صالح رحيم - لستُ سعيداً يا ديكارت..

معتزلاً العالم كله في عراء الدنيا، لم أكن أعرف عن الخيط الرفيع الأسود الذي يفصل بين ظلامين شيئاً، سوى أنه حياتي، تفجرت عيون، وينابيع، وآبار، ولم أرتوِ بعد، في الشارع تراقبني عيون الذين آمنوا، وفي المنزل عيونهم أيضاً، بردٌ لاذعٌ لا مناص منه في الشارع وفي البيت، يتقمص أعدائي كلهم، بردُ الشتاء هو، وبردُ الشتاء أهون من برد العقيدة، لا طمأنينة في هذا العالم، ولا نوم، إلى درجة أن الحبوب المنوِّمة صارت تعمل بالعكس، لا مهدآت تنفع، ولا كل العقاقير، وجودي يلمعُ في الليل، وفي النهار يراه الناس ليلاً، وحين أمرُّ بالصدفة أمامهم، يُشعلون الفوانيس، لا أحد منهم يلمحَ الشمس التي وراءهم، عيونهم تلاحق الليل.
لستُ سعيداً بإختفائي يا ديكارت، ها أنا أتقن الأختفاء، ولم يسعدني ذلك، أعاني من معظم أمراض الوجود الإنساني، تطعنني الحياة بالعمر، بالتقدم المفزع إلى الأمام، الناس يعودون إلى الوراء من خلالي، وأنا من خلالهم أتحطم بالمسير، من قلب الخُطى، تنبعث رائحة الوصول، وإنني أكره الوصول يا ديكارت، أكره الوصول، إن لم تمتِ الدنيا مبكراً في عينيَّ فإنني سأذهب إلى قبري شيخاً، وهذا يعذبني يا ديكارت، يعذبني كثيراً..
الحياةُ حلوة بالشباب، حلوة بالسفر والجنس، بمطاردة النساء الجميلات، إلا أنها تنتهي، يا للكارثة، الحياة تنتهي، ويلاه!
طالما أنني لستُ قادراً على الإنتحار، فلا أرجو سوى الموت بالستين، الستون عمرٌ جليل، هو عمر ما قبل الإنطفاء، مفزع أن أتجاوز الستين، هناك الجلطة وتصلب الشرايين، الزهايمر وتلاشي القدرة على المشي، وربما السرطان متأخراً يأتي، الحياة حلوة حد الستين، هذا يكفي، جداً...

صالح رحيم
5 فبراير 2020

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى