آصف فيصل - ثَمَّ يَدَهُ بِالْعُشْبِ.. و صَرَخ!

لا يُوجَد أَصْعَب من التَأَلُّم مِن صَّحْوَةٍ في عَالَمٍ ما انْفَكَّ يَغَطُّ في سُبَاتٍ عَمِيق!

ثَمّة مَعَانٍ بدَاخِلي لم تصُنْع كَلِمَات حتى الآن لوَصَفِها . كانت تُؤَرِّقني باسْتِمْرَار مَسْأَلة التَّطَبُّع! فَفَوْر إِقْتَرَأَي لأي كِتاب أجِدْني قد تَخَلّقتُ بِما خُطَّ فيه ، على سَّبيل المِثَال عِندما فَرَغَتُ من سِّلْسِلَة أفلاطون المُتَشَعِّبة البُنْيان خِلتُ نَفْسي أحَدَ المُحَدِّثين و لدي مُجَلَّد خَاصَ بإسْمي .
عَنْدَما كُنت طِفْلاً تَمَنَّيتُ أن أعَثُرَ على مِصْباح عَلاءُ الدِّين كَيْ آمُر المارِدُ أن يجَعَلَني أنَظُمَ الشِّعْرِ ، لَكِنْني أَخْفَقَتُ ، أَخْفَقَتُ في أن أرَوَي ما يَدُور في دَاخِلَي بهَيْئَة مَصَارِيعٍ مُتَرَنِّمة .
في نِّهَايَة الْمَطَاف لم أَوْجِد غير المُوسِيقى لرَتْق الفَجْوَة بين الفِكْرَة و الإِفْصَاح عَنها حِيْن لا يُغَنِي الكَلاَم ، المُوسِيقى التي لا تُصْفِّد المَعْنَى في بواتِقُ الكَلِمات .

التَأمُّل هو أن تبَقِّطَ طُوْراً مُناجٍ للسَّماء أو أن تغَوْص إلى عُمْق المُحِيط لإِسْتِجْلاب لُّؤْلُؤُة ، إنه الاِبْتِعَاد عن عَوَالِمُ مَشْحُونة بالغَوْغَاء و الجَلَبَة و الهَرْج ، إلى جَوْف الذَّات ، إلى الإصْغَاء لحَرَكَة الاِضْطِرَاب في النَفْس ، أو مُؤَلِّفَةَ الذَّات و التَمَكُّن من إِسْتَنْبَاطَ الأَصَل - الكَيْنُونَة والطَّبِيعَة ، هو الإِئْتِلاف مَعَها لتَنَظِّيفها من كل آفَة و عَيْب دَفْعته الحَيَاة فِيهَا ، أن تَكُوْن في خُلْوَةٍ مُكْتَمِلة دُونَ أن تحِسّ بالغُرْبَة . في التَأمُّل نُصْغِ بجَمِيعِ حَوَاسِّنا لسَيْر الْوُجُودِ - تَقَلُّبَاتِه و تَحَوُّلَاتِه - و إِسْتيعاب طَوِيَّتِة التي قد لا تُدْرِكَها عَبْر ضَوْضَاء الحَيَاة .
يَرْتَكِزَ التَأَمُّل على مُكَوِّنات البُعدَ المَعْرِفيّ و هي أَعْظَم تَجَلِّيات العَقْل ؛ حيث ينَشَأ بِها إِرْتبَاط مُحْكَم بالمَلْمُوس و الحِسِّيّ و الإِبْتِكَار .
معرفةً كهذه تُشغِلك عن الشَهْوَة ، و تُغْفِلك عن الحُدُود و المَفْاهيم، تَجَعَلكَ مُتَمَسِّك بأن لا تُعَرِّف الأَشْيَاء كما يُعَرِّفها الآخَرُون عَلَى وَجْهِ التَّحْدِيدِ تلك المَفْاهِيم المُخْتَارة بِدِقَّةٍ مُتَناهِيَةٍ و التي يُكَرِّرَونها دائماً . إياك أن تَقْرَأ و تَنْصَهِر في شَخَصَ الكَاتِب ، عليك أن تَحْظَى بتَجْرِبَتك تامّة ، عليك صكّ مَفْاهيم مُتَفَرِّدة و مُنْقَطِعُة النَّظِير تَمْلِّكَها وَحَدك ، إياك أن تُلْخِصها على شكل مُفْرَدَاتُ، دَعْهَا تَأتِّ كَمَا هي، على أي قَالِب من قَوالِب التَعْبِير، المُهِمّ أن تكَوْن بتَمَامِ فِهْرِسك الخَاص .

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى