نزار حسين راشد - الكتابة المسرحية: حين يتنكر الدور بزي الحقيقة

"الكتابة المسرحية: الوجه الآخر لمعضلة الحياة ، حين يتنكر الدور بزي الحقيقة"
بدت كغجرية جميلة، بثيابها الزاهية الألوان، ومنديل الرأس المحلى بالرقائق الذهبية، تغلي بالحيوية، وتتجرأ في الكلام، وكأنها طالعة من قصر أندلسي، أو قادمة للتو من سوق بغدادي، حاملة عبق عطوره و بخوره.
شيء من التواضع وكثير من الثقة، وكأنها زهرة نرجس على ضفة نهر، تتأمل بحذر صورتها على صفحة المياه الساكنة!
امرأة من عصر آخر، وبعكسي أنا لم تؤد ضريبة العمر، فهي تختال على حدود الأربعين، حيث وقفتُ هناك يوما، على تلك الذروة قابضاً على زمام الشباب، دون خشية أن يتفلّت من يدي.
ولا أدري لم تملّكني إحساس، أنها تخبيء في أعماقها خجلاً ما، شبح طفلة خجولة ، لم تسأم من محاولات اكتشاف العالم، بعينين قلقتين، منذ غادرت عتبة البيت، أو ركضت عبر بوابة المدرسة.
ترى أي انطباع تركتُهُ لديها، ربما تأمّلتني كتحفة قديمة، احتفظت برونقها، رغم عدو الزمن، ولم تزل تشع ببريقها الغامض، كصخرة صقلها شلال السنين، بعد أن صمدت طويلاً تحت دفق أحداثه الهادرة.
هل أكون هكذا في عيون النساء، كتاب تاريخ، لم يكتب بعد سطره الأخير.
إنه فضول الكاتب، هو الذي يلقي إلي بالأسئلة، وليس تطلعي لاصطياد الإعجاب، فكأنما أنا بطل في رواية، مندمج في أحداثها، دون أن يكون له خيار في صنعها.
فهذه هي حياتنا، دور نكلف به، أما باقي الحبكة فيصنعها القدر الذي يرسم لنا مصائرنا.
ونحن ككتّاب نستعير هذا الدور حين نكتب حكاياتنا فقط، أما في خضم الحياة فنحن لاعبون فقط.
وحيث أننا في غمرة عرض مسرحي، فلا بأس أن نستعير مقولة شكسبير: الحياة مسرح كبير يؤدي كل إنسان دوره على خشبته، ثم ينحني ويرحل.
ولكن هل تصدق البطلة الشابة ذلك؟
على الأغلب لا، فالغرور يحفزنا إلى المشاركة والعناد، ويوهمنا أننا نصنع مصائرنا، وحين يبدأ الشك بالتساؤل، حينئذ نتحول إلى كتّاب، وننغمس في حل هذه المعضلة، وكما عبّرت هي ببراعة:
لا أزال أنتظر قبلة روميو، فكيف نستدرك هذا الفقدان؟
هذه هي معضلة الكتابة!
لو كان الأمر مجرد قبلة، لطبعتها على شفتيك دون تردد، ولكن كيف سأقنع جولييت التي تعيش في داخلك أنني أنا روميو الحقيقي؟!
لنمض في مطاردة أحلامنا إذن، ونصنع كل يوم حكاية.
وحتى لو لعبنا الدور كل يوم، وحظينا بآلاف القبلات، ستظل تلك القبلة المفقودة، مغمضة شفاهها بانتظار روميو الذي يأتي على غير موعد، ساحباً معه ظلال مأساته، وقدره الفاجع، ليطبع القبلة على شفاه ختمتها برودة الموت!
ولذا فنحن نفضل الدور على الحقيقة، نفضل أن نلعب دور جولييت، لا أن نكون هي، لنستيقظ بعد ذلك ضاحكين، وقد فزنا بالقبلة، كما علقت كاتبتنا ضاحكة.
وهذه هي المفارقة، من يرسم الخط الفاصل بين الدور والحقيقة؟
وهل الحقيقة فاجعة إلى تلك الدرجة، كما رسمها شكسبير، ولذا فنحن نواصل حياتنا بالهروب منها؟
دون أن ندري عند أي منعطف تفاجؤنا الحقيقة!
أم أننا نتحايل على المأساة بتحويلها إلى دور نلعبه على خشبة الحياة، ثم ننطلق ضاحكين، قالبين إياها إلى ملهاة!
إنهما حدا الحياة، بين الملهاة والمأساة، فلا بأس إذن أن نعيد تمثيلهما على الخشبة، ونضع عيوننا في عيون أكثر ما نخشاه،
المصير غير المنتظر؟

نزار حسين راشد

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى