د. عبد الجبار العلمي - أحاديث عن أدباء وأديبات من المغرب والمشرق - 5 - الشاعرة الأديبة المصرية جميلة العلايلي

عن الشاعرة العربية المعاصرة جميلة العلايلي التي لم يذكرنا بها مشكورا إلا غوغل ، و الحقيقة أنني لم اتعرف عليها إلا اليوم ، ومن خلال تدوينة للصديق الشاعر المجيد المجتهد عبداللطيف الوراري الذي ساق ثلاثة أبيات من شعرها الجميل. فعجبت لما يقع من إهمال وتهميش وعدم مبالاة لمثل هؤلاء المبدعات والمبدعين الحقيقيين ، فضلا عن ضعف التواصل الثقافي بين البلاد العربية وقلة نشاط توزيع الكتاب بينها بالشكل الكافي والوافي ، فجاشت بنفسي هذه الأفكار : أنا ذوقي نيوكلاسيكي أو رومانسي ، يطربني مثل هذا الشعر المفعم بالشعرية والموسيقى العذبة النافذة إلى الشغاف . أي حق لنا أن ننبذ هذا الشعر ونهمش أصحابه؟ ولا أخفيك أخي عبداللطيف ، أنني لم أعرف هذه الشاعرة الجميلة العلايلية إلا بعد أن شرفنا بالتعرف عليها هذا الغوغل العارف بكل شيء ، وحتى الدكتورة عائشة عبدالرحمن بنت الشاطئ ، لا أذكر أنها ترجمت لها في كتابها الفريد عن الشواعر العربيات المعاصرات. سنتحقق من الأمر ، وهذه الأديبة الشاعرة لعمري حقيقة بأن يلتفت إليها وإلى منجزها الشعري والنثري فالكاتبة لها روايات وكتابات نثرية ، كما نبهني مشكورا ، الصديق الباحث المبدع المهدي ناقوس . و يغلب على الظن أن الكثيرات من شاعراتنا وشعرائنا ومبدعاتنا ومبدعينا في أجناس أدبية أخرى ، يلحقهم جميعا غبن كثير . ولن أنسى ما شعرت به الكاتبة القاصة المغربية الرائدة الروائية المبدعة خناثة بنونة من جحود ونكران وعدم اهتمام من لدن الحضور بجانبها من المغاربة في أحد الملتقيات بالدار البيضاء حول النقد الأدبي ، فكانوا يشيرون بإعجاب إلى ريتا عوض التي كانت تلقي عرضها بالمنصة أو إلى يمنى العيد التي كانت ضمن الحضور ، بينما بجانبهم قيمة أدبية تشرف بلدهم بأعمالها الريادية في مجال الإبداع والكتابة وتكوين الأجيال في مضمار التربية والتعليم . أحسست وقد كنت قريبا منها أيضا ، بما حز في نفسها ، وكان الأولى أن نلتفت إليها ونشيد بريادتها في القصة القصيرة بمجموعتها " ليسقط الصمت " في أواسط الستينيات ، حيث كان طبع كتاب معجزة من المعجزات ، خاصة من لدن امرأة. إن خناثة بنونة وغيرها ، وكن قليلات آنذاك ، فاطمة الراوي صاحبة أول رواية تنحاز إلى المهمشين " غدا تتبدل الأرض " ورفيقة الطبيعة ( زينب فهمي ) التي كانت تكتب كل أسبوع تقريبا قصصها الاجتماعية بجريدة العلم ، وكانت تخفي نفسها تحت اسم مستعار لأن المجتمع كان ما يزال له موقف سلبي إزاء كتابة المرأة والتعبير عن همومها وعواطفها وهواجسها. لزينب فهمي مجموعات قصصية مطبوعة ، من عاد يتذكرها اليوم ؟ ، من التفت إلى أعمالها وتصدى لها بالدراسة والتحليل ؟
والحقيقة أنه غاب عن ذهني وأنا أكتب هذه التدوينة أن الصديق وزميل الدراسة الناقد المغربي نجيب العوفي عني بدراسة بعض أعمال الكاتبتين في كتابيه " درجة الوعي في الكتابة " وفي عمله الأكاديمي حول القصة القصيرة المغربية الموسوم ب " مقاربة الواقع في القصة القصيرة المغربية من التأسيس إلى التجنيس" وهو الذي نبهني مشكورا إلى ذلك.
ولقد حصل لرفيقة الطبيعة ما حصل لجميلة العلايلي ، ولا ننسى أيضا مبدعة إعلامية أخرى من نفس جيلهن هي السيدة ليلى أبو زيد. لقد كان الكبار يقدرون أعمال الناس حق قدرها ، فكتب الأستاذ علال الفاسي مقدمة لمجموعة " ليسقط الصمت " لخناثة بنونة ، و كتب الأستاذ عبدالله إبراهيم مقدمة لرواية " غدا تتبدل الأرض " .
وفي الحقيقية يمكن أن نؤرخ للكتابة الإبداعية التي كتبتهة المرأة المغربية في القصة القصيرة والرواية ، بهذه الأعمال وغيرها لزينب فهمي وليلى أبو زيد . وعلى الجيل الجديد أن يتعرف على إبداعات الأجيال السابقة نساء ورجالا ، وعلى الأساتذة في الجامعات أن يوجهوا اهتمام الطلبة إلى دراسة هذه الأعمال سواء على مستوى الإجازة أو غيرها : ما ستر - دكتوراة ،فلعل ذلك يعيد الاعتبار إلى أديبات رائدات ، ويزيحوا ما يحسسن به من حيف وإجحاف ونكران وجحود .
وأخيرا أود أن أوجه إليهن التحية الحارة والإعجاب بإبداعهن و شجاعتهن في مجتمع كان بعضه يعتبر صوت المرأة عورة .. وأسجل اعتذاري هنا ، رغم مرور سنين عديدة ، لأنني ترددت -ربما لخجلي - أن أتقدم إلى القاصة الروائية المغربية المبدعة خناثة بنونة حينذاك ، لأقول لها ما ينبغي أن يقال من أننا نعرفها ونعرف قدرها و قيمتها الأدبية ودورها الرائد في تطور الأدب المغربي الحديث. والسلام.


عبدالجبار العلمي

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى