محمد علي الرباوي - مرثـية.. شعر

(إلى الصديق حسن الأمرانِي الذي كتب إِلَيَّ يقول: أخِي مُحَمَّد، سَلَامٌ عليك. هل أكونُ حافظًا وتقف أنت مِنِّي موقف شوقي؟ )


(1)
اِجْعَلْ يَا قَلْبِ رِثَاءَكَ لِلطَّيْرِ جَـزَاءَا
ثُمَّ ابْعَثْهُ/ لِلشَّـجَرِ الْمَكْسُورِ عَزَاءَا

(2)
وَيْحِي.. يَـا هَذَا الطَّائِرُ بَيْنَ جَدَائِلِ أَرْوَى وَيْحِي.. إِنْ بَايَعَنِي الشِّعْرُ بِهَـذِي الْكَرْمَةِ ، أَوْ بَايَعَكَ النِّيلُ الدَّافِقُ بَيْنَ تُخُومِ أَبِي الْهَوْلِ الْقَابِعِ بَيْنَ شُجَيْرَاتِ الْأَطْلَسِ.. وَيْحِي مَا تَصْنَــعُ مَمْلَكَتِي إِنْ جَاءَتْ أَرْجَاءَ الْقَصْرِ وُفُودُ الطَّيْـرِ وَلَمْ تَكُ أَنْتَ عَلَيْهَا تَاجًا يَنْشُرُ بَعْضَ جَوَاهِرِهِ الْخَضْرَاءِ عَلَى بَلَدٍ أَعْطَيْتَ خَمَائِلَهُ قَلْبَــكَ أَعْطَاكَ جِرَاحًا حَجَبَتْنَا عَنْ دِفْءِ الْأَهْلِ وَمَـا حَجَبَتْنَـا عَنْ هَذَا النُّورِ الْوَهَّاجِ السَّاكِنِ بَيْنَ ضُلُــوعِ الشَّجَرِ الْبَاسِقِ.. مَا زِلْتُ أَنَا مِنْ خَلَلِ الْحُزْنِ الْمُلْتَفِّ عَلَى وَجْهِي الْمَكْسُورِ أَرَاكَ، فَكُـنْ أَنْتَ الطَّلْحَ عَوَادِينَا أَشْبَـاهٌ .. وَاحْفَظْ ذِكْـرِي بِدُمُوعٍ مِنْ ضِلْعَيْكَ تَهُـزُّ سِهَامَ الْأَقْوَاسِ إِلَيَّ فَتَسْقُطَ ذَرَّاتُ تُرَابِي قُدَّامَ الْبَحْرِ، يَقُومُ الْبَحْرُ يُغَادِرُ هَذَا الْمَوْجَ لِيَكْتُبَ بِالدَّمِ قِصَّةَ حُــزْنٍ اِنْسَلَّ إِلَيْنَا فِي شَـرْخِ الْعُمْرِ، وَفِي هَذَا الْعُمْـِر الذَّابِلِ بَلَّلَ كُـلَّ رَيَاحِينِي وَرَيَاحِينَكَ.. وَيْحِي.. وَيْحِي..

(3)
صَاحَبْتُ الشِّعْرَ فَشَيَّبَنِي
هَلْ شَيَّبَ كُلَّ الشُّعَرَاءِ؟
لَسْتُ أَمِيراً لَكِنِّي أُوثِرُ
أَنْ تَكْتُبَ أَنْتَ رِثَائِي
أُكْتُبْ يَا مَنْ يُنْصِفُ
بِالشِّعْرِ الْأَحْيَاءَ مِنَ الْأَحْيَاءِ

(4)
غَنَّى لِلْغُرَبَاءِ نَشِيدًا
وَرَحَلْ..
غَنَّى لِصَعَالِيكِ رِبَاطِ الْفَتْحِ صَبَاحاً
وَرَحَلْ..
آخِرُ فُرْسَانِ سِجِلْمَاسَّةَ
فِي شَرْخِ الْعُمْرِ رَحَلْ..
مَا ضَرَّ لَوَ انَّ رَحِيلَ الطَّيْرِ تَأَخَّرَ حَتَّى تَكْتُبَ مَرْثَاةً تَنْشُرُ جَمْرَتَهَا فِي بَعْضِ شَوَارِعِ وَجْدَةَ، أَوْ بَيْنَ أَزِقَّةِ أَسْرِيرَ الْمُظْلِمَةِ الْعَطْشَى يَوْمَئِذٍ تُزْهِرُ سَوْسَنَةٌ فِي جَوْفِي وَتَظَلُّ تُفَاخِرُ كُلَّ الزَّهْرِ لِأَنَّ جَمِيلَ الشِّعْرِ بَكاها.. ثُمَّتَ أَحْياها.
عَجَبًا.. شِعْرِي يَسَعُ الْعَالَمَ.. كَيْفَ أَيَا قَلْبِي لَمْ يَتَسَلَّقْ أَجْنِحَةَ الطَّيْرِ الرَّاحِلِ؟ كَيْـفَ وَهَذَا الْمِصْبَاحُ الرَّاقِدُ فِي الطَّرَفِ الْأيْمَنِ مِـنْ جَسَدِي جَمْرَتُهُ الْبَيْضَاءُ يُؤَجِّجُهَا حُبٌّ يَرْبِطُنِي بِصِحَابِي؟ لَيْتَهُمُو قَبْلَ رَحِيلِي مَا رَحَلُــوا.. لَيْتَهُمُو- وَأَنَا بِالثَّوْبِ الْأَبْيَضِ مَلْفُوفٌ - بِدُمُوعِهِمُو غَسَلُونِي. لَيْتَهُمُو فِي شِعْرِهِمُو دَفَنُـونِي... لَيْتَهُمُو.. لَيْتَهُمُو..

(5)
غَرَسَ النَّاسُ قَدِيماً..
غَرَسُـوا قَبْلَ يَجِيءُ الْأَرْضَ شِتَــاءُ.
غَرَسُوا.. وَبَنَوْا..
هَلْ غَـرْسٌ دَامَ؟ وَهَــلْ دَامَ الْيَوْمَ بِنَـاءُ؟

(6)
يَا صَاحِبِيَ الْمَسْكُونَ بِهَزَّاتِ الْآهِ. مَا أَنَا لِلشِّعْرِ أَمِيرٌ.. مَا أَنْتَ لِهَذَا النِّيلِ أَمِيرٌ.. وَالنِّيلُ الْأَزْرَقُ بَلَّلَ شِعْرَكَ، خَبَّأَ فِي قَلْبَيْكَ سِلَالاً مِنْ أَشْجَانِ الْبُؤَسَـاءِ، وَهَـذَا الْقَلْبُ الرَّابِـضُ فِي الطَّرَفِ الْأَيْمَنِ مِنْ جَسَدِي الْهَشِّ يُحَدِّثُنِي اللَّحْظَةَ عَنْ هَذِي النَّاقَةِ وَهْيَ بِلَوْنِ الْآهِ/ تَحْمِلُ فِي قَرْنَيْهَا الْخَضْرَاءَ تَدُكُّ الْغَبْرَاءَ بِأَجْنِحَةٍ بَيْضَاءَ وَعَيْنَاهَا الْمُغْمَضَتَانِ عَلَى الْجَسَدَيْنِ الْهَشَّـيْنِ سَتَحْمِلُ فِي هَوْدَجِهَا هَذَيْنِ الْجَـــسَدَيْنِ الْهَشَّيْـنِ تَشُقُّ بِـنَا يَبَسَ الْبَحْرِ، فَمَنْ حِينَ يُبَلِّلُنَا الصَّمْتُ سَيَبْكِينَا؟ مَنْ يَبْكِينَا؟ مَنْ...؟ مَنْ؟

محمد علي الرباوي
وجدة: 30 مارس 2010

* من ديوان "أشجار الدم" قيد الطبع=

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى