عبد الواحد لؤلؤة - باب الاجتهاد حولها لا يقفل: تعريب المصطلحات الوافدة

ثمة عدد غير قليل من المصطلحات الوافدة من لغات غير عربية، دَرج استعمالها في الكتابات العربية في مجالات الأدب والسياسة. أحسبُ أن بالكثير من تلك المصطلحات حاجة لإعادة النظر، واقتراح بديل عربي لها، يقوم على قواعد عربية لغوية سليمة، تستجيب لها الذائقة، وقد يبدأ استعمالها ووضع المصطلح المترجم الشائع بين قوسين على أمل أن تقوم المصطلحات المعرّبة بديلاً عن المصطلحات المترجمة، وقد تزيحها عن الاستعمال مع الزمن.
أقدّم هنا عدداً من تلك المصطلحات، وأقترح لها تعريباً، وهو اجتهاد، ورحم الله من قال إن باب الإجتهاد لم يُقفل بعد.
1 ـ آجنده: كلمة لاتينية هي جمع المفردة «آجِندُمْ» أي «جدول أعمال». والغريب أن الكتّاب الأوروبيين يستعملون صيغة الجمع هذه «آجندا» كأنها صيغة المفرد، ولم أسمع بمن صحح استعمالها الا في فيلم إنكليزي ساخر «نعم يا سيادة رئيس الوزراء» فيقول مرافق الرئيس مصححاً: «آجِندُم». والأغرب من ذلك أن صيغة الجمع هذه قد غدت «آجندات» في العربية. فما المانع من أن نقول: «جدول أعمال، جداول أعمال»؟
2 ـ أسماء العقود: عشرين، ثلاثين… تسعين تجمع على عشرينات، ثلاثينات، تسعينات في الإشارة إلى السنوات 1921، 1922،….. 1990، 1991.
أما «عشرينية»، «ثلاثينية»، «أربعينية»… فهي صفة فتاة في العشرين من العمر، أو الذكرى العشرون لحدث، مثل «أربعينية الشهيد» أي الذكرى الأربعون لاستشهاده، ولا تجمع هذه الصفة إلا إذا كانت تشير إلى ذكريات العشرين أو الأربعين التي تقام في بلاد مختلفة أو أماكن مختلفة مثلاً.
3 ـ أنطولوجيا، في الإشارة إلى مجموعة قصائد لشاعر، أو لعصر شعري مثلا. والصحيح «أنثولوجيا» لأن «أنطولوجيا» هي «أونتولوجي» الإغريقية التي تفيد «علم الوجود» في الفلسفة. لكن «أنثولوجي» الإغريقية تعني «باقة زهور» وتوسعت لتفيد «مجموعة مقتطفات شعرية» فلماذا لا نستعمل «مجموعة شعرية» بدل «ديوان» غير العربية؟
4 ـ أوليغاركية: أي حكم الأقلية، من الكلمة الإغريقية التي تفيد «واحد من قلة»، أي «فئة» فلماذا لا نقول «فئوية» أو «حكم فئوي»؟
5 ـ إيديولوجيا: هي «المذهب الفكري» في السياسة أو الاقتصاد، فقد يحسن القول «المذهبية الاقتصادية» أو «المذهبية السياسية» تعريباً.
6 ـ البيروقراطية: من «بيرو» الفرنسية وتفيد «المكتب» الذي يسيّر الإجراءات في إقامة المشاريع، في عمليات طويلة من الفحص والدراسة وتقدير الكلفة… لذا يحسن التعريب إلى «إجراءات مكتبية».
7 ـ جيوسياسية: هي «السياسة الجغرافية» أي المواقف أو الإجراءات التي تعتمد على موقع البلد أو المشروع، أي جغرافيته، لذا يمكن التعريب إلى «سياسة جغرافية» بدل «جيو» التي تفيد «الأرض» بالإغريقية أصلاً وما تفرع عنها في لغات أوروبية أخرى. «جغرافيا» تفيد تخطيط الأرض أو رسمها، وقد سماها العرب «تخطيط البلدان».
8 ـ درامة: بالإغريقية تفيد الفعل العنيف أو القوي، drama حيث تكون الألف الأولى طويلة والثانية قصيرة، والصحيح رسم الألف الثانية في العربية بالتاء المهملة، أو الهاء. وقد شاع رسمها في العربية «دراما» وهذا غير دقيق والنسبة اليها تكون «درامي» وحركة «درامية» وليس «دراماتيكي» أو «دراماتيكية» لأن هذه نسبة إلى الاسم مرتين، الأولى بلاحقة النسبة الأجنبية ic ـ إك، والثانية بياء النسب العربية، وهذا لا يجوز.
9 ـ دكتاتورية من «دكتاتور» الأجنبية التي تفيد «الذي يملي» إرادته، أي «المستبد برأيه». لذا يحسن التعريب إلى «إستبدادية». والذي يملي إرادته في الحكم هو «المستبد».
10 ـ دمقراطية: من الإغريقية «ديمُس» أي عامة الشعب، وليس «كلاسُس» أي الطبقة العليا. لذا «ديموكراسي» تفيد «حكم الشعب».
11 ـ ديماغوجية، من الإغريقية «ديمُس» أي العامة دون الخاصة من الناس، بشيء من قلة الاحترام، ويقابلها بالعربية «الغوغاء» أو الدهماء. لذا يستحسن التعريب إلى «غوغائية» وصفة «غوغائي».
12 ـ الرجعية: صفة إلى «الرّجع» أي «الصدى» مثل «والسماء ذات الرجع» لكن المقصود بالرجعية في السياسة هي «الرجوع إلى ما سبق» وهي في أصلها reactionary أي عمل راجع إلى ما مضى. لذا أرى أن الأدق القول «الرجوعية».
13 ـ رومانتيكية، نسبة مرتين إلى «رومانس» التي تفيد معاني الخيال، والشعور بماضٍ جميل… لذا يجب أن تكون النسبة بالعربية بالياء، وليس بالأجنبية، ic وique وبياء النسبة العربية كذلك. فالأدق: رومانسي، ورومانسية وليس رومانتيكي أو رومانطيقي ولا رومانطيقية.
14 ـ سيميائية: من الإغريقية «سيميو» أي علامة، أو عَرَض، مثل الأعراض المرضية التي تشير في الظاهر إلى المرض في الباطن. وقد شاع خطأ «العلاماتية» وهو نسبة إلى الجمع، غير مفضلة في العربية. وهذه في علم اللغة هي العلامة التي تشير إلى معنى غير ظاهر. ثم إن «السيمياء» هي السحر والشعوذة في تحويل المعادن الخسيسة على ذهب. والأصح القول «السيمائية» نسبة إلى «السيماء» أي العلامات الظاهرة التي تشير إلى ما خفي، مثل: «سيماهم في وجوههم من أثر السجود» و«يُعرف المجرمون بسيماهم».
15 ـ كلاسيكي، نسبة إلى «كلاسُس» الإغريقية، و«كلاس» اللاتينية التي تفيد الطبقة العليا من الشعب، وتُنسب إلى الأعمال الأدبية أو الفنية المتميزة. مثل «الرومانتيكي» هذه نسبة إلى «كلاس» مرتين: مرة بلاحقة النسبة الأجنبية، ومرة بياء النسبة العربية. والأدق القول: كلاسي وكلاسية، لأنها نسبة إلى شيء بعينه، دخيل على الاستعمال في العربية.
16 ـ لوجستي: في الأصل تفيد التخزين أو تحريك المؤن الحربية، لذا يفضل المصطلح العربي: الإمدادات.
17 ـ ليبرالية: هي التحررية من القيود الاجتماعية والسياسية، ويفضل صفة «تحرري» في السلوك الشخصي أو المذهب السياسي.
18 ـ مأساة، مأساوي، مأساوية: تعريب صحيح لكلمة «تراجيديا» وهي الحدث أو العمل «درامه» المتصف بالحزن والأسى، وبخاصة في الأعمال المسرحية.
19 ـ ملهاة: تعريب غير دقيق لكلمة «كوميدي» الإغريقية، وما تفرع عنها من الأعمال المسرحية. في أول ظهورها في اللغات الأوروبية الحديثة، مثل الإيطالية التي تفرعت عن اللاتينية في القرن الرابع عشر، كانت كلمة «كوموديا» تعني عملاً شعرياً بلغة عامية عن موضوع جليل، مثل «الكوميديا الإلهية» رائعة دانته أهم شاعر أوروبي في العصر الوسيط. ذلك العمل الشعري الكبير ليس فيه أي جانب أو صفة من «اللهو». وفي القرن السادس عشر كانت مسرحية شكسبير «روميو وجولييت» توصف بأنها «كوميديا». لذا من الأفضل الحفاظ على الكلمة مترجمة لا معرّبة. ثم كيف نشتق صفة من «ملهاة»؟ ملهاوي؟
20 ـ ستراتيجي، ستراتيجية، نسبة إلى «ستراتاجيم» الإغريقية، ولاحقاً في اللاتينية والفرنسية بمعنى «حيلة لخداع العدو». وفي الاستعمال الحربي تفيد «التوجيه الخادع للعدو». لذا يصعب إيجاد مقابل دقيق بالعربية، ولا مفر من الإبقاء عليها مترجمة، ويحسن تفسير معناها بين قوسين، بدل الإبقاء عليها غامضة المعنى بالنسبة لغالبية القراء.
21 ـ التكتيك: عملية التحريك وتغيير المواقع في العمليات الحربية، لغرض تمويه العدو، ومثل « ستراتيجية» يحسُنُ الإبقاء عليها مترجمة، حتى يهتدي جهابذة اللغة إلى اشتقاق أو نحت يقابل «ستراتيجية» و«تكتيك».
22 ـ ميكانيكية: ببساطة هي: الآلية، ولا يصعب الاشتقاق منها.
23 ـ الميتافيزيقية: هي «الماورا طبيعية» في الاستعمال الفلسفي.
24 ـ وأخيراً، حبذا لو رسم الكتّاب العرب كلمة «مئة» حسب قاعدة رسم الهمزة حسب قوتها. فاذا اجتمعت في حركتين فالحكم للأقوى: كسرة ـ فتحة ـ ضمة ـ سكون
مثل: فِئة، رئة وليس «مائة» مثل «بمائِهِ» وبسمائِهِ» والله من وراء القصد!


عبد الواحد لؤلؤة


تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى