أدب السجون بولص آدم - الطعنة الغامضة..

قتال بالسكاكين شهده الممر الفاصل بين نوعين من المساجين في ابي غريب، عوقبنا جميعا بالحبس الجماعي في ساحة كرة القدم، تضورنا جوعا تحت مطر كانون الثاني .. قتال بين نوعين من المحكومين بالأحكام الثقيلة والخفيفة .. الكُل يتحدث عن رجلين تبادلا الطعن في وقت واحد و بطعنة واحدة فقط، احدهما مُخطر في مستشفى السجن والثاني أختفى طيلة الساعات التي تلت فجر الطعنة الغامضة..
في السادسة صباحا فكرت.. من غير المعقول تركنا تحت المطر رغم مرور ساعة ونصف الساعة على حادثة الطعن وماتبعها من عقاب جماعي طالنا جميعا، لأن المطعون الآخر اختفى ولم يعد مكشوفا للسجانين ..

شاهد عيان :

عندما بدانا بمسح الممر أمام الحانوت وبسرعة البرق سال دمهما، الأول إنكمش ضاغطا بطنه بكفيه وسقط ارضا، الثاني المتلفلف بالبطانية تشير آثار الدم في خطواته الى الباب المؤدي الى ساحة كرة القدم، إنه ألآن واحد منا، واحد من هذه المئات المحتجزة في الساحة بسببه والسجان ( سبهان ) اقسم باننا سنبقى هنا حتى تسليم (الجبان) لنفسه، تنبا بسقوطه ارضا في اية لحظة قادمة، لأنه مجروح بشدة، مثلما قدر السجان وهو واحد من الملاعين في تلخيص الحوادث ثقيلة الوطاة وخاصة الدموية منها وحنقه كان لأن الطرف الثاني أفلت باعجوبة، لكن:
ــ وين يروح (النغل) ، قابل راح يطير من هالساحة ؟!
كنا على مبعدة امتار من بوابة الساحة التي هي عبارة عن جزء فقط من واجهة الحاجز السلكي المشبك الذي يفصلنا عن الردهة رقم ٧ حيث هناك في الجهة المقابلة، سقف نتمنى أن نكون تحته الآن، على الأقل سقف يحمينا من مطر غزير ..
كان السجان سبهان يدخن السيكارة تلو الأخرى، ينظر بغضب نحونا ويضرب بالأنبوب المطاطي الفاحم في الهواء ضاربا المطر المنهمر ربما !
الساعة تجاوزت العاشرة صباحا، كان المطر قد توقف ولكن الغيوم لم تختف ..
هربت من كل اللغط الدائر وحالة التململ والشكوى الغالبة على قسمات كل الوجوه وبدات الدوران حول الساحة وانا افكر بعيدا جدا، ليس خارج قصة الحادثة فقط بل كنت سجين الساحة جسدا وحرا فيما يخص تخيل الحياة لحظتها خارج السجن لربما لأكثر من نصف ساعة, فقدت احساسي بجغرافية السجن وكنت اتقاطع واوازي مساجين يدورون مثلي بلاهوادة مبتلين تماما حول ساحة كرة القدم ..رسمت افاقا مستقبلية حول لقطات ولفتها لنفسي وعشتها تماما .. لقطة طويلة تلاحق امي في المطبخ وهي منهمكة في سلق الخضار .. اختي في الطريق من مكان عملها في محطة القطار الى البيت .. اخوتي من الجنود حيث هم في اي مكان ... و ..
قطع تلك المحاولات الحميمة للألتصاق بالحرية، تلازم شاهد العيان ومجانبته لي في سيري متماهيا مع ايقاع خطواتي .
ــ ماذا تتوقع ؟!
فاجاني سؤاله الذي اعادني تماما الى جو الوحل الذي تغطس فيه أنعلنا ذات الأصبع، حيث كان بالأمكان سماع صفع بالكعوب اشبه بالتصفيق لمسؤول كبير ..
ــ اعني مالذي يمكن ان يحصل للفاعل لوسلم نفسه للسجانة ؟
ــ ...... لا .. ا .. د .. ري ! ..
ــ انا هو !!
ــ انت هو ؟!
ــ نعم انا هو من طعن ( زياد الخائن ) !!

لاحظت ارتعاشته لكنني اعتقدت بان البرد والملابس المبتلة، الجوع والأرهاق لربما يؤديان الى حالة خرف عادية هنا، تُسبب له حالة هذيان .. لم يكن ينظر الي بل يكلم لطخات الوحل المتطايرة حولنا، لأكن اكثر دقة ، يسعل اكثر منه يتكلم !
ــ انا هو من طعن ( زيادالخائن )
.. لم اصدق، مستحيل .. فهما اخوين ولدا من رحم واحد ! اليس (ابو ميسر ) شاهد العيان الذي سمعنا شهادته على الطعنة المشؤومة قبل نصف ساعة فقط.. كان من توسط جمهرتنا حوله حيث اختلط بخار الأفواه مع دخان سجائرنا وجمله الواثقة من تأكيد التوثيق الصارم .. هل أنهُ هو؟
تخيلته مقدما نفسه ككبش فداء لأنقاذنا من معاناتنا هنا محبوسين في ساحة كرة القدم في فقط
.. اشار الي للأبتعاد عن الحشد المحلق مشيا دورانيا حول الساحة.. يمشي متقدما امامي وعند وقوفه لاصقا ظهره بجدار السجن العالي، فتح معطفه، كانت البلوزة تحمل بقعة دم كبيرة.
رفعت راسي الى اعلى، كان ابوميسر أسفل برج المراقبة تماما والحارس واقف في صندوق البرج مسلحا، ينظر إليه وسماعة الهاتف بيده .

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى