عبد الناصر لقاح - كتاب نزهة الجلساء في أشعار النساء

هذا كتاب طريف المبحث لطيف العرض لا يختلف كثيرا في الأسلوب عن تصانيف الإمام جلال الدين السيوطي الأخرى ...والفريد في الرجل اشتغاله بموضوع النساء في جراءة قل نظيرها في زمنه ... بل تناول ما لا يخطر ببال الكثيرين من زمننا مما يتصل بالنساء ... ولكل ذلك ، ينكر بعض أهل التعصب أن يكون الإمام السيوطي كاتب مؤلفات جريئة حول النساء والعلاقة الحميمية بهن غير أن الأغلب الأعم يطبق على أن هذا الكتاب من تصانيفه لأنه ذكره من بين ما ذكر من تواليفه كما ذكره الثقات من أهل الرواية والسند في الأدب كحاجي خليفة وبروكلمان.
يقع الكتاب في 102ص من القطع الكبير.بمقدمة رديئة جدا لصاحب التحقيق عبداللطيف عاشور . والتحقيق أيضا رديء للغاية بل أوشك أن أقول إنه ليس تحقيقا ... لأن التحقيق لا يعني أن تعود إلى المخطوط الأصل وحسب بل أن تخرج المكتوب كما هو دون إضافة ولا نقصان كما تعلمنا في كتب أساتذتنا من أمثال العلامة المرحوم عبدالسلام هارون في كتابه الموسوم ب:تحقيق النصوص ونشرها
وأما هذا المحقق التحفة فإنه يتجرأ فيحذف مما أورده السيوطي ،ولوقاحته يقول إنه يفعل ذلك استحياء ... يقول في المقدمة : " ولقد تركنا مكان الكلمات أو العبارات التي تجرح المشاعر نقطا تحفظ لها مكانها في إطار المقطوعة رعاية للخط الذي نسير عليه ونرعى الله فيه "ص20
والله أمر يبعث على الضحك .. الإمام السيوطي يورد شيئا دون تحرج ويتحرج السيد عاشور أن يورده لأنه يرعى الله في الأخلاق .... تهمة هذه إذن للسيوطي بكونه لا يرعى الله ... هههههه ثم لم يا سيد عاشور اخترت بالضبط هذا الكتاب مادام صاحبه على سوء خلق لا يتحرج مما تتحرج منه أنت الأكثر إيمانا هههه
دعونا من أمر هذا المحقق العجيب ،الغريب.
في العنوان إشارة من طرف خفي وذكي من السيوطي إلى أن جولة في شعر المرأة هي في الأصل نزهة لأن النزهة في اللغة العربية تعني التنزه في الأماكن البعيدة لا القريبة وحيث إن الرجل بالقاهرة وليس بها حينئذ كلام عن شاعرات اختار كلمة نزهة في تصوري عن قصد ليقول إن هذا أمر يتنزه عنه أي يبتعد الكثير ولست عنه في نزهة بل فيها ...
يعرض السيوطي في مؤلفه ، أو إن شئتم في الذي جمعه من كتب منها على وجه الخصوص كتاب المُغرب في أخبار المَغرب لابن سعيد.، لأربعين شاعرة على كثير من الاقتضاب مع ذكر شيء قليل من شعرهن .. والذي يهمنا أن الأشعار هنا بين مدح ورثاء وغزل وهجاء ووو.. بمعنى أن الشاعرة المرأة عانقت في شعرها الموضوعات التي عانقها الشاعر ... والأهم عندي هذه الجرأة العالية في الغزل مما ظن الكثير أن النساء لا يتقنّه أوأنهن يتقن بدلا عنه الرثاء لميلهن للبكاء كما يرى المرحوم العقاد..والبكاء عندهن جبلة فطرن عليها هههه . والمثال الأقوى في هذا الباب أي باب الغزل من كتاب السيوطي الشاعرة ثواب بنت عبدالله الحنظلية الهمذانية...وتقية أم علي وولادة بنت المستكفي
ومما يورد السيوطي للشاعرة ثواب ، وأتعجب أن لم يحذفه المحقق المومن قولها ص37 :
إني تزوجت من أهل العراق فتى = مُرَزّأً ماله عرق ولا باه
ما غرّني منه إلا حسن طُرّتِهِ = ومنطق لنساء الحي هيّاه
قلنا لم يحذف من ذينك البيتين شيئا لكنه حذف أجزاء من ستة أبيات لها في الصفحة الموالية ، وصنع الشيء نفسه مع ثلاثة أبيات لولادة بنت المستكفي. وبيتين لمهجة بنت التياني .والله لا أفهم لماذا يتعب نفسه في تحقيق ليس تحقيقا بل هو تشويه محقق للنص ....
نقرأ في الغزل أبياتا عذبة تعاتب فيها ولادة ابن زيدون قبل تخليها عنه ، كأنها تعتذر عن خطأ ستقترفه لاحقا ص88:
لوكنت تنصف في الهوى مابيننا = لم تهْوَ جاريتي ولم تتخيّر
وتركتَ غصنا مثمرا بجماله = وجنحت للغصن الذي لم يثمر
ولقد علمتَ بأني بدرُ السما = لكن ولعتَ – لشقوتي- بالمشتري
وهو نفسه ، أي ابن زيدون ، الذي ستقول عنه ص 88
ولقّبْتَ المسدّس وهو نعت = تفارقك الحياة ولا يفارق
فلوطيّ ،ومأبون ،وزان = وديوث ، وقواد ، وسارق
في النزهة مقطوعات شعرية جميلة بالفعل تدل على موهبة وصنعة في الوقت نفسه .. وأهمية الكتاب عندي تتجلى في أمور منها
- إن الفقهاء وعلماء الدين كانوا يخوضون في الشعر وفي غيره من الفنون في زمن السيوطي دون حرج
- إن النساء الشواعر كن متحررات جدا بالعراق وبلاد المغرب حينئذ
- إن النساء يقلن شعرا في الرجال كما يقول الرجال الشعر في النساء
- تغزلت النساء بالنساء كما صنعت مهجة بنت التياني القرطبية في ولادة بنت المستكفي... وهو أمر على قلته يقابل ما نسميه بالغزل بالمذكر ... هنا إذن غزل بالمؤنث
في هذه الأمور الأربعة تكمن في تصوري أهمية كتاب نزهة الجلساء في شعر النساء .. وأنصح ألا تقتنوا الطبعة التي عندي ولا تقتنوا شيئا للسيد عبداللطيف عاشور لأنه ليسس أمينا في التحقيق .


==========
نزهة الجلساء في أشعار النساء للإمام جلال الدين السيوطي مكتبة القرآن ، القاهرة 1986
.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى