صابر رشدي - القديسون وسيدة المطبخ..

تخبرني بنوع من القلق عن أشياء غريبة، تقول وهي تداري حرجا بالغا:
- لا أخاف دخول المطبخ!
رنت ضحكتي في الفضاء، وقلت مدهوشا:
- ماذا؟
لكني تذكرت على الفور، تذكرت تلك الأفكار السوداوية، التي تخايل النساء عند وقوفهن أمام أحواض غسل الصحون، الحوارات الداخلية المتشائمة، وتوترهن في هذا المكان بدون أسباب مفهومة. قالت وهي منكمشة في نفسها، ذائبة في حيرة قاتمة. - لم يصدقني أحد، أعلم ذلك.
ثم أضافت:
- عنما أقوم بهذه المهام الصغيرة التي تمارسها كل إناث العالم كأمر بسيط، يلتف حولي قديسون صغار، يقومون بمساعدتي، تنظيف كل شيء، رص القدور والصحون والأكواب، تحويل المطبخ إلى منتجع صغير، مفتوح على كل ما هو مأهول بالمدهش والمثير، حتى لم أعد أستطيع الابتعاد عنه. في البداية كنت أخاف، وامتنعت عن الدخول، لكن أحدهم جاءني، قال لي: لا تفعلي شيئا، فقط، اجلسي معنا. كانوا يتقافزون حولي، يعملون بمرح طفولي، أصغرهم يذهب وراء البقاع المجهولة، يأتي بأشياء منسية ضاعت من ذاكرتي منذ زمن بعيد. إنهم يحدثوني عن والديّ، يطمئنوني عليهما، يتابعون معي وصول أبنائي إلى مدارسهم، وكذلك عودتهم. يخبروني عن مكان زوجي، نزواته، خياناته المتعددة، يكشفون لي الحقائق الكامنة خلف الأكاذيب المنشورة في الصحف. حدثتني عن أشياء كثيرة وأنا أتابعها.
- والآن؟
- الآن، أقضي يومي داخل المطبخ، وأفكر أحيانا في المبيت داخله.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى