عبد الكريم أمير - كبسولة التلاشي

لماذا تقبع هذه الخردة وسط ركام النفايات؟
سأل الطفل نفسه عندما لاحظ أن الخردة أصبحت جزءا من المكب الكبير الذي يقبع في ناحية نائية عن الحي. ظل الطفل يتردد إليها كل يوم وهو يطوف حولها محاولا اكتشافها، فيما كانت قدماه تنغرسان مرارا أثناء ذلك في الأكوام المكدّسة، لكنه كان يقاوم ويواصل الاستكشاف.

صباح يوم خريفي والشمس تُطلق بنشاطٍ أشعّتها البكر كان الطفل قد انتهى من لفّة واحدة حول الخردة فحانت منه التفاتة إلى موضع يتوهّج حالَ غمره الشعاع، توقف عن اللف والدوران في غمرة اندهاش وذهول، لدقيقة ونصف. ثم بدأ ينكش ما انغمر من الوهج تحت النفايات حتى تجلّى له ما بدا أنه باب، وبيديه الرخوتين سحبه بحذر، لكنه ظل عالقًا بصمغ الركود والقِدَم. عاود الكرّة، جذبة، جذبتين، وفي الثالثة توارب قليلا قدر ما يتسع لجسده النحيل النفاذ إلى الداخل، تصنّم الطفل لوهلة وغمره اندهاش أكثر من ذي قبل حتى أن عينيه لاتساعهما تكادان تدلقان من محجريه، ولولا الدويّ المنبعث من المقصورة لَلَبِث هكذا على وضعه، دون حراك. تقدم صوت الصوت بحذر، أزرار بألوان مختلفة وأشكال متعددة، ومقعدان يوازيان شاشة سرعان ما سرى فيها وهجٌ وصوتٌ كالصفير عندما امتدت يد الطفل إلى الزر الأحمر...!

أصبح المكبّ خاويا من الخردة التي كانت قابعة وسط ركام النفايات.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى