أحمد رجب شلتوت - حالة شجن .. رواية تبحث عن معنى الوطن

صدر ت للكاتب "أحمد رجب شلتوت" روايته القصيرة "حالة شجن"، عن الدار الثقافية للنشر والتوزيع في تونس، في 97 صفحة من القطع المتوسط، والكتاب هو أول عمل روائي لصاحبه بعد عدد من المجموعات القصصية، الكتب في النقد الأدبي.
هذه هى الرواية الأولى لأحمد رجب بعد أربع مجموعات قصصية، لذا من السهل أن نتعرف فيها إلى الكثير من خصائص القصة القصيرة، سواء على مستوى لغة السرد، أو على مستوى التقنية.
الرواية تنبض منذ سطورها الأولى _ شأن القصة القصيرة _ بالتكثيف والتوتر، والعلاقات تبين عن تشابكاتها وتقاطعاتها وتنافرها، بما يشكل روافد صغيرة، تبدأ وتنتهى فى نهر الرواية. وعلى الرغم من قلة عدد صفحات الرواية، فقد أجاد الكاتب _ بفرشاة سريعة، واثقة _ رسم العديد من التكوينات التى تعرفنا من خلالها على القرية المصرية، بما فيها من قيم ومعتقدات وعادات وتقاليد.
كعادة إهداء البنات المتزوجات هدايا عينية غالبا تكون من المأكولات في المناسبات الدينية الإسلامية كشهر رمضان وعيدي الفطر والأضحى، وكذلك عادة الإفطار في أول أيام رمضان بلحم طير، لذا يسمونه بيوم الرفرافة، في إشارة إلى رفرفة الطيور الذبيحة.
الكاتب يصدر عمله الفائز في عام 2008 بجائزة إحسان عبدالقدوس في الرواية، باهداء يقول فيه "إلى فجر أثِق فى طلوعه رغم سطوة العتمة"، يعقبه بمقتبس من شعر أحمد عبدالمعطي حجازي وهو " أرى بلداً غريباً/ لم أشاهد مثله منفى، / ولا وطنـــا / ولا أعلم كيف اتخذته أمة سكنا". وهما عتبتان تلقيان بظلال قاتمة على العمل منذ بدايته، أو أن هذا هو ما يتوقعه قارىء الرواية. وإذا كانت القتامة تتخلل الرواية بالفعل. إذ تضع أيدينا على العديد من مشكلاتنا الإجتماعية، وما يتصل بالشباب على نحو خاص. ثم مشكلات البطالة، وأزمة الإنتماء، وافتقاد الشعور بالأمان، يحكيها الكاتب من خلال راوي عليم يبدأ من الألف إلى الياء، عبر ثمانية وعشرين وحدة سردية متباينة الطول تتخذ من حروف الهجاء مرتبة من الألف إلى الياء عناوينا لها.
وهكذا يحكي الكاتب عن شاب أنهى تعليمه وخدمته العسكرية ولم يجد عملا أو سفرا فاضطر لأن يعمل بائعا متجولا يجوب الأسواق حاملا "كرتونة" تحمل بضاعته الرخيصة، عمل شاق يستهلكه ويعرضه لمخاطر أمنية باعتبار من يمارسون مثل هذا العمل من المشبوهين، يحدث أن يخلف موعد رجوعه اليومي، توقعوا أن تكون الشرطة قبضت عليه، فالشرطة تقصد الأسواق، وكثيراً ما تقبض على الباعة الجائلين. فيهرع شقيقاه في اليوم التالي للبحث عنه في كل الأماكن التي شهدت اسواقا في اليوم الذي اختفى فيه، يبحثان في الأسواق والمستشفيات وأقسام الشرطة ولا يجدون أثرا له، حتى يعود داخل سيارة ترحيلات إلى قسم الشرطة الذي يتبعونه، ولا يستطيعون ضمانه وإخراجه إلا بوساطة نائب مجلس الشعب عن دائرتهم، عملية البحث تشبه رحلة في وطن يفتقد للعدل والأمن كما أوحى المقتبس من شعر حجازي وكما يفصل الراوي الذي ينقل عن كتاب " الدرب الأخر" لهرناندو دي سوتو، مقاطع يرصد فيها ميلاد التجارة غير الرسمية، التى تجرى أساساً فى الشوارع حيث تعرف بالبيع المتجول، إذ بدأت الأسواق غير الرسمية عندما سعى الباعة العاملون فى الشوارع إلى وضع حد لحالة عدم الأمان التى يعملون فيها . فالمؤسسات الرسمية فقدت مصداقيتها حين كفت عن أن توفر الوسائل اللازمة لحكم المجتمع والحياة فيه.
وببراعة ونعومة تتوالى الإشارات إلى الفساد والقمع والفقر، مما يدفع الجميع للتساؤل في الختام عن معنى الوطن؟
من فضاءات الرواية نقرأ :
رأيت الصديق طويلاً جاحظ العينين، كان شاحباً ويزداد شحوبه كلما ضحك. ضحكا كثيراً هو وأبى وهما يتذكران الزملاء ونوادرهم، يستعيدان الحكايات بتفاصيلها الدقيقة، قد يختلفان حول اسم القائل أو الفاعل لكن يتفقان على الحكاية بتفاصيلها، ضحكا كثيرا وكأن عبوسهما السابق _ بفرض أن صديق أبي يتجهم مثله كثيرا _ كان بسبب ادخارهما الضحك لهذا اللقاء.
غادرتهما الضحكات وهما يترحمان على شهداء اللواء 25 مدرع. اكتشفت أن ذاكرتيهما ممتلئتان بأسماء وحكايات الشهداء، ترددت كثيراً كلمات السويس وجبل عتاقة والحصار. ولم ينه حديث الحرب إلا نقرات على الباب.



ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
صدر للكاتب أحمد رجب شلتوت روايته القصيرة حالة شجن، عن الدار الثقافية للنشر والتوزيع في تونس، في 97 صفحة من القطع المتوسط، والكتاب هو أول عمل روائي لصاحبه بعد عدد من ...



تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى