سيد الوكيل - الرواية الرقمية..

النقطة التي ينطلق منها ” محمد سناجلة ” في كتابه رواية الواقعية الرقمية ، هي أننا نعيش الآن لحظة تحول عظيم تعادل لحظة اكتشاف الكتابة ، فاكتشاف الكتابة هو اكتشاف لطاقة العقل البشري بعد أن عاش الإنسان قرونا علي عضلاته شأن كل حيوانات البرية أما الذى ستفعله التكنولوجيا ، أنها سوف تضاعف طاقات العقل البشري إلى عدد لا متناه ومخيف ، وذلك لأن الإنسان يمكنه الآن أن يتحرر من الواقع بكل مافيه من مشاهدات ومعارف ، وتاريخ وقيم بل ومدركات حسية وذهنية تتنتمي كلها إلى العالم القديم أو الذى سوف يصبح قديماً ، إنه عالم جديد يشبه العالم الآخر في العقائد الدينية ، ويشبه عالم الجن في الأساطير ، حيث يمتلك الإنسان قدرات عظيمة و مخيفة تجعله بمجرد أن يضغط علي زر فى جهاز يقول له شبيك لبيك ، هذا ما يطلق عليه الواقع الافتراضي ، وهو واقع تخييلي طبعاً ، ولكننا بدخول الواقع الافتراضي نجعل الخيال واقعاً ، وهكذا يمكننا أن تتفهم حجم النقلة في حياة البشر ، عندما نستطيع أن نعيش الواقع بكل إمكانات الخيال بما في ذلك من أمنيات مستحلية وأحلام يقظة وأحلام نوم وكوابيس أيضاً .

والمعارف والفنون والعلوم التي عرفها الإنسان أتقنها ستصبح شيئاً بائداً ومتخلفاً إزاء ما تنتجه التكنولوجياً ، سوف تنتج معارف وفنون وعلوم جديدة تماماً ، سيحدث هذا في المستقبل ولن يكون بعيداً جداً ، ولكننا الآن نعيش لحظة تحول ستستمر فيها الفنون التقليدية ولكن بإمكان جديدة تماماً ، مثلما عاشت الكتابة مرحلة تحول عظمى بإمكانات المطبعة ، فمنحتها قدرات مضاعفة الآلاف المرات .

محمد سناجله لا يبشر بموت الرواية الآن علي الأقل ، ولكنه يري أنه قد آن الأوان أن تستفيد من التكنولوجيا الرقمية ، وربما هذا التلقيح بين فنون أدبية تقليدية وفنون تكنولوجيا رقمية سيضمن للرواية البقاء ، ولكنها لن تكون بشكلها الحالي ، وعموماً لا شيء يموت ولكن لاشيء سيبقي علي حاله ، لان الحياة طاقة ، والطاقة تتغير وتتحول في صورها وتأثيراتها ولكنها لا تنفد .

التغير إذن هو الحقيقة الوحيدة التي يمكن للعقل البشري إدراكها .

هكذا يقول سناجلة ” لقد تغير شكل الحياة تبعاً لذلك ، وتغير الناس ، وتغيرت المفاهيم والقيم أو هي في طريقها للتغير السريع … لقد ظهر إلى الوجود مفهوم الحياة الرقمية المجتمع الرقمي والواقع التخييلي … الإنسان الافتراضي “

طبعاً ستتغير أشياء كثيرة ، وسترتبك قيم ومفاهيم ، نقول هذا لأن علينا أن نستعد ونخطو خطوة في اتجاه المستقبل ، وعلينا أن نحرر العقول والقلوب بشجاعة ، العالم يتغير وهذه فرصتنا ، وعالم الحداثة الذي لم نستطع دخوله بعد وظللنا مشدودين للماضي ، هو عالم يموت ويبدأ عالم جديد الأن فهل نسارع بحجز أماكننا أم ندخل في جدل طويل حوله كما دخلنا جدل الحداثة والمعاصرة ولم نخرج معه حتي الآن ؟

هل يسمع من في مالطة … أم سنجادل طويلاًَ ونكفر الناس لأنهم يقولون أن كل شيء يتغير ، وسبحان من لا يتغير فنحن مجرد بشر ، المفاهيم – القيم – القوانين الشرائع .. نعم … كل شيء يخص البشر سيتغير وحتي لاندخل في متاهات أقول إن سناجلة غير مشغول في كتابة سوى بتغيرات الرواية ، فيقول إن السؤال الذي يطرح نفسه :

ماذا عن الفن .. الأدب .. الرواية تحديداً ؟

وثمة سيل من الأسئلة تتبع هذا السؤال في كتاب سناجله وكلها تدور حول إمكانات الروائي والرواية وقدرتهما علي التغير ، وكيف ، وما هي شكل الصورة التي يكونان عليها ” في المستقبل ” لهذا ينتهي ” سناجلة ” بسؤال أكثر وقاحة ” كما يسميه ” : هل الروائي بأدواته الحالية المستهلكه قادر علي أن يبقي روائياً؟

ولكني اعتقد أن كتاب سناجله لم يكن وقحاً ولا حتي جريئاً ، ولكنه متبصر ، ويتحسس الخطي في اتجاه المستقبل بحذر ربما لأنه يخشي من قبائل الزرقاوية المثقفين الذي سيفتحون عليه النار حتماً ، فجاء كتابه في اتجاه التأسيس الأولي ولا أقول التنظير ، ولو أطلق سناجلة العنان لخياله النقدي كما أعتاد في خياله الروائي لكان الكتاب أكثر متعة وإدهاشاً ولكنه وقف عند الحدود القريبة ولم يذهب بعيداً ، ولم يقامر برأسه ، بل احتفظ بها قومه كتفيه كمثقف يرصيد و يري أكثر ويفهم أكثر ويتكلم أقل ، وكأنه أكتفي بمكانة السبق في موضوع سنتكلم حوله لسنوات فيما بعد،ومع ذلك فكتابه مجرد بداية تستحق الانتباه ، ستعقبها محاولات أخري ربما أكثرمباشرة وجرأة .. أو وقاحة مادام هو نفسه يفضل هذا التعبير.


تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى