ماريو بركاس يوسا - المنظور السردي في رواية " مدام بوفاري".. ترجمة: عبدالجبار العلمي

من يروي قصة "مدام بوفاري" ؟

إنهم عدة رواة تتغير أصواتهم بشكل خفي ودقيق بحيث لا يكاد القارئ يحس تغيرات المنظور السردي . ويكون لديه انطباع بأن الراوي هو واحد . وكما في المستويات الزمنية (1)، فإن الأهم هو وجود عدة رواة ، أي الوظيفة المتباينة المعهود بها إلى كل واحد منهم ، وطريقة يتناوب من خلالها الرواة عملية السرد من راو إلى آخر . في اللحظة التي يتم فيها هذا التناوب ، وبالشكل الحذر الذي يتم به ، يكون أكثر حسما كما لو أنه يتم لكي يمنح المادة السردية قدرة الإقناع . هؤلاء هم رواة "مدام بوفاري" ، أو بعبارة أوضح : الأقنعة المختلفة للراوي الهلامي:
أ ـ الراوي ـ الشخصية بضمير الجمع . أو "النحن العجيب" :
من هو الراوي الذي يختفي وراء ضمير المتكلم ـ الجمع والذي يبتدئ الحكاية ؟ يتعلق الأمر بشخص ما يوجد هناك . يشكل طرفا في العالم الروائي . إنه يسمع ، وبدون شك يحدث الضجيج الذي يستقبل به التلاميذ الصبي البدوي . وفيما بعد ، سيعيش معه الأعوام التي قضاها شارل في المدرسة :
"يستحيل على أحد منا أن يتذكر الآن شيئا عن "شارل بوفاري"ـ على أنه كان عادي المزاج والطباع . يلعب في فترات الفراغ ، ويستذكر في الحجرة المخصصة لذلك ، ويصغي بانتباه في حجرة الدرس ، ويأكل في المطعم ، وينام في العنبر"(2 )
ليس هناك أدنى شك في أن الذي يتحدث هو شخص أكثر من مجرد راصد ، بل إنه مشارك فعال ، شريك . شخصية من شخصيات الرواية . إن وجهة النظر الفضائية هاته ـ الراوي المتموضع داخل العالم السردي ـ الأكثر قدما في الرواية ، يبدو أنها اختيرت بدافع من الرغبة في الواقعية .هذا ما كان يحدث في الرواية الشطارية ، حيث يروي البطل حياته الخاصة ، وتصل الحكاية إلى أعلى درجة من الصدق لأن من يحكيها شاهد ذو امتياز. شخص ما يحكي عن علم ومعرفة بحجة : كنت هناك ، كنت متيقنا . عشت ما حدث . إن السرد يتبنى ما يشبه وثيقة تاريخية . بيد أن الأشياء هنا لا تحدث بنفس الطريقة ، ذلك أن ساكن هذا العالم الروائي لا يتحدث عن نفسه ، بل يتحدث عن كل شيء عداه إنه هنالك ، ولكننا لا نراه . إنه لا يعدو أن يكون زاوية رؤية للرواية ، أي رؤية وذاكرة تنقلان ما رآه وعرفه خلال لحظة معينة دون أن يبدو للعيان . إن هويته عجيبة ، ليس فقط نظرا لتحفظه فيما يتصل بشخصه ، بل لأنه يتحدث انطلاقا من ضمير الجمع ، الأمر الذي يوحي بأنه ليس شخصية واحدة بل عدة شخصيات . يمكن أن يتعلق الأمر براو جماعي . إن " النحن" في الفصل الأول يخفي غالبا مجموعة من تلاميذ المدرسة أو فريقا منهم . ولكن يمكن أن يكون أيضا واحدا من هؤلاء التلاميذ يستعمل ضمير الجمع عن تواضع وخفر وإرادة في التخفي . إن هذا التقلب هو أمر أساسي بالنسبة للراوي الشخصية الذي يفتتح القصة ، إنه يذكر سبع مرات كلها في الفصل الأول ، وبعد ذلك يختفي لكي لا يعود إلى الظهور . إن وجهة النظر الفضائية هاته ، حيث لا توجد هناك أية مسافة بين الراوي والمروي مؤسسة تقاربا كبيرا بين القارئ والقصة أثناء اللوحة الأولى كلها ـ وصول "شارل" إلى الفصل الدراسي ـ ضجيج التلاميذ ـ مقطع القبعة ـ العقاب الذي أوقعه الأستاذ ـ حيث الراوي ـ الشخصية بضمير الجماعة هو المنظور المهيمن ، يبدو انه مقبل على قراءة اعتراف أو سيرة ذاتية .إن الراوي الملتبس الذي هو في نفس الآن موجود ، ولكنه لا يعلن عن نفسه ، والذي يتحدد بكونه يحيطنا علما بأنه واحد من ساكني العالم الروائي ، يثير فضولا موازيا لما يوقظه ما يحكيه . وفضلا عن أنه يعطي ، وفقا للوظيفة التقليدية للراوي ـ الشخصية ، انطباعا بأنه شاهد عيان ، فإن الراوي الأساسي في "مدام بوفاري" بفضل الشكل النحوي الذي يختفي وراءه ، يعدي المادة السردية بشيء من الغرابة . إنه يشملها بعبق مقلق.
إن الضبابية التي تلف الراوي ـ الشخصية الجمع ، تخفف من هيبته ، إنه يتلاشى ولا يكاد يحس لأنه يغدو غير مرئي تقريبا . وبعد وصول" شارل " إلى القسم الدراسي ، يأخذ راو آخر في حكاية شيء لا يستطيع ضمير النحن ـ اللغز أن يعرفه ، أي حياة " شارل " الماضية ، زواج والديه ، الدروس الأولى التي كان يتلقاها على يد قسيس القرية ، إلى أن يصل إلى مقدمه إلى "روان" . وعند ذاك يظهر الراوي ـ الشخصية بضمير الجمع لكي يلخص في الجملة التي اقتبستها آنفا ما كانت عليه حياة هذا التلميذ الخنوع ، المجتهد ، المتوسط الذكاء ، لكي يتلاشى بعد ذلك ، وفي هذه المرة بصفة نهائية . راو آخر يقص ما حدث لشارل لدى خروجه : كان طالبا في الطب قبل في وظيفة بالصحة ، تزوج من الأرملة "إلواز دوبوك" ، وأقام في "توست" . هذا الراوي الذي بفضل تلك التقلبات الأربعة ، يتغير الراوي ـ الشخصية الجمع ، خلال الفصل الأول وهو :
ب ـ الراوي العارف بكل شئ
إن لهذا الراوي في نقاط متعددة ، المسئولية الرئيسية في السرد ، فهو الذي يسرد تقريبا كل ما هو موجود في العالم الروائي . إنه لا يشكل طرفا في العالم الروائي . إنه خارج عنه ’ يتحدث عبر ضمير الغائب ـ المفرد ، وتتمثل خصائصه في : الوجود في كل مكان ، والمعرفة بكل شيء ، والقدرة على كل شيء ، ولكن رغم وجوده في كل مكان ومعرفته بكل شيء ،فإنه يستعمل دائما هذه القدرات الإلهية بطريقة متناهية في الدقة ، حسب منظومة منطقية متماسكة قواعدها غير قابلة للخرق إلا في مناسبات قليلة (إن هذه الأخطاء هي دائما غير خطيرة (مغتفرة) ،وجد قليلة بحيث لا تضع المنظومة أبدا في مأزق ).
يحضر ويحكي الأسرار الخفية للشخصيات ،ويتنقل بدون أي عائق في الزمان ،كما هو الحال في الفصل الأول ،واثبا إلى الوراء ، لكي يحكي قصة والدي "شارل بوفاري "، وبعد ذلك إلى الأمام لكي يعود إلى مدرسة "روان" حيث يمر بها متجها إلى قرية مجهولة "فوق تخوم بلاد الكوابيكاردي حيث يعيش والد "شارل" بعد فشله كرجل صناعة وكفلاح ، وبعد ذلك يعود بنفس السرعة إلى "روان".
تقع على كاهله القرارات التكتيكية الهامة التي تحدد الاستراتيجية السردية لرواية "مدام بوفاري": ما هي المعلومات المرسلة إلى القارئ ؟ وما هي المعلومات المخفية عنه وفي أي قدر من الزمن ؟ ما هي المستويات الزمنية التي يوضع فيها كل فصل أو وصف أو حافز ؟وفي أية لحظة ينتقل الحكي إلى صوت الشخصيات أو إلى أفكارهم أو إلى أحاسيسهم أو إلى حركاتهم أو إلى الطبيعة والأشياء التي تحيط بهم ؟ إن الحرية غير العادية ـ الأكثر تفوقا من حرية راو ـ شخصية ـ هي، مع ذلك مأزقه الخطير ، فأي شطط أو عدم تناسب ، أو هوى في استعمال قدراته اللامحدودة ، يقلل أو يلغي قوة الإقناع فيما يروى.
إن الراوي في "مدام بوفاري" يستخدم هذه الحرية منتزعا إياها لحسابه وفق قواعد محددة ، موجهة إلى إخفاء وجوده أو إلى جعل هذا الوجود جليا في أحوال مدبرة وحتمية . ومن هنا فإن هذا الراوي العارف بكل شيء ليس واحدا بل اثنين ، حسب درجة رؤيته وتدخله في العالم السردي:
1 ـ الراوي غير المرئي:
إن أكبر جزء من المادة السردية المروية عبر ضمير المتكلم ـ المفرد تروى من طرف راو غائب كثير الهذر ، راو ملاحظ شفاف ودقيق بحيث لا تتاح رؤيته . إنه يلتبس مع الموضوع أو مع الشخصية الروائية ، والقاعدة التي تسمح له بالظهور هي الموضوعية :إنه يقول ما يحدث ، لكنه لا يصفه ، يقصر عمله على نقل ما تفعله الشخصيات أو تترك فعله ، الحوار الذي يديرونه بين أنفسهم أو فيما بينهم ، كل ذلك دون أن يكشف أبدا عن أفكاره الخاصة ، أو انفعالاته بما يحدث أمامه في العالم الروائي . إنه راو معدوم الذاتية ، وغير مبال كالكاميرا السينمائية التي تستطيع هي الأخرى التقاط ما هو غير مرئي . إنه لا يريد أن يبين ، بل يكتفي بالإشارة فقط . وبما أنه يخضع بشكل مضمر لهذا القانون الصارم للموضوعية ، ويسير على نهجه ، فإن القارئ يعتقد بأنه غير موجود ، ويتولد لديه إحساس بأن المادة السردية تروي نفسها لنفسها أمام عينيه ، وأنها تبتدئ بذاتها ، وتنتهي بذاتها :"كان أبوه "شارل دي بارتلومي بوفاري" مساعد جراح سابق في الجيش ، تورط في بعض المسائل المتصلة بالتجنيد في سنة 1812 ، واضطر إلى ترك الخدمة ، بيد أنه كان قد وفق في استغلال مواهبه الشخصية فظفر بصداق "دوطة" قدره ستون ألفا من الفرنكات ، حملته إليه ابنة صاحب مصنع للقبعات عشقت هيئته .. فقد كان فارع القوام ، يحسن التهريج والشنشنة بمهمازيه ، وقد أرسل لحية متصلة بشاربيه ، واعتاد أن يزين أصابعه بالخواتم وأن يتخير لملابسه الألوان الصارخة .وكان له مظهر الرجل الشجاع مع خفة المندوب الكثير الأسفار" .
يعتبر الراوي غير المرئي محور النظرية الفلوبيرية في اللاشخصية ، والأداة التي أتاحت له أن يخرج فكرته إلى حيز التطبيق .
عندما كتب "فلوبير" رواية "مدام بوفاري" ، توصل إلى الاقتناع بأن العمل الفني ينبغي أن يعطي إحساسا بقدرته الفردية ، وبأنه من اللازم لكي نحقق ذلك أن يتلاشى كل أثر للراوي :"إن الفنان يجب أن يدبر أمره بطريقة تبعث على الاعتقاد بعدم وجود حياة للراوي" (من رسالة إلى لويز كولي مؤرخة ب27مارس 1852 ). تقتضي عدم الرؤية هاته من الراوي موقفا ينعدم فيه الإحساس والتأثر إزاء ما يرويه . يمنعه من التدخل في الحكاية من أجل استخلاص نتائج أو إملاء حكم وعبر . إن وظيفته تنحصر في الوصف دون أن يبرئ أو يدين . ويقرر "فلوبير" في نفس رسالته الموجهة إلى "لويز" أن أي أدب يحتوي على مغزى هو أدب مزيف الجوهر.
"سيكون كتابا جيدا ، ذلك الكتاب الذي سيؤلف حول الأدب المقنع ، ذلك أن المرء يكذب في نفس اللحظة التي يقيم فيها الدليل على صدقه . إن الإله يعلم بداية الخليقة ونهايتها ، الفاضل والسافل والفن مثل الإله في كونه ، ينبغي أن يظل (معلقا ) في اللانهائي ، كاملا في ذاته ، مستقلا عن منتجه".
منذ تلك الفترة ، ومراسلاته تمتلئ بمثل هذه الاستشهادات وهذه الآراء ، ونفس ما فاه به إلى
"لويز" سيقوله فيما بعد لأصدقائه ("لوي بويلهيد" ، والآنسة "لورويي دي شانطوبي" ، و "جورج صاند") وبالتالي إلى جماعة "الكَونكور" . إن إيمانه بأن الراوي (فلوبير يعبر عنه بألفاظ المؤلف والمنتج والفنان) ينبغي أن يكون محايدا حيادا تاما بحيث لا يحشر نفسه في مغزى القصة الأخلاقي والاجتماعي. ويعني هذا بالتالي أنه ليس مسموحا له الاحتفال بأفراح شخصياته ، ولا إظهار الشفقة إزاء تعاستهم . لذلك ليس من المستغرب أن يتهم بعض القراء الذين تعودوا أن يروا في الرواية الرومانسية أوصافا إلى جانب الآلام التي تقاسيها الشخصيات ، إلى جانب عواطف الشفقة أو السخط التي تستثيرها هذه الآلام في الراوي (والتي يجب أن تستثيرهم هم أيضا) أن يتهموا فلوبير أنه"بارد" و "غير لطيف" ، وأنه يقوم بعمليات تشريح لدى قراءتهم في " مدام بوفاري " احتضار إيما مثلا ، المسرود بقدر كبير من الموضوعية التامة من طرف الراوي غير المرئي :
"أخذ صدرها بعد ذلك مباشرة يلهث في سرعة وخرج لسانها كله من فمها ، وشحبت عيناها وهما تدوران ككرتي مصباح تنطفئان ، حتى ظن أنها قد ماتت ، لولا الانتفاضات المخيفة في أضلاعها التي كانت تهتز بنفس عنيف ، وكأن الروح تقوم بوثبات تتخلص من الجسد".
من ذا الذي يضع نفسه في الخفاء راويا بضمير الغائب ، محافظا على حياد منيع بالنسبة لما يجري في الواقع الروائي بدون أن يقدم رأيه الخاص أو يستخلص عبرا أخلاقية أو اجتماعية من القصة؟ أو يتأثر أمام ما يحدث للأبطال ؟ إنه راوي الرواية وليس المؤلف ، إذ أن الراوي هو دائما شخص مختلف عن المؤلف . إنه من خلق هذا الأخير تماما كغيره من الشخصيات . وأن الأهم بدون شك ، حتى في الحالات التي يتعلق ا لأمر فيها براو غير مرئي لأن كل الآخرين هم تابعون لهذه الشخصية السرية . ينقسم مؤلف الرواية إلى إثنين ، يبتكر راويا (أوعدة رواة) ، وهذا الراوي هو الذي يتخذ تلك المواقف الحيادية والموضوعية أو مواقف مختلفة أخرى كما هو الشأن مثلا في رواية رومانسية حيث يكون الراوي العارف بكل شيء عادة عبارة عن شخص حاضر مرئي ، عن ذاتية تروي نفسها لنفسها في ذات الوقت الذي تروي فيه الأحداث الروائية . على أن نقاد " فلوبير" لا يقيمون هذا التمييز ، ومن ثم فإنهم يقدمون تصورا جداليا لآرائه النظرية .وليس يعذرهم كون أن " فلوبير" نفسه لم يقم في رسائله بأي فصل بين المؤلف والراوي ، فيكفي أن نقرأ رواياته لكي نعرف أنه كان يمارس هذا الفصل .
إن نظرياته لها دلالة وصلاحيات إذا ما ميز بين الشخصين : (المؤلف والراوي) ، أما إذا لم يتم التمييز بينهما ، فإن هذه النظريات ستذهب أدراج الرياح وستضحى نظريات بليدة ، لأنه كما يستحيل أن أن مؤلفا ما يستطيع أن يبدع متخليا بصفة كلية عن تجاربه ، كذلك لا يمكن على الأقل أن نتصور أن شخصا من لحم ودم ذي حياة ثقافية وعاطفية معينة ، يستطيع في لحظة الإبداع ، أن يلغي أفكاره وأهواءه وغرائزه ليتحول إلى راو مبهم ، وإلى آلة تقوم بعملية إيصال معلومات و أحداث .
إن الحياد والموضوعية هما فقط وسيلتان ماكرتان وخادعتان استعملتا لإخفاء هذه الذاتية الموجودة فيما يروى . هما استراتيجية تبدو فيها الاستنتاجات و البراهين و الانفعالات العاطفية وكأنها تنضح بشكل طبيعي بما يروى للقارئ ، و ليست مفروضة عليه من طرف راو ديكتاتوري . فبدل أن يقدم المؤلف آراءه مباشرة ، يقدمها عبر اللامرئي بطريقة ملتوية : منظما مادته بطريقة دقيقة ، مسلسلا الفصول بشكل محدد ، مضيئا ومعتما تصرفات شخصياته في اللحظات الحاسمة ، مختارا بعض الأحدث الدالة ، مستثيرا بعض الحوارات ، منجزا بعض الأوصاف .
لقد أدرك فلوبير الأمر بعد إصداره لرواية " مدام بوفاري" بسنوات عديدة هكذا . وعمل على تبليغه ل"جورج صاند" في صورة لانظير لها : "إنني لا أكاد أؤمن أن يعرب عن رأيه حول أشياء عالمه. إنه يمكن أن ينقلها ، بيد أنني لا أحب الروائي الذي يقولها " (من رسالة مؤرخة ب 10 غشت 1868).
وفي هذا يرجع الفضل فعلا، للراوي غير المرئي الذي لا يقول رأيه ، بل ينقله بشكل شفاف مموها بذلك المادة السردية ، محيلا عالمه الذاتي إلى عالم موضوعي للمتخيل .
لقد كان للراوي غير المرئي وجود في الرواية قبل "مدام بوفاري" ، غير أنه لم يكن عادة يتولى عملية السرد إلا خلال فترات قصيرة ، ويكاد ذلك أن يكون في غفلة عن المؤلف الذي ـ ويتعلق الأمر بكل الروائيين الكلاسيكيين ـ يعهد بأكبر جزء من السرد إلى الراوي العارف بكل شيئ الدخيل الذي يتناوب عملية السرد بشكل دائم مع الشخصيات ، والذي كثيرا ما يكون حضوره سمجا في الواقع الروائي.
إن الراوي غير المرئي لم يحظ أبدا بالوظيفة الهامة التي حظي بها في هذه الرواية ، كما أن أي روائي قبل فلوبير استطاع أن يحقق تقنيات جد فعالة لإخفاء حضور الراوي . بيد أن الراوي غير المرئي رغم أنه راو رئيسي إلا أنه مع ذلك ليس هو الراوي العارف بكل شيء الوحيد في "مدام بوفاري" فرغم أن " فلوبير" كانت له نظريات جد صائبة حول الحياد والموضوعية إلا أنه لحسن الحظ لم يطبقها بطريقة دوغمائية . لقد كان المبدع الذي ينظر أحيانا لا المنظر الذي يكتب روايات . وفي ميدان الخلق ، كما في ميدان القصة ، فإن الممارسة تطغى دائما على النظرية . حقا هناك لحظات يتخلى فيها الراوي العارف بكل شيء عن أن يكون غير مرئي ، ويصير عدم الحضور خلالها حضورا . يتعلق الأمر بحالات ظهور متوقعة بشكل حذر تعمل على إتمام وظيفة ما داخل الاستراتيجية السردية . إنها اللحظات التي يستبد فيها الراوي غير المرئي بالراوي ـ الحكيم .
2 ـ الراوي ـ الحكيم .
إن الراوي العارف بكل شيء يظهر أحيانا ـ ويجب التأكيد على أنها أحيان قليلة ـ عن طريق تدخلات تتم عبر المساحة الضيقة لكلمة أو جملة ، عن حضور كائن غريب عن الواقع المتخيل . بعض هذه التدخلات المكشوفة وغير الإرادية هي أعمال تفتقر إلى التوفيق يقوم بها الراوي كما هو الحال حينما يحشر أنفه خلال وصف لاشخصي للمقاطعة حيث يميز بين نرمانديا وبيكارديا وجزيرة فرنسا لكي يعطي رأيه بأن " هناك تصنع أردأ أنواع الجبن الذي يصنع في مقاطعة " نيو شاتل " بأسرها " أو بعد قليل حينما يضرب ضربة قاضية علاقة الحب أو الحدب القصيرة التي كانت بين ايما وابنتها في الفترات الأولى في يونفيل متهكما ساخرا حيث يقول : " إن تهويمات "مدام بوفاري " الشعرية الأمومية كانت كفيلة بأن تذكر أي فرد ـ عدا سكان يونفيل ـ " بساشيت " (3) في رواية نوتردام دي باري " .
لكن هناك حالات يقوم فيها الراوي العارف بكل شيء بتنحية الشخصيات والأشياء بطريقة مدبرة كل التدبير لكي يحتل مرتبة الحكي الأولى ، متلفظا بكثير من التعاليم ، جملا فلسفية ، أو عبرا أخلاقية ، أو أمثالا وحكما أو منهجا للحياد ، تجد مثلها المحسوس في الأحداث التي رواها أو التي سيقوم بروايتها : لأن كل بورجوازي في وقدة شبابه لابد أنه اعتقد نفسه قادرا ـ ولو ليوم أو دقيقة ـ على الانفعالات الشاسعة ، والمغامرات العنيفة . وأحقر إباحي قد حلم بالسلطنات ، وكل كاتب يحمل في نفسه أنقاض شاعر " .
لا تتحدث هنا أية شخصية ، إنه الراوي الحقيقي الخاص . يضع هذا القانون العام والصارم للسلوك البورجوازي ليوضح صبر "ليون دوبوك"، ويرصد تحوله من الشاب الرومانسي الذي كانه في "يونفيل" إلى الرجل الرصين الذي يحسب لكل شيئ حسابه الذي هو الآن في "روان".
إن انقطاع الحركة أو الوصف اللحظي الذي يهدف من ورائه الصوت الحاسم للإله الأب اختزال ما يروى إلى معيار أخلاقي أو اجتماعي أو سيكولوجي أو تاريخي ، هو أسلوب قد استعمل قديما في الرواية . و"فلوبير" بهذا يتبع تقليدا ، لكنه لا يتبعه بصورة آلية (ميكانيكية) ، وإنما يستعمله استعمالا خاصا .
إن الراوي ـ الحكيم لا يتجسد إلا في بعض اللحظات الهامة ، وعبوره يكون دائما سريعا . حضوره يرفع العالم المتخيل إلى مستوى من الجلال والتجريد فقط لبضعة ثوان بحيث لا نرى سير الأحداث معاقا أو مبعثرا أو ذاهلا عبر رؤية الراوي الدخيل .
إن صوت الراوي ـ الحكيم ، فضلا عن ميزة القصر، يتمتعه بخاصية ثابتة أخرى هي : اللهجة الحاسمة ، إنه لا يشك أبدا . يتحدث بطريقة حاسمة ، فمثلا عندما يحكي الراوي غير المرئي فيما بعد أن ليون عند عودته من باريس لم يعد وهو ذلك الشاب الخجول الذي عرفته إيما ، بل عاد بارونا ذا تجارب ، يتم به الإعجاب بصورة حتمية ، تتوقف اللاقصة من أجل أن يعلمنا صوت مهيب بهذا الشكل:
"و الجرأة تتوقف على الأوساط التي يوجد المرء فيها ، فالإنسان لا يتحدث في الدور الأرضي كما يتحدث في الدور الرابع . والمرأة الغنية تبدو وكأنها محاطة بكل هذه الأوراق من البنكنوت لحماية فضيلتها ن وكأنها درع في بطانة صدرها " . إن فلوبير يعطي لعودة تدخل الراوي ـ الجليلا لتليد في الرواية ، تلوينا خاصا ، فيقلل من تدخلاته في ظروف مناسبة معينة (لم أجد أكثر من 50 مرة يظهر فيها الراوي ـ الحكيم ) ، يزودها بخصائص ثابتة مثل القصر ـ العمومية ـ الحسم ـ ويتوصل إلى أن تكون هذه الأحكام النهائية ، والاستنتاجات العامة لما هو خصوصي ، أو المغازي الجزئية التي توجد في القصة ، مشكلة لما يروى بطريقة مضبوطة . ويسمى في نهاية الأمر من الواضح أن مجموعة المقولات التي فاه بها الراوي ـ الحكيم هي التي تشكل مستوى من مستويات الواقع المتخيل ، ألا وهو المستوى الإيديولوجي ، ليس إيديولوجية هذه الشخصية أو تلك ، بل الإيديولوجية العامة الفطرية الملازمة لذلك المجتمع . النظام الأساسي لأفكار يولد عليها الشخصيات ، تعيش وتموت ، هذه الشخصيات التي تتصف بغير قليل من الضعف بحيث لا تستطيع أن تحمل في كنفها إيديولوجيات متناقضة لبعض الطبقات أو لبعض الفئات الاجتماعية وحتى لبعض الأفراد. وهكذا نجد أن هذه الحكم تمثل جزءا ذا قيمة في العالم المتخيل ، إنها عنصر لاغنى عنه بالنسبة للموضوع المنقول عبر الكلمات التي كتبت في الرواية بخط مغاير ، وبواسطته تشكل المقاييس الأخلاقية والسياسية والاجتماعية والميتافيزيقية التي تتحرك داخلها شخصيات الرواية ، رجالها ونساؤها ، جذور سلوكها وعواطفها .إن هذه الكلمات المكتوبة بخط مغاير وهذه الحكم المتقنة رغم أنها تلتقيان معا لكي ترسما المستوى البلاغي أو الفلسفي للعالم المتخيل ، ليستا بشيء واحد ، ذلك أن تلك لها مدى محدود ، تعبر عن حقائق نسبية ومحددة مثل العقائد والأساطير والأوهام الخاصة بجماعة معينة : أسرة أو مدرسة ، أو قطاع مهني ، جنس ، أو طبقة اجتماعية أو مقاطعة . إزاء هؤلاء يتخذ الراوي العارف بكل شيء أحيانا مسافة نقدية وتهكمية . في حين أن الراوي ـ الحكيم يعبر دائما عن حقائق مجرد مطلق أحادية ، تطمح جملة أن تكون الحقيقة الإنسانية المقتنصة في صيغة فعلية نحوية ، فمثلا عندما يبتدأ الفصل الذي يلي احتضار إيما يحدد هكذا رد فعل الناس إزاء الموت : "هناك أحد من الناس شيء يشبه الذهول الذي يملأ الجو ، وذلك لأنه من الصعب فهم هذا العدم الطارئ والاستسلام لتصديقه " .
إن الراوي ـ الحكيم يعبر عن شيء أكثر خلودا وكونية من المقولات والأمثال التي تعكسها إيديولوجية أحادية الجماعات : بعض المميزات الأخلاقية ، معنى إنساني شامل وسابق على وجود الأفراد ، وبداخلها تأخذ الموجودات المحسوسة شكلا من الأشكال .. مثلا عندما تمثل إيما بين يدي رودولف مفلسة طالبة ثلاثة آلاف فرنك ، وهذا يجيبها أنه لا يملكها ، يتجسد الراوي ـ الحكيم لكي يحيطنا علما أن المال عندما يمزج بالحب ، فإن هذا الأخير يكون عرضة للخطر ، ذلك أن المال من شأنه أن يفتره ويقتله .
" إنه لم يكذب ، ولو أنها كانت حاضرة لديه لدفعها بلا شك ، وإن يكن من المستحب عادة اتيان مثل هذه الأفعال الجميلة ، وطلب المال يعتبر ـ من بين الصواعق التي تسقط على الحب ، أكثرها برودة وتحطيما " .
ففي حين أن الكلمات التي كتبت بخط مغاير يمكن اعتبارها المستوى البلاغي مقدما في قالب ذاتي ـ عقائد وأفكار الشخصيات ، يمكن اعتبار الفكر الذي يعرضه الراوي ، الحكيم مقدما في قالب موضوعي ، فما يقوله هو يطمح إلى أن يصير معرفة عملية ، صورة دقيقة للطبيعة الإنسانية . وهذان المستويان المركبان يبنيان عالم الأفكار والعقائد التي انطلاقا منها تحكم شخصيات الرواية تحقق الخير أو الشر ، تصيب أو تخطـئ ، تكون دنيئة أو فاضلة ، عادية أو خارقة للعادة ، منسجمة مع المجتمع أو متمردة عليه .
ج ـ الرواة ـ الشخصيات ـ الأفراد
أي أصوات الشخصيات أنفسهم في الفترات القصيرة التي ـ وبدون وساطة الراوي العارف بكل شيء ـ يسند الحوار والمونولوج الداخلي الوصف ؟
يحدث هذا حينما لا يكون الحوار " موصوفا " ، بل يكون معروضا مباشرة بين يدي القارئ بوساطة غياب قصير ، لكنه غياب كامل للراوي غير المرئي ، إن التغير في المنظور السردي في أغلب الحالات يكون تغيرا مكشوفا بواسطة علامات خطية كأن تسبق الحوارات بشرطة ( ــ ) و مزدوجتين أو يفصل بينها بنقط أو لا تحمل أية علامات .
في الفصل الخاص بالمعرض الزراعي ثلاثة رواة ـ شخصيات يأخذون مكان الراوي العارف بكل شيء من أجل أن يرووا لأنفسهم بشكل دائري وفي فترة قصيرة ، عبر ضمير التكلم المفرد ، يتعلق الأمر بصوتي "إيما" و"رودولف"( اللذين يوجدون في شرفة ) وصوت الخطيب الذي يعلن في الأسفل من على المنصة عن جوائز المسابقة :
يقول رودولف : فمثلا عندما أتيتإلى بيتكم .
الخطيب : إلى السيد بيزيه من كونكانينو .
رودولف : هل كنت أعلم أن قدر لي أن أصحبك ؟
الخطيب : سبعون فرنكا.
رودولف : بل لقد حاولت مائة مرة أن أرحل ، لكنني تبعتك وبقيت .
الخطيب : جائزة الأسمدة .
رودولف : وسوف أبقى الليلة ، وغدا وكل الأيام المقبلة وحياتي كلها !
الخطيب : إلى السيد " كارون" من "أركَبي" ، ميدالية ذهبية .
رودولف : فإني لم ألتق بمثل هذه الفتنة الشاملة في صحبة أي شخص آخر .
الخطيب : إلى السيد "بان" من "جيبري سان مارتان" .
رودولف : وسوف أحمل معي ذكراك " .
تلاشى الراوي العارف بكل شيء وصوته ورؤيته التي لا ترى . استبدلا بأصوات خاصة ومباشرة للشخصيات التي تروي بنفسها . يضاف إلى تغير المنظور السردي الرئيسي ـ رواة ـ شخصيات بدل الراوي العارف بكل شيء تغيرات ثانوية هي تلك التي تتعلق بالشخصيات الثلاث التي تتتابع باعتبارها أصواتا راوية (رودولف ـ الخطيب ـ إيما ) وفي بعض الحالات الأخرى يكون حديث الشخصية ـ رغم أنه مصحوب بعلامة تتصل بالراوي غير المرئي ، مثل :قال ـ أكد ـ أجاب ـ كثير الامتداد لدرجة تضيع معها تلك الصلة بحيث يغمر صوت الراوي ـ الشخصية صوت الراوي العارف بكل شيء ويمكن القول إنهما كانا بمثابة منظور سردي واحد . فمثلا هذا الحديث الصادر عن الأب "راوول" معزيا "شارل" في وفاة "إلواز دوبوك" ، وإن كان يحمل في البداية علامة الراوي ـ غير المرئي" قائلا " ، يطول كثيرا لدرجة يتحول معها إلى مونولوج داخلي ، إلى سرد بضمير المتكلم :
" إنني أدرك مدى مصابك ، فقد مرت بي نفس التجربة ـ لقد كنت أنطلق في الحقول ـ بعد أن فقدت زوجتي المسكينة ـ لأخلو إلى نفسي ، فأجثو عند ساق إحدى الأشجار وأنادي الله ، وأهرف له بأقوال سخيفة ...! وكم وددت لو أنني أصبحت مثل آكلي الحشرات المعروفة باسم "الخلد" ، ذي أراه على الأغصان والديدان تتلوى في بطنه .. بل لقد ذهبت إلى حد أن تمنيت لو أنني نفقت كالدابة ! .. وكنت إذا ما ذكرت أن سواي من الأزواج يضمون بين أذرعهم ـ في تلك اللحظة ـ زوجات لطيفات ، صالحات ، أدق الأرض بعصاي في عنف ! .. كنت شبه مجنون ، حتى لقد أمسكت عن الطعام ، وكان مجرد التفكير في الذهاب إلى المقهى يثير اشمئزازي ! لعلك لا تصدق ! .. على أن الأيام تتابعت ،بطرد كل منها الآخر في رفق ، وأقبل الربيع في أعقاب شتاء وخريف في ذيل صيف .. وما لبث كل أن تسرب رويدا أو زايلني قطرة إثر قطرة أو بالأحرى ، رسب في أعماقي ؛ إذ لابد من أن يبقى شيء في أغوار النفس ، أو لابد ـ كما يقولون ـ من أن يبقى فوق الصدر ثقل جاثم .. على أننا يجب ان لا نسلم أنفسنا لليأس ، أو أن نطلب الموت ، إذا مات أحد من أحبائنا ، ما دام هذا مصيرنا جميعا .. فانفض الحزن عن نفسك يامسيو "بوفاري" تجده يفارقك .. تعالى لزيارتنا ـ أتعلم أن ابنتي تفكر فيك بين وقت وآخر وتتساءل : "أهكذا نسيني !" هاهو ذا الربيع مقبل عما قريب ، سنشركك معنا في اصطياد الأرانب لتسري عن نفسك قليلا "
ليس صحيحا ـ كما يؤكد بعض النقاد ـ أن الحوار في "مدام بوفاري" هو حوار بلا معنى ، فالشكل المهيمن في الفصول الأولى هو الوصف ، وفيما عدا المشهد الرئيسي ، فإن الذي نسمعه تقريبا في كل المدى هو صوت الراوي العارف بكل شيء . إلا أن الأمر سيختلف ابتداء من وصول الزوجين "بوفاري" إلى " يونفيل " حيث يفتتح بحديث جماعي عريض " الأسد الذهبي " وانطلاقا من ذلك الحين تترك أصوات الشخصيات لتسمع بشكل متكرر ، يكثر هذا في الجزء الثالث من الرواية ـ ابتداء من بداية العلاقة الغرامية بين " ليون " و " إيما " إلى النهاية ـ حيث يتقدم الحوار ليصبح بدون أدنى شك الشكل الرئيسي للسرد، وهكذا إذن ، تحظى وظيفة هؤلاء الرواة ، الشخصيات بالعناية كلما تقدمت القصة إلى الأمام .
ليست هذه هي الحالات الوحيدة التي يوجد فيها تغير في المنظور السردي من راو عارف بكل شيء إلى رواة شخصيات ، قد يحدث هذا بشكل أقل وضوحا ، ولكنه أجمل صنعة ، عندما ـ في داخل نفس الفقرة ، وبدون سابق إعلان ، بواسطة نقطة النهاية أو فاصلة أو مزدوجتين ـ ينهي الجملة التي بدأها الراوي ، غيرالمرئي صوت مشارك في الحدث أي صوت إحدى الشخصيات ، و هذا أيضا له مع ذلك علامة خطية حيث تكتب جملة أو كلمة الراوي الشخصية بخط مختلف .

ـــــــــــــــــــــ
* فصل من كتاب : " LA ORGIA PERPETUA , Flaubert y MADAME BOVARY , MARIO
VARGAS LLOSA , ED. Seix B arral , Barcelona , 1981.
والجدير بالإشارة أن العنوان مستوحى من العبارة البالغة الدلالة التي صاغها " فلوبير" في رسالته إلى الآنسة
«Leroyer de Chantepir » بتاريخ 4 شتنبر1858 وهي :
" إن الوسيلة الوحيدة لتحمل الوجود ، هي أن ينغمر المرء داخل عالم الأدب كما ينغمر في سهرة حمراء دائمة".
1 ـ المستويات الزمنية : فصل من فصول الكتاب يرصد فيه الكاتب الزمن الروائي في رواية "مدام بوفاري".
2 ـ الاستشهادات الواردة في النص ، اقتبسها الكاتب من أصل الرواية الفرنسي دون أن يترجمها إلى اللغة الإسبانية . وقد عمدنا إلى أخذ ترجمتها العربية من الترجمة الرائعة التي قام بها الدكتور محمد مندور لرواية "مدام بوفاري".طبعة روايات الهلال ، العددان : 340 و 341 ، سنة 1977.
3 ـ راهبة تحدث عنها "فكتور هيجو " في روايته "أحدب نوتردام" .

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى