جوان عطو - الفلسفة الخطئية

الخطئية (Errorism)
هي مدرسة فلسفية و حركة فنية تهدف إلى إبراز دور الأخطاء كعوامل أساسية في نشأة و إرتقاء الوجود بكافة تجلياته، و بحسب مُؤسسها (Jwan Atto) فهي منظور جديد يسمح للعقل بالإحاطة بكُل المعارف الإنسانية و إعادة صياغتها بما يسمح للتناقض أن يكون عاملاً للفهم و التفهم و ليس العكس، و الإستفادة من العماه (Chaos) للوصول إلى الحلول القابعة خلف نِطاق الإحتمالات الممكنة، و التي تتميز بالبساطة و ذات بُعد عمومي (Universality)، حيث تحاكي فيها الحلول مبدأ الفعل الأدنى (Least action principle).

فالفلسفة الخطئية جاءت كنتيجة للجدلية الحاصلة بين الفوضى و النظام، اللذين يسعيان معاً لتحديد نسبي لماهية العالم الذي نعيش فيه، المبني على أساس الثُنائيات و لتكون الخطئية هي النافذة بين النور و الظلام، فالخطئية جمعت المتناقِضات في حالة من التراكب (Superposition) لتتكامل في سبيل خلق معرفة متعالية هي الأخطاء (Errors) و التي غالباً ما يتم تجاهلها بالأخص النوع البسيط منها، لأسباب عديدة تتمثل في الجهل بقيمتها أو أعتبارها هامشاً للإرتياب في بعض العلوم و ذلك بنسبها إلى الأخطاء البشرية أو إلى عدم دقة أدوات القياس و غير ذلك، حيث تُشكلُ الأخطاء معرفة خام تتموضع ما بعد الخبرة البشرية، فهي بجوهرها مناقضة للمنطق السائد و الحس العام، فعلى سبيل المثال الأخطاء العميقة أو الأخطاء من الدرجة الأولى (Deep errors) هي نِتاج غير شرعي (مابعد منطقي) للعوامل و المحفزات المتزامنة مع ظهورها، حيث تأتي دائماً بمخرجات جديدة و مفردات أصيلة ليست بتراكيب هجينة، بل هي معرفة تؤسِس لواقع و قوانين جديدة، هذه القوانين التي بدورها تتغير و تتوائم مع كل خطأ جديد و تنزاح قيمها متأثرة بإنتشار الأمواج الخطئية لتظهر على شكل أخطاء ناعمة (Delicate errors) و قد يتم مُلاحظتها على المستوى المحسوس مثل تأثير مانديلا (Mandela effect) الذي مازال قيد التكهنات لوضع تفسيرات مناسبة لهذه الظاهرة، فالأخطاء تؤدي إلى تحديث القوانين لتنتج قوانين أصلح لتوازن المنظومة، ففي غالب الأحيان تأتي الأخطاء و تضمحل على مراحل من دون أثر مادي، سوى حفظها في الذاكرة الكونية أو العقل الأسمى مع الأخطاء القديمة كأحتمالات كامنة (Potential error) ضمن نسيج موازي و متشابك مع المجال الكمي، يُدعى هذا النسيج الجوهر المرهف (Quintessence) حيث تَنسب له الخطئية الدور الأساسي في إستقرار الكون و ما يتميز به من ذكاء واضح في خصائصه و قوانينه الطبيعية من ضمنها الوعي البشري و ذلك لأسباب عديدة، منها قدرة الأخطاء على التصحيح الذاتي و قابلية تراكيبها على التأقلم مع المتغيرات و سندعوا ذلك إصطلاحاً بحِكمة الأخطاء (Errors wisdom)، يكون مبدأ عملها على أُسس رياضية بعضها بسيطة تتناسب فيه دالتها بشكل كبير مع متوسط قيم الأخطاء الكامنة و التي تكون تغذية راجعة للعالم المادي و هذا الذكاء له وجه شبه نسبي بذكاء السرب (Swarm intelligence) و كُل ماسبق يتحرك ضمن دائرة مغلقة قابلة للخطأ (Errorable closed-loop) و من المرجح بأن المادة المظلمة و الطاقة المظلمة هي شكلٌ من أشكال الذاكرة الكونية التي تم ذكرها آنفاً، فالعالم المحسوس هو مظهر مادي للأخطاء التي أجتازت الإنتقاء الخطئي بشكل عفوي في بادئ الأمر و بشكل أكثر تعقيداً بعد بدأ تشكُل نوع من أنواع الوعي ضمن التراكيب الخطئية... نعم! فمن الممكن للإنتروبيا أن تقل في نِظام مغلق أو معزول "فالنِظام هو خطأ الفوضى" و العكس صحيح و كأنما الكون رمية نرد متكررة تفاعلية تُشبّهها الخطئية بنرد كُروي ذو عدد لا نهائي من الوجوه (الإحتمالات)، لينتقل الكون من النِظام الفائق إلى الفوضى بزيادة الإنتروبيا و العودة مجدداً إلى الإنتظام الفائق حينما يتجانس توزع المادة و الطاقة في حيز الفضاء، أي أن الإنتروبيا تتزايد في بداية عمر كُل كون ثم تتناقص في نهايته، كما أنه في مرحلة تزايد الفوضى ينتج لدينا جيوب من النِظام و الذي بدوره يُساهم في خلق المزيد من الفوضى، فنهاية كُل كون هي نواة لبداية كون جديد أكثر تعقيداً بكُل ما فيه (الترددات، المفاهيم، المشاعر، القوانين، الأبعاد، الذكاء) و الأكوان الأولى التي نحن فرع منها أو نحن هي ذاتها لم تكن تختلف كثيراً عن لعبة الحياة (Game of life) و إنطلاقاً من إفتراضاتنا و إقرارنا باللايقينية، يتضح بأنه لا وجود لمنظومة محمية من الأخطاء تماماً (ما تدعيه الخطئية) فإنه بات من الحكمة إعادة النظر في بعض المفاهيم و المسلمات الأساسية كالحتمية و بالأخص بالمفهوم المتعارف عليه في وقتنا الراهن، فمن منظور "خطئي" فالحتمية صحيحة و خاطئة بنفس الوقت ككُل شيء آخر كما في هذه الشذرة الخطئية "حتميٌ أن لا يكون الكونُ حتمياً" و بإجتماع ذلك مع مبرهنات عدم الإكتمال لجوديل (Kurt Gödel) و الأخذ بمبدأ الإقتصاد في التفكير أو موس أوكام (Occam s razor) نستنتج بأن الأخطاء العميقة هي حقائق لا براهين لها حيث لا سبيل لفهم ماهيتها على الأقل في الوقت الراهن و ليس بجميع درجاتها و في غالب الظن فإنهُ من المستبعد فهمنا للخطأ الأول لأنه يُحتم علينا العودة إلى حال عدم التعيين التي إنبثق منها الوجود مرفقاً بنقيضه العدم (فهما صنوان) فوجود الأول يوجب وجود الثاني و بالعكس، حيث إن الكون صفري أي محصلة كُل أجزائه صفر مُطلق، فوجودنا مرافق لعدمه و متذبذب ضمن نسيجين و أي خلل بين العوالم قد يُعيدنا إلى العماه (اللاعقل) و لفهم الخطأ الأول نحن أمام مُعضلة شبيهة بعدم مقدرتنا على فهم ماهية الموت ما لم نمت بالفعل! و منهُ تكون الحقيقة قد اختبأت خلف نفسها فيكون بذلك وجود الخطأ بذاته هو ماهية الكون و حجر الأساس "لوغوس" لهذا الوجود فنفهم كُل شيء بدلالته و لا نفهمه ليبقى عصياً على الإستيعاب حيث ينهار المنطق الإنساني داخل حدوده، و بالأخص إن كُل حقيقة كائنةٌ في سياق و ذاتية و متغيرة بإستمرار على عكس ما يتم تداوله حتى في أعلى المستويات الأكاديمية و الدوائر العلمية و هذا ليس بالأمر الغريب على الإنسان الذي يميل بطبعه إلى وضع قيم ثابتة لكُل القوانين الطبيعية، حيثُ تعزو الخطئية هذا الطبع إلى ما تسميه "بالتجاهل المركب" حيث الإنسان يتجاهل بعض الأشياء و لا يعلم بتجاهلهِ لها و من مظاهر ذلك الذاكرة الإنتقائية و غيرها، فمن أبسط الأمثلة على ذلك سرعة الضوء التي هي متغيرة و متذبذبة ضمن الفضاء و هذا عكس ما نقوم بتعليمه حيث نعتبر سرعة الضوء ثابت كوني مع العديد من الثوابت الآخرى، و تقبل هذه الحقيقة أمر مرعب بحد ذاته حيث نَخلص منها إلى أن المنطق مُهمٌ لأنه مفيد و يعمل و ليس لأنه بالضرورة صحيح أو بأنهُ سيبقى يعمل إلى المالانهاية كما أعتدنا عليه، فأدنى تغيُر في أصغر جزء يؤثر على كامل الكون بنسبة ما، فالكون متشابك ضمن كيان واحد لا يمكن تجزيئه أو فصله و من المثير للإهتمام بأن هذا التعريف يوافق تعريف الذرة (أتوموس) أي الغير قابل لتجزيء عند الأغريق و هذا مدعاة للتفكُر و التأمل و من جانب آخر فالأخطاء كمفهوم هو أمر عظيم حيث إنها تُحرج كُل فكر دوغمائي ضيق لا يرى العالم سوى بمنظور أُحادي يختزل الحقيقة في (إما أو) في حين انهُ يجب أن يكون (كِلاهما و...) بالأخص أن فلسفة العلم و المنطق السائد معرفة مُحايثة في جوهرها و تميل إلى المعيارية و البراغماتية و يظهر ذلك جلياً في التَحيُزات الذاتية و الفئوية ...الخ، فمن الصعب عزل المراقِب عن الشيء المُراقب فأي معرفة نكتسبها هي معرفتُنا و نحن من خلقناها و لا يعدو ذلك سوى أنها معرفة خاصة بنا، فالفلسفة الخطئية ترى الحقيقة في مجموع كُل العناصر أو الآراء دفعة واحدة من دون إقصاء نهائياً لأي جزء منها مهما كان هامشياً مع ذلك تُبقي الخطئية على إحتمالية وقوع الأخطاء العفوية بدرجاتها، و هذا من مُنطلق أن جوهر كُل العناصر أمر واحد فالحقيقة مجزئة لا تتجزء و هنا نُشبه الحقيقة بنظرية النقطة الثابتة لبروير (Brouwer) في الرياضيات التي تقول إنه مهما قمنا بتغيير شكل ذو بُعد أو عدة أبعاد (بشرط عدم التمزيق أو التجزيء) على سطح نعتبره مَسقطاً لها سوف تبقى نُقطة واحدة على الأقل فوق موضعها الإبتدائي تماماً، نستنتج من ما سبق أن كُل إنسان يُساهم بعلم أو بغير علم في تشكيل العالم الذي نعيشه بنسبة تتأثر بجودة الأفكار (الأخطاء) و كمية الطاقة التي تُساهم في تجليها و ذلك بحسب البيئة و إن كانت الفكرة مرفقة مع محفزات للبيئة أو لا، فالدماغ البشري يحني نسيج الكون بتناسق تلافيفه و يحفُر فيهِ لفتح نافذة بين المادي و اللامادي و يستمد الوعي من العدم (الذاكرة الكونية) بمقدار يتناسب و يتفاعل مع شيفرة الإنسان الوراثية التي تحوي بدورها الكثير من ذاكرة الأجداد و يعتمد أيضاً على مدى تماثل الإنسان مع المعلومات التي أكتسبها في حياته و مدى التناغم بين أفكاره التي لها الدور الأساس في التوازن النفسي و العقلي و الجسدي و البكتيري، فالدماغ من موقعه الحرج يكون متموضعاً في بؤرة اللا متعيين حيث أقصى إحتمال لأنبثاق الأستلهامات (الأخطاء) من اللا متعين و الذي لهُ أثر على عمليات الدماغ مثلاً حينما يقوم الدماغ بتكوين مئات الملايين من المشابك العصبية الجديدة بين الخلايا الدماغية بشكل يومي و تدمير غيرها بنفس المقدار فلكم أن تتخيلوا مدى العشوائية الحاصلة ضمن الدماغ، و منه كان الدماغ هو مصدر الإلهام "لعلم الأخطاء" لوضع مخططات نظرية للحواسيب الخطئية و الحواسيب البكتيرية و الحواسيب الرنينية و هذا من ما تتنبأ بهِ الخطئية و تعتبرها الجيل المابعد كمومي من الحواسيب و إن صح التشبيه و المقارنة فالحواسيب التقليدية هي دودة الأرض بالنسبة إلى الحواسيب الكمومية التي هي أفعى سريعة أما الجيل المابعد كمومي فستكون أفعى طائرة تأخذنا بأمكاناتها لأبعاد جديدة لم نكن حتى لنحلم بها.

بالعودة إلى خصائص الأخطاء، فالأخطاء نادراً ما تكون ذات أثر مفيد بشكل مباشر على الوسط الذي تظهر فيه لتحقق لنفسها البقاء و الإنتشار من خلال المنظومة، فكأنها كائنات حية، تنتهي كما بدآت حينما لا تدعم المنظومة التي تشكلُ سبيلاً لبقائها، فمثلاً الطَفرات (أخطاء في RNA أو DNA) المسببة للسرطانات التي تؤدي بالكائن إلى الموت بشكل أسرع و بالتالي تقليل فرص الكائن بنقل جيناته إلى الجيل الذي يليه و العكس صحيح، و بإمكاننا إسقاط هذه الحالة علينا كبشر و علاقتنا مع الكوكب الذي نعيش عليه لعلنا نتعظ و نتدارك الموت مع كوكبنا قبل فوات الأوان فهذا ما تُخبرنا بها الطبيعة فهندسة الكون و الطبيعة مبنية على أساس تكراري فهي تتكون من أشكال هندسية بسيطة تتوالد لخلق تشكيلات أعقد يُحاكي فيها الجزء الصغير الكُل الكبير(Self-similarity) و يُدعى الفرع الذي يدرس هذه الأشكال بالهندسة كسيرية (Fractal) قسم فالرياضيات.

و العلم الذي يدرس كُل ما تم ذكره يُدعى علم الأخطاء (Errorology) و بالعودة للحركة الخطئية (Errorist movement) في الفن لا بد من الإشارة بأنها امتداد لفلسفة متكاملة تسعى لما تدعوه بالتبسيط الخلاق حيثُ البساطة هي الألوهية (Simplicity is Divinity) فالمتناهي مرآة اللامتناهي، فالتبسيط هي وسيلة لزيادة التعقيد و زيادة إحتمالات التأويل و التبسيط ليس بغرض التهرب من التعقيد أو دعوة إلى ثقافة التسطيح و أبداً ليس لتقليل من شأن المادة المدروسة، فالمعروف أنه "من أشكل المشكلات هي توضيح الواضحات" و ليس من السهل أبداً أن تكون سهلاً، فالمنظومات المعقدة ليست سوى مجموعة من الوحدات الأبسط لكن الأصعب على الفهم، فالكيف أساسه الكم و الكيف ليس شيء بذاته بقدر ما هو القيمة المضافة بسبب التناسق و الأتساق و التناغم بين أجزاء الكم، و ذلك ما نجده بوضوح في المدرسة الجشطالتية (Gestalt) حيثُ "الكُل أكبر من مجموع أجزائه"، فالتنوع و خلق التناقضات هو هدف بحد ذاته لإغناء و إثراء المنظومة بكل ما هو جديد و خلاق، بما يضمن فهم أعمق للظواهر و تجربة أكثر تشبعاً و غنىً، فعدم توقف هذه الصيرورة يعتمد على قُدرة المنظومة الكونية بالحفاظ على توليد الأخطاء بجميع أصنافها و التماهي معها لخلق التوازن بما يضمن بقاء الوعي و تزيد المنظومة فُرص حصول الأخطاء من خلال تجاوز ذكائها المكتسب من الخبرة عن طريق خلق الأحداث و الكيانات الغير قابلة للتنبؤ بشكل كُلي.

فالخطئية وجدت نقطة التوازن في مركز التناقض لتُدخل التجربة الإنسانية إلى مرحلة جديدة من تطوير الأدوات و الوسائل المعرفية و الإنتقال من مرحلة البحث عن الحلول إلى خلقها حرفياً و تقييم أدائها ضمن حواسيب للمُحاكاة مُعززة بمنظومات لتوليد الأخطاء الحقيقية (Errors generator)، لضمان السرعة و الكفاءة الذاتية لتحديد السلبيات و الأخطار المحتملة لأي قضية مدروسة، بذلك ستُحقق البشرية قفزة نوعية في مضمار الحوسبة التطورية (Evolutionary computation) ليكون بها الإنسان قد تجاوز مرحلة التجربة و الخطأ و تجنب دفع ضريبة المعرفة الغير متكاملة و تبعات الأيديولوجيات المختلفة، لتكون الفلسفة الخطئية دعوة مفتوحة لنقل الفوضى إلى أنظمة إفتراضية محكمة الإغلاق و معزولة عن الواقع الحقيقي المتناغم بكل عناصره، حيث يتم الإستفادة من المُخرَجات التي تنتجها الحواسيب على شكل أجوبة خطئية (Errorism answers) و التي تتميز بمُخرجات و حلول ثورية و فعالة (شبيهة بالسحر) و غير مفهومة تماماً لإعتمادها على معادلات لا خطية و أستنتاجات مابعد منطقية، بالإضافة إلى الإمكانات الكبيرة التي بالإمكان إستثمارها في زيادة الإنتظام و التناغم في العالم الحقيقي (هذا على فرض إننا لا نعيش في محاكا أصلاً) و إنهاء حالة الإغتراب والضياع التي يعيشها الجنس البشري في الوقت الراهن و العمل على ضمان الحُرية المطلقة (ما لم تتعارض مع حُرية الآخر) لجميع الأشخاص بكُل أصنافهم حتى ذوي النزعة الإجرامية أو الحالات المتطرفة من السايكوباثيين، فبالإمكان المحافظة على حُريتهم بتوفير واقع إفتراضي معزز خاص بهم بل كون كامل على مقاسهم يقومون فيه بكل ما يرغبون به بمعزل عن المجتمع، و الإستفادة من بياناتهم إن وافقوا لإستخدامها في تطوير الذكاء الإصطناعي و نظم المحاكاة، و تجارة الألعاب الإلكترونية ليست سوى خطوة بهذا الإتجاه، كما ينبغي على الجانب الآخر العمل على الإرتقاء بالكائن البشري و ضمان حُريته التامة بعد حصوله على الرعاية والتعليم الكافيين و المتناسبة تماماً مع كُل شخص بذاته و إحترام فرادة كُل إنسان على حِدى، معتمدين في ذلك على الإجابات الخطئية و يصعب التكهن بالمستقبل بوجود هكذا تكنولوجيا فقد يكون مارداً قد أخرجناهُ من صندوق باندورا ليأخذنا إلى المجهول أو يكون خيط أريان الذي سيقودنا إلى فجر يوم جديد في تاريخ حضارتنا، و الإجابه على هذا السؤال يعتمد على مدى حكمة الأشخاص الأوائل الذين سيضعون يدهم على هذه التكنولوجيا... فالمعرفة شيء و الحكمة شيء آخر و من النادر تواجدهما في نفس الشخص في عصرنا الراهن فالعلم مُتشظي إلى إختصاصات و هذا يُقلص فرص ظهور حُكماء موسوعيين يأخذون بيد البشرية إلى بر الآمان.

بذلك تكون الفلسفة الخطئية رؤية جديدة نتجاوز بها مرحلة (بعد ما بعد الحداثة)، لترتسم بذلك ملامح عصر جديد، يكون فيها تحقيق التناغم هو الهدف و الوسيلة و ليس التحكم بالفوضى و التفنن في إدارة الصراعات و إعتبارها حقيقة أزلية! فذلك ليس سوى استنتاج إستقرائي بائس فالتاريخ قد يكون مُتكرراً نسبياً في الأحداث الصغيرة حينما لا نستوعب الدرس لكن في الأحداث الكبيرة فهي من تُغير التاريخ و الأفكار التي تسترشد بالحتمية التاريخية أو القدر هي ليست سوى موتٌ يُقدّم على شكل حياة "فقدرُ القدرِ الأخطاءُ"، فقد بات بالإمكان للمجتمعات المُتأخرة أن تَخطوا خطوات كبيرة و تُحقق الرفاه و الوعي في وقت قصير كما لم يكُن ذلك ممكناً في أي وقت مضى على حد علمنا، حيث كانت المجتمعات تتقدم بمقدار اللأثمان الباهظة و الاتاوات التي تدفعها عن كُل تقدم نحو الأمام و مع كُل ما قد تم ذكره، وجب عدم التغافل عن دور الشركراطية المحوري و الباوقراطية بما تمثله من عقبة مرحلية في طريق تجسيد ما هو بمقدور الإنسان القيام به بمعارفه الراهنة و مقدراته الكامنة، فهذا الحجب المبالغ فيه سببه عقلية الشُح و النُدرة و الذي يتمظهر في التجهيل الممنهج للعامة و تسخير العلم لذلك مثل علم التجهيل (Agnotology) و نشر ثقافة الرثاثة في كُل نواحي الحياة و بناء حكومات مسلوبة الإرادة و الإعلاء من شأن متوسطي الكفاءة فيها (mediocrity) على حساب الأكفاء، لكن لابد أن تتغير هيمنة و عقلية الزواحف لدى الإنسان في مرحلة من المراحل ليأخذ مكانها عقلية الوفرة (Abundance mentality)، ليكون الإنسان قد استفاد هذه المرة من القفزة التطورية و الأخلاقية لينعتق من العبودية لأفكاره السابقة و يكون هدفه في الحياة هو الحياة بذاتها بكافة أبعادها و الإرتقاء بهذه الإمكانية لتكون الجنة التي ذُكرت في جميع الكُتب السماوية من صُنع الإنسان و من مجهوده و لجميع أفراده فحينما يتجاوز الإنسان شهواته و يعمل على بناء أفضل نُسخة لوجوده، يكون كُل شيءٍ ممكناً بطريقة أو بأخرى من دون قيود ليُصبح الإنسان بوعيه و إمكاناته مُخييراً أكثر فمسؤلاً أكثر عن مصيره في هذا الوجود الشاسع بكُل عوالمه و إحتِرام هذا الوجود يبدء من إحترام الإنسان لجميع أفراده بالمقام الأول و للقييم التي تضمن عدم الإخلال بالتوازن ضمن هذا الكون و عدم إهمال الإنسان لبُعدهِ الروحي المتميّز الذي يربطه بكامل عناصر هذا الوجود و ألغازه، فالجنس البشري على مفترق طُرق و عليه تقع المسؤلية فإن لم يُدمرهُ هذا المخاض العسير فذلك سيجود لنا بطفل جميل و حينها قد يواجه الإنسان السؤال الصعب و هو هل نقوم بإحياء بعض أو كُل من ماتوا من البشر...فهذا مُحتمل و ربما يكون القانون حينها أنما الإحياءُ بالأعمال... أو أن يختار الجميع الهروب من متاهة الحياة و العيش في متاهاتهم الخاصة ضمن عوالم أفتراضية تُحقق رغباتهم، لكن من شبه المؤكد بأن الوعي الجمعي سيرتفع بشكل كبير و ستتركز أهتمامات البشر في قمة هرم ماسلو و قد يتفرع من الإنسان أجناس عديدة بهدف الحصول على تحسينات حيوية تُعطيهم الأفضلية للأنتقال و العيش على كواكب جديدة و نشر الحياة في باقي الكون، و وجب القول بأن كُل هذه السيناريوهات هي على سبيل المثال لا الحصر لتبيان غرابة ما نحنُ مُقبلين عليه و ما قد بتنا على أعتابه و لا بد من التنويه بأن كُل ذلك مجرد إفتراضات و مُقاربات مبنيه على أساس الأبحاث و الإطلاع على الإمكانات و العلوم المتوفرة و هي ليست بالضرورة صحيحة أو قطعية و نحن متفقين بأن الإنسان علمه محدود و المعرفة وهم لإنها متاهة متغيرة ضمن ذاتها شبيهة بأثر الفراشة فالشواش يُرافقه حالات انبثاقية تأتي من اللا متعين المجهول تماماً لكن بالرغم من ذلك فهذا لا يمنعنا من الإستفادة من المعرفة (المتاهة) و البحث عن إيقاعها و دراسة نبضها لتطويعه في خدمة الإنتظام و الوعي و ذلك بالرغم من عدم درايتنا بماهية علته الأولى، و هذا ما نلاحظه في العلم الحديث الذي يكتفي بوصف الظواهر و أعتبارها الجزء الأكبر من الحقيقة حينما تكون عصية على الفهم و التفسير و ذلك بقصد أو بغير قصد فالعلم يتحاشة الميتافيزيقا و يُدوّر الزوايا ليُبعد عن نفسه أي شُبهة رغم أنه ميتافيزيقي في جوهره، فمثلاً المغناطيس الذي يكاد لا يخلو جهاز كهربائي منه في وقتنا الحاضر و على أهميته فالعلم لا يعلم مبدء عمله لكن هذا لم يمنع الإنسان من دراسة خواصه و تطويع هذه الإمكانية في خدمة الإنسان ولو بشكل غير مباشر في بادئ الأمر.

كان لابد أن نعرج على الفلسفة الخطئية و عِلم الأخطاء ولو بعُجالة لتكون مدخلاً و مقدمة بسيطة تفتح أعيننا لأهمية الأخطاء و تشجيع القارئ بالمضي في إدراك الجمال و الغموض و استشفاف عميق المعاني من الأخطاء و التشوهات و الإنحرافات في الفنون البصرية و غيرها، و الثني عن الميول إلى الإنتظام المفرط و الدقة العالية و فتح الباب للإحتمالات اللامتناهية و تفهم الغير مُعتاد و الغير مألوف بِحس من المغامرة، فما يميز الحركة الخطئية هو إتقان اللاإتقان و اظهار التشوهات و الإنحرافات العفوية و الغير متوقعة، بشكل بعيد كل البعد عن التصنع أو التكلف، و تنظيمها في بُنىً بسيطة تخلق لغة بصرية متدفقة تتسم بالهدوء و الإنسجام و العذوبة و ضمان الإنسياب السلس بحركة العين ضمن فضاء اللوحة، لتتسع الرؤية و تشمل كامل العمل الفني لإختبار جمالية المشهد في كُلّيتها التي مازال الإنسان غريباً عنها في أفكاره و أفعاله المُجزأة، و يعود ذلك لوهم الإنفصال و التركيز على صغائر الأمور، "فكلما اتسعت الرؤية ضاقت العبارة" و بالتالي الإستمتاع بلغة الطبيعة في الخلق و الإبداع من دون تدخل للعقل و ذاك أشبه بالتآمل بهدف التآمل، كما تشير الحركة الخطئية بأنها لا ترسم أو تقوم بتشكيل ما يحبه الناس بل ما سوف يحبونه! ... و هذه محاولة جادة لخلق الواقع!

فمن الواضح أن المدرسة الخطئية رؤية جديد تضع على عاتقها مسؤولية حل أو إيجاد مقاربات للأسئلة الكبرى و التي أرّقت أعظم العقول على مر العصور و الإقتراب بخطوة جادة نحو صياغة نظرية كُل شيء و التي لا يفصلنا عنها سوى التناقض الظاهري بعينه بين القوانين الفيزيائية التي تحكم العالم الصُغري (مادون ذري) و القوانين الفيزيائية التي تتحكم بالأجرام و العالم الكبير الماكروي، لكن من دون تعنيف للحقيقة أو إختصابها على سرير بروكرست لتُناسب أهواءنا بل لتكون الحقيقة ممثلتاً كما هي بمعادلة بسيطة و جميلة بكُل خِصالها و أخطائها... فالأخطاء لا تُخطئ.

و لربما يكون تحقيق حُلم الإنسان بتوحيد جميع القوانين يتمثل في البدء على شكل أعمال فنية جميلة أساسها التناسق بعيداً عن تيه المعادلات، ليكون الجمال و التناغم هو الهدف و الوسيلة لفهم العالم الذي نعيش فيه و لا يَسعُنا في النهاية ألا القول "الدنيا من نظر بها بصّرته و من نظر إليها أعمته".



تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى