا من شرفة السخرية وسيطا لانتقاد العطل والعطب دون السقوط في الهتافية مادامت السخرية تبني شعريتها على الملتبس والمفارق وقول المسكوت عنه بطريقة غير مباشرة….

إحالات:

1D.C.Mueke .Analyse de l ironie .poétique .novembre.1978.p478.
2-Jankelevitche Vladimir. L ironie.ed.flammarion.france.1964.p92.
3 – عبد لله ودان.»البلة والفاس».منشورات المجلس الوطني لحقوق الإنسان.2013.ص16/17
4 – رضوان أفندي.كيد السكات.منشورات وزارة الثقافة.سلسلة إبداع.2012.ص12.
5 – أحمد لمسيح.أنا ما كاينش.البوكيلي للطباعة والنشر.2013.ص(7/11).
6 -أحمد لمسيح.الأعمال الكاملة.الجزء الأول.ديوان بلادي.منشورات وزارة الثقافة.2011.ص176.
7 – بوعزة الصنعاوي.وريدة فالكاس.ديوان مخطوط.2015.ص42/43.
8 – عبد العزيز غالي.لخبار فراسك.منشورات الاتحاد الاشتراكي.2014.ص67/72
9 -محمد عزيز بنسعد.حتيت بلا مغزل.زجل.مطبعة فضالة المحمدية.20014.ص33.
10 – مراد القادري.جمالية الكتابة في القصيدة الزجلية المغربية الحديثة.منشورات مؤسسة الكتاب بالمغرب.20013.ص231.

محمد رمصيص

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى