محيي الدين محجوب - البكـــــــاء.. شعر

إلى: محي الدين بن عربي.


للبكاء..
طريق تخون العيون
للنّزيف..
يكذب الدّم على الدّم
للقلب..
جرثومة السّر القتيل
وللثرثرة..
ميراثها من الصّمت المريب.
أيّها البحر في داخلي..
أنزف رثاءك من موسيقى
نعي ورماد
فأنا الميّت دون موت
أنا ببغاء الجموح
أنتعل وسواس التّراب
غامض كلّ شيء حولي
الأسود..
قناع النّهار الرّمادي
يتسلل لجسدي الذي يُذاب
في حمّى الغياب.
للضّحك..
لغة من دبيب الحزن
للمساء..
قبل أن يفتح اللّيل عينيه
خطى حلم يحترق.
جائعةٌ..
خطوات الهموم في قلبي
جائعٌ..
طفل الرّغبات
يوقظ نباح الرّعب المنقرض
أنا شجرة الدّموع،
وهتاف الوهن على
غفلة الأيّام.
أنا الخوف،
ألعب في مسافات الومض
بمهرة الانحناء
كيف لي
أنْ أنفلت من أدغال الخراب؟
كيف لي في ذاكرة الصّيف
أنْ أستحلب نهد الشّتاء
وأمشّط مومياء الوقت؟
يا أيّها النّبي السّادر في سجّيلي
ضيّعك الظّن فيّ...
لماذا خنتني...
وأنا أتلاقح من ضوء الحكمة؟
ما الذي أوقعني في دهليز الشّبهة؟
ما الذي في المسافة بيننا..
ألقى قلبه عود ثقابٍ
في غاباتي
وأوثقني لقافلة النّار
حوّلني وثنيًّا منقرضًا
كافرًا بطقوس القبيلة؟
أيّ هذا الآثم في سهوبي
تبكيني عليك نارك المنطفئة
يبكيني سؤال العذراوات عن "باخوس"
وعن قهقهة الأطفال في قصائد الاشتهاء
يبكيني عليك...
أنْ أرى نفسي أسطورة،
ومستودع
رغباتٍ مبهمةٍ
يا أنت الذي تترجّل جثتي
مدثّرًا بأسمالي..
لي فسحة أنْ أهيكل الطّين
طفلاً يكشف أسرار الشّعراء
خطواتي موءودة بك
وجهي في منحدر النّبوة
أسطورةٌ شاحبة
عيناي تاريخ أجيال لم تأت
ماذا أسمّيك؟
والأصدقاء صحراء منكفئة
الأصدقاء دفاتر رملية..
عبث بها فارس الرّيح
فانكمشت في طوق الظّلّ!
أنا حلاّج الكينونة
أسدّ برؤوسكم نوافذ الهبوط
باصقا على السّلطة
السّلطة مستنقع تاريخ
وحوض أفول.
من..
بين دمي وأحلامي
يرسم نافورة جريحة؟
من..
في حقول الهدنة
كلّ ليلة..
يعبر أعتاب جائعات
في حنجرتي؟
من مزّق لهب الأحجية،
رتّق على مئذنة الذّاكرة
شظايا الرّماد؟
ربما يجفل الموج من نفسي
ربما في دكان قوس قزح
ينقذف الوقت في منفضة الوقت
ويسرج القلق هامته..
لم تكن للحلاّجين متافيزيقا الانصلاب
لم تكن للبدائيين جغرافيا الصّيد،
ولا صوّان الانغلاق
لم تكن لبومة الدّهر..
إلاّ تمائم من حجر.
يا في رئتيه الضّيق
لما ينكرني كلامك؟!!
ديسمبر 1988م

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى