فهد المصبح - امتدادات العطش

المكان:
في ملهى ليلي

الزمان:
في الوقت الضائع

الحدث :

ورد النبع وهو ظامئ.. شيء في داخله منعه.. الرِعاء والرفاق يُِصدرون بنشوة حب البقاء، وغناء المتعبين في ليل الغربة.. في مثل هذه المواقف تعود من نفسه التريث.. أخذ يستطلع المكان.. حول النبع تناثرت خيام تحلق فوقها عقبان عطشى تتحين الفرص.. الساقيات يقفن على النبع متأهبات.. الخطوات المتبقية وقفت سدا منيعاً أبقت رواحله مسرجة.. عندما يصل، سيكون شيئاً ما حدث.. ستتفت أغطية يتخذها ضد قرص الزمان.. تكوّم على نفسه خلف القوم متيحاً لها أن ترتوي من عبق المكان.. الحياة تدب في النفوس، بأصوات الحداة ومواويل الليل الرخي المثقل باللهاث.. جاءته إحدى الساقية بثوب أحمر.. حيته بابتسامة تنهش أعماقه .. قدا أغراها ثباته.. كانت ماهرة في فك طلاسم الرجال.. أخذ يحادثها بثقة جلبها من مخزون العمر، وعينه تُتابع حمامة تطارد عقاباً.. انتزعته من شروده قائل:
- ما بك ؟
أشاح بوجهه عنها مدارياً عطشه، ويداه تستران ما تبقى منه.. لاحظت اختلاجات التوق تسبق بوحه.. الجفاف محدق بسفنه.. هبّت لمساعدته مبدية قدرتها لتحقيق ما يريد، فزجّ بدواخله:
- أبحث عن ذكرى.
مدت يدها له.. ستحقق طلبه أن أسلمها أمره.. كان عرضها مغرٍ، وعرضه مجزٍ. وبدأت لعبة البحث.. شقا طريقهما نحو النبع.. اختلط الهتاف بالغناء.. شاع بين الجميع الرهان، وانتظروا النتيجة.. يد الساقية تصله لحناً صامتاً.. الحمامة تردي العقاب أرضاً.. تستكين ارتعاشاته تحت مخالب الجوع الناعمة.. شعر بالامتلاء.. العيون تحدق فيه بنهم، ونظراته مبعثرة على بلاط النبع.. واجماً يهيمن عليه صمت الهزيمة، ومرارة الاستسلام.. لم يجد بغيته، فقرر الانسحاب.. توالت الرسل تنفي عن نفسها دم العقاب المصوب.. ساكبة قبلاتها على أرض النبع، وهو ينبش بالذكرى الخيام المترامية.. وجدها تسبقه.. تدله بولهٍ واهن إلى نفق غطته الأخبية.. ظلّ ينهل منه حتى تشققت شفاهه، وخرج يحمل أمنيته مكبلة بالذكرى.. راعه منظر النبع جافاً ترتمي فوق بلاطه الأملس ظلالات أناس لم يأتوا بعد.

الدمام 1421هـ

فهد المصبح

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى