عبدالله بالبقالي - " بوزيد" أو الرقص على إيقاع المحن / 1

هو مكوك عابر للسجون الدولية. من معتقلات النازية ابتدأت رحلته معها، مارا بالسجون الفرنسية و ليلفظ إنفاسه في السجون المغربية.
ما كان ممكنا إن يجد خيارا ثالثا داخل أرض أنتجت على الدوام صنفين من الرجال. الفقهاء أو المحاربين. و لأنه عاشق للحياة، فلم يكن ليختار آلا الممر المتفتح على شساعة الآفاق و خوض المغامرات.
لا شئ يحكي عن طفولته. لكن الروائح المنبعثة من تاريخه تفيد أن إول نور كشف ملامح وجهه، كان لنجم ضياؤه تبذر التعاسة. و غير هذا لا يوجد إي تفسير للفصول الملتهبة التي لفت مسارات حياته.
ككل أبناء جيله سيق إلى حرب شيء لهم أن يكونوا حطبها غير معنيين بالمرة بالنهايات التي سيصلون إليها. لكن حب الحياة و التعلق بها ما كان يجعل النصر من معنى سوى أن يبقوا أحياء و لا أهمية بعد ذلك لأي عنوان سبحفظ الوقائع التي عاشوها..
جل من رافقوه في رحلته لم يعودوا منها. و لذلك لا إضاءات كاشفة سلطت على سيرته و سجله في تلك الرحلة الطويلة التي طاف فيها شتى بقاع المعمور إلا ما تطوع هو نفسه بكشفه. وهو على أي حال نزر يسير لا يشبع الفضول. بسبب توحهه الى التكتم، او تناسي وقائع كثيرة يرغب في دفنها. غير أنه وقع أسيرا في أيدي الألمان. و ربما هي من أسوأ الذكريات التي يتجاهلها و يرفض الحديث عنها. و لهذا السبب تمتد مساحات الفراغات بشكل كثيف و تختفي كل إشارات خط سيره التي يبدو إنها مسحت بعناية فلا ينكشف وجهه إلا داخل صفوف الجيش الفرنسي مجددا. لكنه سيق للسجن مرة أخرى و بتهمة التورط في تصفية مسؤول عسكري اعتبره مسؤولا عن مقتل أعز رفاقه بسبب تورطه او سوء تدبيره لأمور القتال. و بعدها سرح من الجندية و أعيد إلى البلد.
لم تنظم أي مراسيم لاستقباله، أو أن التحمس لعودته انطفأ توهجه بعد أن تبين أنه آت خاوي الوفاض. و ساعتها أيقن أنه على مشارف حرب هي الأشد من كل الحروب التي خاضها.
فكر في شئ يصلح كسلاح في الحرب البادية في الأفق. و انتبه أن فضل الجندية المتبقى عليه هي أنها جعلت منه إسكافيا. لكن ماذا يجدي ذلك في عالم يمشي أغلبه حفاة و المتبقى منهم يتخذون أحذية من البلاستيك؟
لا يزال بمقدور بعض المتبقين على قيد الحياة من أن يستعيدوا صورته لدى عودته وهو ينزل من حافلة الغزاوي. كان يلبس زيا يشبه زي حارس الغابة. و يضع قبعة مثل قبعة ساعي البريد. و يحمل جرابا ضخما برباط لفه حول عنقه. و قد بدا معافيا و محتفظا بالكثير من الرشاقة و الحيوية. إلا أن تاريخه الذي ستحفظه الأجيال التي لم تكن قد رأته من قبل، سيبدأ ذات صباح بعد أن يحضر إلى مرفإ حافلة الغزاوي ( الكراج) الذي يتحول نهارا إلى مركز تجاري تتم فيه أهم الانشطة الاقتصادية. و هناك سيتخذ مجلسا يضع أمامه صندوقا وضع فيه ادوات اشتغاله. لكن الأهم في ذلك الصندوق هو جوانبه المغطاة بصور لنساء جميلات و قد كشفن نصف صدورهن.
الصور، شكلت حدثا و خبرا تم تداوله على نطاق واسع، و دفع حتى الشيوخ الذين احتاجوا الى تغطية كي يقفوا أمامه مختلسين النظر للصور. غير أن ذلك لم يكن كل شئ. فقد كان بوزيد يقف فجأة في شبه قفزة و يشرع في الرقص على ايقاع اغان بلهجات غريبة يبدو أنه حملها معه من رحاب مختلفة من ارض المعمور. و هو ما جعل مجلسه مقصد الكثير من الشباب الذين كانوا يستمتعون بحكاياته في شتى المواضيع ....

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى