وساط جيلالي - ثلاث بطانيات..

هكذا وبدون مقدمات أتى وجلس على الكرسي بجانبي، رفعت عيني عن الجريدة ونظرت إليه، رأيت كهلا ينظر إلي ويبتسم كأنه يعرفني من قديم، لم يكن في الحقيقة يبتسم، كان يفتح فمه الخالي من الأسنان بطريقة بلهاء، كان أسمر اللون، تلك السمرة التي ليست سمرة بل أثر للفح الشمس، نظرة عينيه الضيقتين العسليتين مزيج من البراءة والعذاب والاستسلام، يرتدي قميصا ضيقا حال لونه ويضع ربطة عنق غريبة٠ حوَّل عينيه عنِّي ونظر نظرة جوعى إلى علبة السّجائر، وقال لي بصوت أجش جميل:
- هل أدخن سيجارة؟
بقي صامتا لفترة وهو يشرب السيجارة بنهم وينظر أمامه، ثم التفت نحوي وقال :
ـ اسمي مصطفى، كنت معلما لكن بعد سنتين من العمل جُنِنت، وتهت لسنوات في الطرقات وأنا غير عاقل٠
ثم قطع حديثه وطلب مني فنجان قهوة، ولما أحضره له النادل شربه بلهف دفعة واحدة وسألني:
- هل يعطون الدواء في المستوصف البلدي؟
أجبته:
- لا أدري، ربما٠
سكت لحظة ثم قال لي:
- البرد شديد هذه الأيام، والغرفة التي أسكن فيها في سطح منزل أخي بدون باب، لكن لدي ثلاث بطانيات٠
ثم بدا أنه تذكر شيئا فهب واقفا، وخاطبني كالمعتذر:
ـ يجب أن أذهب، زوجة أخي لا تفتح لي بعد المغرب٠
وأسرع خارجا وهو يعرج برجله اليسرى٠

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى