د. عادل الأسطة - البنت النشيطة والبنت الكسولة: ذكريات ألمانية..

في المحاضرة تذكرت حكاية من حكايات الأخوين جريم، وهي حكاية “البنت النشيطة والبنت الكسولة”، فقصصتها على الطلاب و”فرطوا “من الضحك، وكلما دخل إلى القاعة طالب أو طالبة متأخراً/ متأخرة ضحكت وضحك الطلاب وطلبت من الطالب/ة أن يسأل عن حكاية “البنت النشيطة والبنت الكسولة”.

قلتُ لعلها طريقة تربوية لضبط الانتظام وحث الطلبة على عدم التأخر.

في ألمانيا في صيف 1988 اشتريت حكايات (الأخوين جريم) لأسباب ثلاثة: الأول أن أواصل تعلم اللغة، والثاني أن أحكي حكايات لروز وفائزة، والثالث أن أقرأ الحكايات الألمانية وبعضها نقل إلى العربية مثل حكاية “ليلى والذئب “أو “ذات الرداء الأحمر”.

حين زارني أحد أقاربي في ألمانيا أخطأت وأعطيته كتب الحكايات ليتعلم أيضاً اللغة وبعد فترة طلبته منه فقال: إنه ضاع. وشعرت بالخيبة لخسارة الكتاب ولسلوك القريب.

كنت يومياً أقرأ حكاية وأترجم معناها وأقصه على ابنتي: روز وفائزة.

غاب كثير من الحكايات عن ذهني ولم تغب حكاية “البنت النشيطة والبنت الكسولة” وكانت روز أكثر نشاطاً من فائزة.

ملخص الحكاية أن امرأة لها طفلتان وأن لها أماً تقيم بعيداً عنها. وكان على المرأة أن ترسل يومياً إحدى ابنتيها إلى بيت أمها لتساعدها في الشطف والجلي والعجين والغسيل.

كانت إحدى الطفلتين نشيطة تنفذ لجدتها طلباتها كلها فوراً: تعجن وتجلي وتشطف و..و.. وكانت الجدة، حين تغادرها حفيدتها، تدعو لها بالخير وتطلب من الله أن تمطر الدنيا عليها ذهباً، وكان الله يستجيب فتجمع الطفلة الذهب وتأخذه إلى أمها، وحين تسألها أمها عن مصدر الذهب تجيب الطفلة بأن الله استجاب لدعوات جدتها.

وكانت البنت الكسولة تذهب إلى جدتها وتنصرف إلى اللعب. لا تجلي ولا تغسل ولا تعجن ولا تشطف، وكلما طلبت منها جدتها أن تعمل شيئاً أجابتها الطفلة: “لا رغبة لي”. وحين آن أوان الانصراف سألت الطفلة جدتها أن تدعو لها كما دعت لأختها.

تطلعت الجدة إلى السماء وطلبت من الله أن تمطر الدنيا خراء، وما إن غادرت البنت البيت حتى استجاب الله لدعاء الجدة، ووصلت البنت بيتها غارقة بالخراء.

سألت الأم ابنتها عما جرى فقصت البنت ما فعلته في بيت جدتها.

كنت بعد أن أحكي الحكاية لروز وفائزة اسألهما: من النشيطة منكما ومن الكسولة.
طلابنا منهم النشيط ومنهم الكسول.

في العامين الماضيين أشرفت على أربعة طلاب ماجستير، وكنت أطلب منهم أن يراجعوني أسبوعياً حتى ينجزوا الرسالة. أتصل بهم بوسائل عديدة: الهاتف وفيسبوك، وأطلب ممن يحضر أن يتصل ببقية زملائه، ولم يواظب منهم إلا واحد ناقش رسالته في 31/ 1/2018، ومر عام كامل على الثلاثة الآخرين لم أر منهم إلا واحداً مرات قليلة، فاضطررت أن أكتب تقريراً فيهم أتخلى بموجبه عن مواصلة الإشراف.

قبل أن أسافر إلى ألمانيا لأدرس فيها كان علي أن أتصل ببعض الأساتذة هناك لأحصل على موافقتهم بالإشراف على أطروحة الدكتوراه. ولما كان لي هناك أصدقاء، فقد طلبت منهم أسماء مشرفيهم للتواصل معهم، ولما تأخر ؤلاء في الإجابة سألت زملائي عن السبب.

طلابنا منن الطلاب بموعد المحاضرة، وغالباً ما لا ينجز هؤلاء ما يطلب منهم من نشاط. ماذا أفعل؟

أحياناً كثيرة ابتسم وأتحدث لهم حديث مرب رحيم وأب عطوف.

في الأيام الأخيرة، تذكرت قصة (الأخوين جريم) فقصصتها عليهم وكلما دخل طالب إلى القاعة متأخراً ابتسمت وفرط الطلاب من الضحك.

أنا إنسان نشيط منذ كنت طالباً في المدرسة وغالباً ما أنجز ما يطلب مني بسرعة وحين تعلمت اللغة الألمانية في معهد (غوتة) في (فرايبورغ) لاحظت نشاط معلم اللغة (شيفر). وقد كان يأخذ منا الواجبات يومياً وكان يعيدها لنا في اليوم الثاني.

مرة خربشت في صفحتي على “فيسبوك” أننا شعب نشيط وأن الشعب الألماني شعب كسول وأنه تعلم النشاط مني وأن على الألمان أن يتعلموا من الشعب الفلسطيني.

الكتابة التي تخلو من دعابة وفكاهة تفقد أحياناً الكثير. هل تذكرون مجموعة توفيق زياد الفولكلورية “حال الدنيا” 1974؟

أنا خرجت من معطف أدباء المقاومة مضموناً وأسلوباً أيضاً ولعلني من الرعيل الأخير منهم. بم ستمطر الدنيا علي؟ لا أعرف.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى