د. محمد حلمي الريشة - القراءةُ أَو نقصانُ الحياةِ..

القراءةُ؛ تفاعلٌ وتفعيلٌ للمهارةِ الذَّاتيَّةِ بينَ شخصيَّةِ القارئِ والمقروءِ باعتبارِها مكسبًا لعقلهِ البشريِّ، وتعقُّلهِ القرائيِّ المتحمِّسِ للتَّشبُّعِ بخبراتِ تنشيطِ ذاكرتهِ الثَّقافيَّةِ، وشخصيَّتهِ السَّليمةِ، بتطويرِ قدراتهِ القرائيَّةِ والاستيعابيَّةِ، وتفعيلِ رؤاهُ الإِنسانيَّةِ الحضاريَّةِ المتحضِّرةِ ليرقَى معرفةً، وسلوكًا، وممارسةً، وتنظيرًا فعَّالًا، فهيَ اللَّبنةُ الأُولى لبناءِ شخصيَّةِ الإِنسانِ بناءً دائمًا، وتكوينِها تكوينًا سليمًا، ليتميَّزَ بهويَّتهِ الثَّقافيَّةِ الواعيةِ.
القراءةُ؛ هيَ البيتُ بتهيئةِ المناخِ اللَّازمِ والمُلزمِ لتثقيفٍ سلوكيٍّ وفكريٍّ وأَخلاقيٍّ إِلى أَنْ تصيرَ عادةً ضروريَّةً مُلِحَّةٍ علَى القارئِ.
القراءةُ؛ هيَ المدرسةُ مؤَسَّسةً تعليميَّةً تعلُّميَّةً، لوضعِ اللَّبناتِ الإِضافيَّةِ؛ السَّيكولوجيَّةِ والنَّفسيَّةِ، وتدريبِ الذَّاكرةِ علَى الحفظِ، والتَّركيزِ، وتقنينِ الاطِّلاعِ؛ لتتوالَى المسيرةُ الحثيثةُ لبلوغِ عتبةِ القراءةِ التَّحليليَّةِ، والَّتي لا تتأَتَّى إِلَّا بعدَ رغبةٍ أَكيدةٍ فِي التَّلقِّي، والتَّثقيفِ الذَّاتيِّ، وبمساهماتٍ منْ جهاتٍ فاعلةٍ تثقيفيَّةٍ أَيضًا، وأَفرادٍ متفاعلينَ فاعليِّينَ ثقافيًّا فِي المجتمعِ، فثقافتُنا الحاليَّةُ هيَ إِعلاميَّةٌ تكنولوجيَّةٌ، بكلِّ أَشكالِها السَّمعيَّةِ والبصريَّةِ، أَكثرَ مِنها قرائيَّةً خطِّيَّةً؛ حيثُ غدتِ الثَّقافةُ المعرفيَّةُ ذاتَ توجُّهٍ معلوماتيٍّ متسارعٍ جدًّا فِي ظلِّ هذهِ الآفاقِ الرَّقميَّةِ.
القارئُ الحقُّ لَا يمكنهُ أَنْ يحصرَ إِلمامَهُ القرائيَّ فِي اكتسابِ المعلوماتِ والتَّشدُّقِ بِها؛ بلْ هوَ السَّاعي إِلى تفعيلِها داخلَ المجتمعِ بنهجِ الحوارِ لغةً حضاريَّةً، لترسيخِ ملامحِها بشتَّى أَنماطِها: اللَّونُ/ الرِّيشةُ، الكلمةُ/ الشِّعرُ والرِّوايةُ والقصَّةُ، المسرحُ/ الصَّوتُ والحركةُ.
مشكلتُنا العويصةُ، الآنَ، والواجبُ الوقوفُ علَى سلبيَّاتِها الَّتي لنَا مآخذُ عليْها؛ هيَ الأُمِّيَّةُ الثَّقافيَّةُ، وبوادرُ انمحاءِ القيمِ الأَخلاقيَّةِ، الَّتي شكَّلتْ فِي الماضِي هويَّةً لنَا، والَّتي صارتْ مُستلَبَةً بتقليدِ القشور، منْ دونِ إِدراكِ واعٍ توْعويٍّ لأَهميَّةِ الارتقاءِ بالاختياراتِ القرائيَّةِ؛ لترتقِيَ الذَّائقةُ، وليتطوَّرَ البحثُ الأَدبيُّ، كمَا هوَ الشَّأْنُ العلميُّ، باعتمادِ التَّفكيرِ، والتَّحليلِ الحياديِّ لَا الانحيازيِّ الضَّيِّقِ الرُّؤْيةِ، بلْ بسعيٍ هوَ جدِّيَّةُ قصدِ إِيجادِ موقعِ قدمٍ راسخةٍ لهَا فِي هذَا المعتركِ العالميِّ الفكريِّ.
الحضارةُ الإِنسانيَّةُ لَا يمكنُ أَنْ يتأَتَّى لهَا وجودٌ فِي ظلِّ العنصريَّةِ الفكريَّةِ، والثَّقافةِ المحدودةِ الأُفقِ، بلْ اعتبارُ جميعِ البشرِ لهمُ الحقُّ فِي التَّواصلِ عنْ طريقِ قراءةِ إِبداعاتِ الآخرينَ، والتَّعبيرِ عنْ آرائِهم، منْ دونِ التَّقليلِ منَ الرَّأْيِ الآخرِ، وبالمجادلةِ الحسنةِ، وتعميقِ السُّؤالِ بحثًا عنْ أَجوبةٍ للأَسئلةِ الكينونيَّةِ الفكريَّةِ، وبِهذا نكونُ قدْ حقَّقنا انتصارًا لإِنسانيَّتِنا الجمعيَّةِ. هو نصرٌ لِقضايانا المعاصرةِ، وتحديدٌ لمراحلِ انتقالِنا الفكريِّ العمليِّ الإِدراكيِّ بخطواتٍ مدروسةٍ، لَا بطفراتٍ غيرِ محسوبةِ العواقبِ، والانتقالِ إِلى عالمٍ أَرحبَ وأَوسعَ وأَجملَ، لاغيًا كلَّ الحدودِ المصطنعةِ بمطامحِهِ الطَّموحةِ إِلى نظريَّاتٍ عقلانيَّةٍ متفتِّحةٍ، معتمدةٍ تفَهُّمَ العلاقاتِ البشريَّةِ بطبائعِها الفكريَّةِ التَّفكيريَّةِ التَّفكُّريَّةِ، بعيدًا عنْ كلِّ تكفيريَّةٍ للعقلِ المبدعِ المحاوِرِ، وربطِ الثَّقافةِ بالحياةِ، لنبلغَ كلُّنا أَسبابَ الحضارةِ الوجيهةِ إِنسانيًّا.
يقولُ الرُّوائي (ماريو فارجاس يوسا): "إنَّ القراءَةَ أَهمُّ حدثٍ فِي حيَاتي؛ فقدْ جعلتِ الأَحلامَ حياةً، والحياةَ أَحلامًا، وإِنَّ القراءَةَ كالكتابةِ؛ احتجاجٌ علَى نقصانِ الحياة"، فكمْ ينقصُنا نحنُ منْ هذهِ الحياةِ؟!

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى