هدى فهد المعجل - أروى...

اعترض دربي .. فسلكت دربا شائكاً .. متعرجاً لأصبح بمنأى عن تلصص عينيه الجاحظتين .. وبطش يديه المرتجفتين .. العاريتين إلا من قفازين تمزقا عن مخالب معقوفة للأسفل .. تكسّر بعضها. وتشبث بالحياة بعضها الآخر..!

وقدماي تواصلان الركض فِراراً منه أحسست بإجهاد فلجأت إلى شجرة وارفة الظلال قريبة مني .. خلعت معطفي وفرشته .. ثم اضطجعت عليه متخذة من ذراعي الأيمن مخدة تقي وجنتي خشونة الأرض .. ورحت في نوم عميق .. ليجدها فرصة ذاك الذي اعترض دربي ويهوي بفأسه على جمجمتي فينكسر الفأس قبل أن يلامس جمجمتي .. وينغرس في جذع الشجرة .. فأفر هاربة منه من جديد .. لأصطدم بطفلة تشبهني ممتلئة البنية ، بظفيرة طويلة انسدلت خلفها ، تطارد دجاجة ينز الدم من مؤخرتها .. فوقفت أتأمل الطفلة والدجاجة ونسيت الرجل ..!

***

_ أروى .. أروى .. أروى .. أين أنت؟
كان صوتاً أنثوياً مبحوحاً حملته إلي الريح من بعيد يذكرني بصوت أمي.
_ أروى .. أروى .. أين أنت ..؟ دعي الدجاجة وعودي لي يا بنتي ..!
أخذ الصوت الأنثوي يقترب مني أكثر فأكثر حتى أصبحت في مواجهة مع امرأة في الثلاثين من عمرها غطت شعرها بمنديل رمادي مائل للسواد.
_ هل رأيت طفلة ممتلئة البنية بظفيرة واحدة للخلف..؟
_ رأيتها تطارد دجاجة هزيلة ..! ويبدو أنها جاوزت هذا الجبل بأمتارٍ قليلة.

***

_ أروى .. أروى عودي يا بنتي.
أدارت المرأة ظهرها لي .. وأخذت تعدو جهة الجبل وصوت ندائها يبتعد عني شيئاً فشيئاً حتى تلاشى للأبد..!
انتبهت .. وإذا بي أحلم..!
فترحمت على والدتي التي غادرت الدنيا ولم أغضبها ساعة قط .. أو امتدت يدها يوماً لضربي .. أو لسانها لتأنيبي .. فقد كانت [ غفر الله لها ] عطوفة .. ودودة .. رقيقة جداً معي.
ومتبرمة من والدي الذي اقترن بصديقتها قبل أن ينفض عن كفيّه ما علق بها من تراب قبرها..!

كثيراً ما وقف أبي ضد علاقتها بصديقتها تلك دون مبررٍ يذكره لها .. مما أرغمها على قطع العلاقة فاستجابت له مكرهة..

كانت تحاول إخفاء سوء تعامله معها عني خشيت أن يتولد لدي كره له .. ولكنها تفشل أحياناً لتماديه في أذيتها..!

***

لم أكن أمتلك سلطة لأحول دون زواج والدي بصديقة والدتي .. لذا فقد وقع ولا مناص منه.
ليلة زواجه بها لفت انتباهي رجل ملتصق بهما رث الثياب .. قصير القامة .. مترهل الجسم .. تفصح ابتسامته الباردة عن أسنان شوهتها السجائر..
كان برونزي اللون يلتقي مع زوجة أبي هذه في لون بشرتها وجحوظ عينيها..!
عرفت فيما بعد أنه أخوها .. كان كثير التردد على منزلنا .. يحاول التقرب من والدي .. وعرض خدماته عليه .. وكنت قلقة من ذلك .. لإحساسي بأنه وزوجة أبي يرتبان لأمر ما .. لذا كلما غفوت على سريري رأيته معترضاً دربي فأسلك درباً أخر .. شائكاً .. متعرجاً .. لأصبح بمنأى عنه.


هدى المعجل

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى