السيرة الثقافية في كتاب (شريكات المصير: المرأة المبدعة في الحضارات العراقية) للكاتبة لُطفيّة الدليمي

الحفاوة بالمكان والعناية بإمكاناته ما يمكن ملاحظته في عنوان الكتاب, فقد واشجت الدليمي بين البحث عن المرأة المبدعة وبين خصوصيتها المكانية، متأملة تحولات تلك المرأة في سياق المكان العراقي, وقد سعت عبر ذلك لفهم دورها في الحضارات العراقية, وتسمية العنوان بـ(شريكات المصير) كان سعيًا من المؤلفة لإخراج المرأة العراقية من الهامش الاجتماعي, عبر تسليط الضوء على رحلتها في تشكيل الحضارات وصياغة مستقبل مختلف للإنسان العراقي في الحقب المختلفة, فالعنوان يضعُ المرأة مع الرجل بوصفها شريكًا مساويًا في صناعة الحياة, ويستند في ذلك الى دورها الخطر في زمن الحضارة العراقية منذ الكهف حتى العصر الحديث. واستطيع أن اصطلح على دراسة الدليمي ب(السيرة الثقافية)استندت في ذلك الى جملة من المعطيات أشير الى بعضها: وعي المؤلفة بطبيعة التكوين السردي الذي نهض عليه خطابها, فقد بُني على وفق مشاهد, أخذت فيها المرأة العراقية المبدعة دور الشخصية الرئيسة, وقد كان اهتمامها بالمكان واضحًا, حين رسّخت ذلك في العنوان باقتصار دراستها على البيئة العراقية. كذلك أن بناءها على وفق سيرة ثقافية يؤكّد تميّز المكان, فهو يعيد تشكيل ذاته بذاته من دون موجّهات خارجية، وهنا تنتصر السيرة الثقافية للمرأة, فالدليمي واعية أن المرويات الثقافية بما تتميّز به من استقلالية وحضور وقدرة خاصة على إعادة ابتكار العالم تشبه الى حدٍّ بعيدٍ المرأة العراقية التي حاول الوعي الذكوري إخفاء سرديتها وطمس حضورها, ولكن دورها ظلّ فاعلًا. وعلى الرغم من أن المؤلفة جعلت من المرأة شخصية رئيسة, مخفية بذلك دور الرجل التي جعلت منه شريكًا مصيريًا للأنثى كما يوحي العنوان, وفعلها ذاك لم ينهض لأجل أن تشيّد مركزية أخرى إزاء المركزيّة الذكوريّة, مركزيّة تقصي حضور الرجل, بل شيّدت مركزيّة ثقافيّة لتعيد قراءة المركزية المهيمنة, فهي تسعى الى خلق وعي تعدديّ عبر دحض الوعي المركزي الذي همّش المرأة ورماها في الهامش الاجتماعي, فقد ظلّت المرأة العراقيّة عاملًا مركزيًّا وحاسمًا في صنع الحضارات وازدهارها, ومن ثم أن تركيزها على دور المرأة وإطالة العناية فيه لا يعني إقصاء الرجل بل محاولة لرفع قبس من الضوء في المناطق المعتمة من الوعي البشري لتقف إزاء غيرها من المناطق التي حظيت بضوء كاف. وقد ساعد في تشكّل مصطلح (السيرة الثقافية) استناد الدراسة الى المرأة بوصفها شخصيّة رئيسة, ويمكن توصيف الشخصية الرئيسة ب(الشخصية الجنس) فهي لا تدلّ على مرأة بعينها بل تمثّل الجنس الانثوي كله, بوصفه خلّاقًا مبدعًا.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى