د. عبدالجبار العلمي - من ذكريات الطفولة.. ذكرى سينما " فيكتوريا " بحي باريو مالقا بمدينة تطوان :

كم مرة ارتدتها ، وانا طفل ، رغم بعدها عن مقر سكنى العائلة بحي المصلى القريب من باب العقلة. كانت رحلتي إليها ذهابا سهلة قصيرة ، ينسيني بعد الطريق الى حي الباريو البعيد ، تلهفي وشوقي إلى الفيلم الذي سأشاهده ، و غالباً ما كان يكون فيلم مغامرات للممثل الوسيم الشهير إيروفلين ، أو فيلم كوبوي لكاري كوبر أو فيلم من أفلام طرزان .. أما في العودة بعد مشاهدة الفيلم ، فكم كانت الرحلة طويلة ومملة وشاقة على طفل واهن القوى ، زاد من وهنها سغب البطن الذي لم يكن ليحس به صاحبه وهو منغمر في أحداث الفيلم المشوقة . ولا تنقضي انعطافات حي الباريو من " فيكتوريا " إلى مدرسة سيدي علي بركة حتى يغفر الله الذنوب. ثم يبقى شوط شارع محمد الخامس ، فالفدان ثم الملاح حيث يشتري الطفل المنهك جوعا ، 10 فرنكات المتبقية له من الحمص المقلي المملح، يملأ به جيبه ، ويستعين به على متابعة السير ، مرورا بدروب السويقة ، نزولا من أدراج باب العقلة الحجرية ، مهرولا في مشيته عند الطريق المنحدر قليلا ، ابتداء من جدار المدرسة الأهلية يمينا مرورا بحذاء ( قشلة العسكر )، إلى سكة الحديد ، حيث ينعطف الطفل يمينا ليقصد البيت في ممر فوق السكة التي يمر بها القطار إلى مدينة سبتة. وغالبا ما يصل الطفل وقد حل الظلام ، وبدأت الأشباح الغريبة تخرج من بين شقوق القصب ، ومن المخابىء المظلمة تحته ، فيستمد بعض الشجاعة ورباطة الجأش من أبطال الأفلام التي شاهدها، و يسرع الخطو رافعا رأسه متحديا أعتى جن يمكن أن يصادفه. والحقيقة أنه لا يحمد الله على سلامته إلا بعد اجتياز صراط الجن الذي كثيرا ما تحدث عنه أطفال الجيران، بل حتى الفتيان الأشداء منهم. و مع ذلك فقد كانت تلك الرحلة إلى سينما " فيكتوريا " العتيدة بالباريو ، تتكرر كلما تيسرت الفرنكات ووقت الفراغ من الدراسة.
تحيتي إلى الصديق العزيز إبراهيم الخطيب الذي أهاج في النفس ذكريات عزيزة بعيدة عصية على النسيان.


19/ avril 2016



د. عبدالجبار العلمي

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى