محمد بشكار - رسائل الكفران (الجزء السادس)

1
الأقنعة ليست للوجوه فقط، ولكن ثمة من يستعملها ليعيش بشرف وهذا ما نُسمِّيه البطالة المُقنَّعة، أو بدون شرف ومنها الدعارة المُقنَّعة، وقد بثَّني صاحبي المُتوعِّك دائما شكْواه، قال إنه لا يستطيع مقاومة إغراء بعض الإشهارات في فيسبوك، خصوصا تلك التي تُعلن عن افتتاح أحد صالونات التَّدليك هنا أو هناك ليس بعيدا عن الجوار، وتكون هذه الاشهارات المُتناثرة كالورد تحت رجلي صاحبي، مصحوبة بكل المُعطيات الكفيلة بالإقناع والإشباع، وأهمُّها رقم هاتف وصور فتيات خارج ثيابهنَّ على أُهْبة، وعبارات ساخنة تحترم ذائقة الزبون باقتراح أكثر من اختيار أنت وجَيبُك: ماساج تيلاندي، ماساج صيني، ماساج روايال، ماساج بأربع أيادي، ومع ذلك فمهنة الكسَّال ما زالت تقاوم بالحطب المستعر تحت الحمَّام فهل من مُريد؟
صاحبي المُتوعِّك دائما ولا يرجو شفاءً بعد أن أدمن وآمن بالقوة الخارقة لأيادي الفتيات، قال: إنَّهن يا أخي بالتعبير الراقي للدعارة الراقية، مُمرضات ولسن مُدلِّكات، ولكن بترويضهنَّ لعروق جسمي على الانحلال، لا أعرف لماذا يتفاقمُ سَقَمي؟
فقد تجْعلُكَ إحداهنَّ الأشد بأساً، تفْقد السَّيطرة على جسدكِ وهي تتَّخذ من العروق أوتاراً تكاد تعْزفُ بين أناملها، ولكن في غالب العزْف ينتقل الألم لفرط نُعومة يدها إلى موضعٍ آخر!
صاحبي المُتوعِّك دائما مازال مُدمناً ومؤمناً ولا يرجو شفاءً!
2
عَجَبي مِمَّن راكموا تجارب وصار ثِقلُهم من ذهب في ميزان الحكمة، كيف يقْبَلون أن يكونوا أثقل على القلب وهم يُكرِّرون المسؤولية على نفس الكرسي، فالحكمة رغم أنها مُنبعثة من رجحَان العقل، أحوج أيضا لأرجل قوية وأخف تبلورها بالاشتغال على أرض الواقع لتصيب الهدف!
3
عِشْ اللحظة ولا تعش التاريخ، فأنت بالقياس الزمني ميِّتٌ بيولوجيا سواء في التاريخ أو المستقبل!
4
ما أجْمل أنْ ننْشَغل بأحدٍ ينشغلُ بنا، هكذا لا تُصبح حياتنا فراغاً !
5
لا نرى ما نحن فيه أو نشعر بقيمته إلا من مسافة ما لم نعُد فيه !
6
بعض الخلايا الفكرية أشبه بالتي يصيب اختلالُها جسمَ الإنسان بداء السَّرطان، تحتاج لكشفٍ مُبكر وإلا قضتْ على المجتمع قبل أن تُرْدِي صاحبها !
7
مَبْعَثُ انشراحنا بعضُ الأشياء التي لا نفهمها، ولا يفسد هذا الإنشراح إلا كثْرة الشرح !
8
بِعامر الحُبِّ أنْتظرها ولو فرغ الصبر!
9
حبَّة الخَال التي اختارتْ ركنا جانبيّاً على شفتها العليا، نُقطةٌ أفاضتِ الكأس!
10
إذا لِنْتُ ليس عنْ ضُعْفٍ ولكنْ لأعرف الحُدود التي تصِلها قوَّتي قبل أنْ أنكسر، ولا أمْقتُ إلا من ينْطوي في لُيونتِه على سهم!
11
الحبُّ جسارةٌ وفداءٌ ونداءٌ، وهو في آخر العُمر حين يفْقِد أحدُنا الآخر خسارة!
12
أجِدُ الموعد ويَجِدُني، والمكان الذي بيننا ليس شاهدَ زورٍ، غير أنِّي حين لا أجدُكِ لا أجِدُني، وينْقلبُ الشَّاهِدُ إلى شاهدةٍ على قبر حُبِّنا.
13
لا أعْرفُ ما الاسم الذي يمكن أن أسْتبدِل به داء السُّكَّر، خصوصا بعد عِلمي منْ شَكَاوَى النَّاس، أنه ينتُجُ بمحاصيل وافرة، ليس من قصب السُّكر بل ممَّا هو أمَر!
14
ضربوه بغرامة سدَّدها دون تقسيطٍ غراماً، وبشهرين حبسا غير موقوفة القصيد، ولم تكن تُهْمَته إلا الشِّعر العلني!
15
الفَرْق بين العرب والغرب، كالبَوْن الشَّاسِع بين الفِكرين الغيْبي والعقلاني، هم يُسارعون ليسْتمتعوا بكل لحظة في الحياة بعد أن عرفوا معنى الوجود، ونحن ننتظر الموت طمعاً في الخلود!
16
إلى التُّخوم القُصوى مَشْياً على حدود الخطر، وما أشْبه نداء العاشق بخطاب الطَّاغية وهو يقول: كل شيءٍ أوْ لا شيء!
17
بالإلماح تكْتبُ نِصْفَ فكرة ويأتي من يكتبُ نصْفَها الآخر بالإيضاح، فتُصبح أنت وفِكرتكَ تحْمل اسْم أبٍ عقيمٍ لا يستطيع الإنجاب، ولكنه بالسَّعي في أعمال الخير، استطاع أن ينشئ ميتماً كبيراً لبنات أفكار الآخرين، وصارت من فلذاتِ كبده بالتَّبني، فهل ثمة من مازال يُشكِّكُ في النُّبوغ المغربي؟
18
أحِبُّ الرياضة ولكن جسمي لا يُطاوِعني، وأحَبُّ الرِّياضاتِ لنفْسي تلْكَ التي توصلك للأعالي، ولكنني لم أتدرَّب بما يكفي حين أتتني بعض الفرص على القفز والتسلُّق!
19
الاتِّكالية على بعض فعَّاليات المُجْتمع المدني بجمعياتها وأعمالها الخيرية، شجَّع الحكومة على التَّملُّص من المسؤولية، أليس هذا ما يجعل كل البلد مُؤجَّلاً في حلول مؤقتة؟
20
نعم.. لا نستيقظ حتى نكون قد قَضمْنا التُّفاحة وطُردنا من الجنة، لكن وأنا أهوي من سماء عينيك اكتشفتُ كل أسرار الجاذبيَّة !
21
بعد أن انتصرتْ عادةُ قراءة الرَّسائل القصيرة على الذائقة الجمالية للناس، وابتُلِيَتْ كل الأصابع بالارْتعاش، ليس مُستبعداً أن تصْدُر روايةٌ من خمسمائة كلمة في كتاب بحجم الهاتف!
22
منْ طبيعة البشر انشغاله بالمركز في كل شيء، وهذا مما نجدُ له انعكاساً حتى في بعض تعابيرنا، فنقول: جوهر الأشياء، أو بيت القصيد، وثمة من يقول زُبدة القول وبطنه مازال يمْتخِض لبناً، بل إنَّ هوس الناس بِشَدِّ رِقاب بعضهم البعض في ذيول مُتواصلةٍ وهم يتجمعون بالمركز، جعلهم مع تضافر النمو الديموغرافي، يحتشدون في مُدنٍ بعينها ليصيروا أشبه بالأثاث الذي نحشره في غرفة واحدة حشراً، ولا عاصم اليوم من هذا الطُّوفان الذي بزبدِه البشري تُبنى العواصم !
صحيح أننا نستدِلُّ بالقلب ونبضه لنعرف مدى حياة الإنسان، لكن عُمرانيا قد يُصاب هذا القلب أو المركز بالسَّكتة حين تفيض على سطحه الشُّحوم من كل الأودية الدموية، هنا تأتي الحاجة لتوظيف الهوامش وعدم الاستهانة بما توفره من حياةٍ، فهي الأطْراف التي بحركيتها تنتعش أجساد المدن لو أخذت قسطا من الاهتمام في برامج الدولة، وقد قيل عن هذه البرامج إنها تنموية، بينما واقع الحال يقول إن كل شيء ينمو في المواطن شَعره وأظافره ودُيونه وبؤسه.. إلا مُستقبله فقد توقَّف عن النمو قبل المراهقة !

(افتتاحية ملحق "العلم الثقافي" ليومه الخميس 15 2020)


محمد بشكار.jpg

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى