محمد بقوح - نيتشه وفلسفة الجسد

إذا كانت الفلسفة القديمة ، بدءا بسقراط ، و مرورا بأفلاطون و أرسطو و الفلسفة الوسطوية ، ثم الفلسفة الحديثة ، بدءا بديكارت ، ومرورا بكانط و هيغل ، نجحت في تشييد صرح لديكتاتورية العقل كحقيقة مقدسة ، و الذي جعلته يفكر بعيدا عن طبيعة حقيقة الجسد ، أي يفكر من خلال نوازع ذات الإنسان الداخلية في تفاعلها مع الخارج ، كالإدراك و الاحساس و الوعي و الأخلاق و اللغة و التاريخ .. إلخ ، وصولا إلى كبح و قمع الجسد كحقيقة مدنسة يجب عزله و إزاحته من لعبة الحياة ، كما فعل الدين تماما ، بفرق في الدرجة وليس في النوع ، فإن فلسفة نيتشه ، بما لها وما عليها ، و على غرار فلاسفة الإغريق الحكماء القدامى ، كالطبيعيين و الذريين الفيتاغوريين و المالطيين .. كانت و لا تزال تشكل استثناءا في تاريخ الفلسفة الغربية ، لأنها حاكمت هذه الأخيرة بعقلها الفلسفي ذاته ، و قامت بقلب الحقيقة الفلسفية ، رأسا على عقب ، ارتباطا بنوعها المكرور و توجهها السائد طيلة العصور السابقة على عصر نيتشه ، و ذلك بهدمه الفلسفي لأسسها الغيبية ، و تقويضه لأركانها الفكرية التقليدية المدعومة من طرف سلطة الدين و السياسة . في المقابل ، أسس العظيم نيتشه فلسفة نقدية جديدة مبدعة ، يحتل فيها الجسد موقعه الطبيعي كفاعل معرفي ، كموقع العقل الذي يفكر ، أي كجسد يفكر و يتأمل في الذات و في الموضوع معا ، و ليس العكس .

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى