د. عبدالجبار العلمي - المستوى الموضوعاتي في ديوان " باقة وجد" للشاعر محمد الناجي :

1 ـ قصائد الذات :
تتأرجح الذات الشاعرة بين الأمل واليأس ، بين النجاح والإحباط. نجد ذلك في ختام العديد من قصائد الديوان ، نذكر منها على سبيل التمثيل ، ثلاث قصائد هي : " رفيف الأشواق الحائرة " و " نضوب الأنساغ " وٌقيود العتمة " ؛ فالأولى تنتهي بما يوحي بالأمل والخلاص من ظلمة الحيرة . ثمة عالم يزخر بالنور والضياء والفرح :
" ومن معارج الأشجارْ
كاشفتني بحُدائها قوافل الأقمارْ
وراودتني في مراتِعها عرائسُ الأنوارْ "
والملاحظ هيمنة صيغة الجمع في الأسطر الشعرية الثلاثة ، دلالة على ما يملأ النفسَ من أحاسيس السعادة والبهجة لا تفي صيغة المفرد بوصفها والتعبير عنها ( معارج الأشجارْ - قوافل الأقمارْ – عرائس الأنوارْ)
القصيدة الثانية : تنتهي نهاية تومئ إلى ما يعانيه الشاعر من ٍإحساسٍ باليأس والإحباط ، يقول :
" في مطالع حرفنا
تتفسخ أمصال العبارة
فلا يبقى
سوى الشوكِ
وأكوام الحجارة "
من الجدير بالملاحظة في هذا المقطع ، أنه فضلاً عن هيمنة صيغة المفرد ( حرفنا – العبارة – الشوك – الحجارة ) ، نجد المعجم يمتاح من حقل الألم والقسوة والعجز (عجز العبارة عن التعبير عما يجيش في نفس الشاعر من أمال وأحلام.
تتكرر هذه النغمة المشحونة بالإحساس بالإحباط وخيبة الأمل سواء على المستوى الذاتي أو الموضوعي في مقاطع أخرى كما في المقطع التالي :
حين ينهمر
في خفق شدوي
شلال شجونْ
حين تنثرني الرياحْ
في المدى خفق جناحْ
حين يغمرني الدَّفْقُ
أُفيقْ
تنكفِئُ الدِّنَانْ
فلاَ كأْسَ ولا رفيقْ ( قصيدة : أصداء الومض الهارب )
أما الثالثة : " قيود العتمة " ، فهي تعبير عما تعانيه الذات الشاعرة من افتقاد الحرية في الوطن. إن الشاعر رهين محبس الألم والحزن في وطن يحْكَمُ فيه إغلاق المنافذ ، وتخنقُ فيه الأحلام، وتغتال فيه الأشياء الجميلة ، ويقف إزاء الشاعر كل ما يعيقه عن تحقيق ما يطمح إليه من حرية وانطلاق نحو آفاقٍ مضيئة لوطنه وأمته. نقرأُ في القصيدة :
لستُ أدري غير أني نزيلُهُ العاني
وهو سِجْني قِلاعُهُ أشجاني
وهو بينَ أضلُعي
يُحْكِمُ إِغلاقَ المنافذ
ويَغزلُ الظلمةَ في الأعماقْ
يخنقُ خفقةَ الأحلامْ

2 - قصائد الوطن :
يوجه الشاعر في قصيدة " وللوطن فراسته " ، نقداً لاذعاً إلى الذين انحرفوا عن مسار الكبرياء والشموخ والروح الوطنية ، وانجرفوا إلى حضيض الانتهازية والمصالح الآنية ، من المناضلين الذين كانوا يحسبون على التيار المنحاز إلى هموم الشعب وقضاياه ومعضلاته المختلفة في بعض الهيئات والمنظمات السياسية المعروفة. نقرأ في القصيدة بعض المقاطع الدالة :
- كنت ترمقهم
كانوا يزحفون
كأورام لئيمة
يتطاولون
كظلال الجريمة
يطفئون ومضة الإشراق ْ
في انبثاق الفجر الجديدْ
****
- .. ويرهنون خارطة المسارْ
بين أدراج العمالة
وحسابات النذالة
ثم يمضون ْ
ينشرون من الأهواء شراعا
يمتطون َ من الرياحِ أطماعا
من الجدير بالملاحظة أن الخطاب التقريري المباشر المهيمن على هذا النص ، إنما جاء ليعبِّر عن حقيقة هؤلاء الذين انحرفوا عن المسار وعن المآل الوضيع الذي صاروا إليه . إنها قصيدة هجاء ملتهبة ، يعرب فيها الشاعرُ بقوة وشدة عن حنقه وغضبه وعدم رضاه عن هذا المآل. تلاحظُها في المعجم المستخدم في النص مثل : أَورام – لئيمة - الجريمة - يُطفئون ومضة الإشراق - يطمسون – يغتالون – العمالة ـ- النذالة ـ .. فمن تخلى عن المبادئ وانساق وراء المصالح الآنية الخاصة ، مصيره حتماً مزبلة التاريخ . وهذا ما نقرأه في خاتمة القصيدة :
- " كنتَ تَدري أَنَّ هُناك
على الضِّفةِ الأُخرى
من مَجْرى التاريخ
مآلٌ يَجذبهمْ ْ
مزبلةٌ لابُدَّ تُغْرقُهمْ "

3 ـ قصائد للإنسان بشكل عام : من بينها القصائد التالية : " مقام البراري " – "المجد للإنسان " ـ- "أشذاء القصيدة " . نكتفي هنا بشاهد واحد هو " من مقام البراري " ، تتبدى فيه رؤية الشاعر الإنسانية العميقة . فمحمد الناجي يرى أن وظيفة الشاعر تشبه وظيفة الوردة والطائر ، فالوردة تسعد الإنسان بأشذائها الفواحة ، والطائر بأغاريده المبهجة . أما الشاعر فوسيلته إلى خدمة الإنسان ، هي الكلمات المؤثرة الملتزمة بقضاياه وهمومه . نقرأ المقطعين التاليين :
كما للوردة شهوتها الأبدية
أن تكشف عن مكنون أشذائها ...
كذلك تجتاحني رغبة عنيدة
أن أنسج من كيمياء خرافتي سحابةً ريانة
..............................................
كما للطائر نزوته المكنونة
أن يوقِّع أوتار الريح ِ نغمة َالبراري ..
كذلك تجنح بي مواكب الأهواءْ
صوب عوالم الفتنة والإغراء ْ
حيث جنائن الكلامْ ..
إن الشاعر محمد الناجي تشغله هموم الذات وأحزانها وأشجانها ، لكنها لا تُبْعده عن هموم الواقع المعيش سواء على المستوى الوطني أو الإنساني العام.



د. عبدالجبار العلمي

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى