محمد العرجوني - حلم يتحقق...

كم كنت سعيدا وانا ألعب على فراش النوم الذي كان يجمع العائلة بأكملها بغرفة وحيدة بالحي المغربي بجرادة. ككل ليلة كنت في كامل انتشائي نتيجة لسخاء أبي الذي كان يجعل مني أغنى طفل قبل النوم. كان يمدني بما نسميه اليوم ب"فلوس الجيب" كي اتصرف فيها كما احب. حينها كان بالإمكان أن نشتري حبتي حلوى أو علك أو قطعة من الحلوى الشامية من عند بوعروة المشهور بمروره بالأزقة وهو يصرخ: الحلويات الشامية الوليدات.
في تلك الليلة أعطاني أبي 1 دورو أي 5 فرنكات او سنتيمات حسب التسمية الحالية. كانت مكونة من قطعتين من فئة فرنكين وقطعة من فئة فرنك واحد. من كثرة فرحتي كنت أغمض عيني وأرمي بها وسط الفراش والأغطية وأبحث عليها كأنها كنز ، أشحد مهاراتي وذكائي للعثور عليه. فكنت اتفنن في البحث عن الفرنكات التي تتبعثر نتيحة الرمي بقوة. كنت اقضي وقتا طويلا في البحث وسط الأفرشة والأغطية وبين الوسائد. وما ان كنت اعثر عليها حتى كان ينتابني فرح عظيم وكأنني حققت المستحيل. ثم أعاود اللعبة. لكن آخر مرة وكان ابي قد طلب مني ان اتوقف عن اللعب واتمدد بمكاني كي يطفئ الضوء وننام، لأنه كان عليه ان يستفيق مع آذان الفجر كي يلتحق بعمله في عمق الأرض، قضيت وقتا طويلا في البحث عن قطعة فرنك واحد. ولم أجدها. فبدأت بالنحيب ورغم مساعدة ابي ظل البحث بدون جدوى، فنهرني في الأخير وتمددت فنمت وانا أشهق.
في نومي حلمت بالفرنك. نعم حلمت أنني وجدته في ركن السارية اليمنى لباب من الإسمنت والآجور كنا ندخل منه للولوج إلى فرن موسى حيث يطهى خبز ساكني الحي المغربي. لم يكن بعيدا عن منزلنا. كنا نقطع طريقا معبدة ثم نمر على مداخلي زقاقين واحد على اليمين حيث تقطن العائلات، وواحد على اليسار خاص بالعزاب. ما كنا نطلق عليه حي "الزوفرية"، ولو انها تعني بالفرنسية العمال، فنحن جعلنا الكلمة تنزلق بلهجتنا إلى معنى العزاب. وفي هذا الركن كان السكان المجاورون يرمون نفاياتهم القليلة والتي كانت في الغالب عبارة عن قشور خضر أو قشور فواكه كالبطيخ والدلاح.
هكذا حلمت أنني ذهبت هناك وبحثت عن فرنكي ووجدته.
في الصباح الباكر، استفقت وكلي أمل بل وانا متيقن انني سوف أجد كنزي هناك. ذهبت جريا إلى الركن فبحثت بسرعة ولم يطل بحثي حتى عثرت على فرنك... رجعت بسرعة إلى المنزل وانا اصرخ فرحا:
- وجدته... وجدته....

محمد العرجوني
- روائي مغربي له العديد من الروايات باللغة بالفرنسية ، والكتب المترجمة من والى اللغتين

17-01-2020

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى