عدي الحربش - وزارة الأسرار

(سجادة الصلاة تتسع لصوفيين، و لكن العالم لا يتسع إلا لحاكم واحد.)
"السلطان سليم الأول"

1

استفاق السلطان سليمان من نومه القصير مفزوعا قلقاً. أخذ يتطلع ناحية أقواس المشربيات المظلمة، و يحاول الإنصات لصوتٍ خالَ أنه انبعث خلف حيطان مخدعه. لم تكن تلك المرة الأولى التي يضطرب فيها نوم السلطان. منذ تلك الكلمتين اللتين أفضى بهما الحاج توفيق إلى سليمان -في زمنٍ ولى و مضى و لن يرجع- و النوم يتمنع على عينيه. كيف ينام و آلاف الأسرار تملأ عقله و تؤرق نومه؟ كيف يغمض له جفن و العالم يقظ حوله، يتشكل و يتغير، بدسائسه و أسراره، بشائعاته و خوابيه؟

لبس السلطان هندامه ثم خرج إلى مجلسه في السراي. عندما مثل حاجبه بين يديه أمره أن يبعث رجلا يستدعي إبراهيم اليوناني إلى مجلسه. أثناء انتظاره، أخذ سليمان يسترجع الكلمات التي دارت بينه و بين الحاج توفيق أفندي في ذلك النهار البعيد. كان حينها صبياً صغيراً، يسمع عن أبيه الرهيب و لا يراه، و كانت السلطانة الأم حفصة خاتون هي من ترعاه في كنفها. في ذلك النهار، سرتْ شائعة في القصر ترددت على لسان خصيان القصر حتى وصلت أذن السلطانة مفادها أن الحاج توفيق عزم اعتزال مهنة التأديب. هرعت السلطانة الأم إلى حجرة المعلم بصحبة ابنها. ماذا سيقول آغات الانكشارية و القادة السباهية عن ابنها بعد أن يسمعوا الخبر و هم الذين يطلقون على الحاج توفيق لقب "معلم السلاطين"؟ إن انصراف المعلم الذي درّس على التوالي كلا من الفاتح و بايزيد الثاني و سليم العبوس عن تأديب ابنها أمر جلل، و نذير شؤم، و سيشجع العامة على التشكيك بأحقية سليمان في شغل منصب الخلافة.

تذكر سليمان كيف أن أمه و بمجرد أن رأت الحاجَ توفيق أفندي خارجاً من الحمام و قطرات الماء تتفصدُ من لحيته جثت بين يديه، و أشارت إليه كي يصنع مثلها.

"سألتك بالله يا حاج توفيق أن لا تحرم ابني حكمتَك و علمَك."

ابتسم توفيق أفندي بخجل، و انحنى بظهره المتخشب ليرفع ابن السلطان و أمه. وضع راحتيه المبللتين فوق كتفيّ سليمان، و تأمل قسمات وجههِ الحادة و بشرته السمراء. سأله:

"كم عمرك يا سليمان؟"

"تسع سنوات."

"هل تحفظ المقولة التي أوصى بها أرطغل ابنَه المؤسسَ عثمان؟"

"إذا حال بينكَ و بين كرسي الحكم أبوك؛ اقتل أباك. إذا حالت بينك و بين كرسي الحكم أمُك؛ اقتل أمَك. إذا حال بينك و بين كرسي الحكم أخوك؛ اقتل أخاك. إذا حال بينكَ و بين كرسي الحكم ابنُك، اقتل ابنَك."

"أنت تعلم إذن أنّ أباك لم يعزل جدَك السلطان بايزيد فقط، و إنما دسّ له السمَّ في المنفى. أنتَ تعلمُ أيضاً أن أعمامك قضوا شنقا بأوتار الأقواس بأمرٍ من أبيك. رغم ذلك، العامة لا تكره أباك، و لا تنظر إليه كقاتل. أتدري لماذا؟"

لم ينبس سليمان ببنتِ شفة. استأنف توفيق أفندي:

"لأن هذا القتل يعلي من قيمة رقاب الناس عند أنفسهم. لأن المكان الذي يحكم أحدهم من فوقه رقابَ ملايين الناسِ يستحق من أجله أن يقتل الابنُ أباه، و الأبُ ابنَه. كلما ارتفع الثمن المبذول من أجل الكرسي كلما ارتفعت قيمة رقاب الناس عند أنفسهم، هكذا تفكر الغوغاء. الفكرة مريعة، و لكنها حقيقة. كان أبوك مولعاً بأعمامك. أتذَكرُ جيداً كيف كان يلهو معهم في جذلٍ في الكتّاب. و لكنه في نفس الوقت كان يدرك أنه عندما يكبر سيتواجه معهم، و أن كرسي الحكم لا يتسع إلا لرجل واحد، و أنه إذا لم يكن ذاك الرجل الجالس فوق الكرسي فإن هامته لا ريب ستكون فوقَ النطع. هل تفهم هذا؟"

"أفهمُه."

"إذن أنتَ لا تحتاج إليّ كي تدركَ بغيتَك."

"تمهّل يا حاج توفيق، ما هذا الذي تقوله؟" هتفت الأم السلطانة بانزعاج.

"لم يبقَ في العمر أكثر مما مضى يا سلطانة، و لا أظن أن أبنك يحتاجُ مشورة رجل مثلي يطأ القبر برجله. ابنكِ يتفجر حياةً، لذا عليه أن يبتعد عن ظلال الموت من أمثالي. أنا أرى مخايل النجابة تلوح فوقَ جبهته، و سيكون أعظم سلاطين بني عثمان."

"و لكن كل فتى في حاجةٍ إلى معلم."

"صحيح. و سأعهد بابنك إلى من هما أفضل مني." قالَ هذا و هو يتراجع على أعقابه ليدخل حُجرتَه. عندما عاد، كان يمسك بين يديه سِفراً ضخماً ينوف على الألف صفحة.

"هل تعرفُ ما هذا يا سليمان؟"

"أرى كتاباً."

"ليس أيّ كتاب، إنه سِفر تاريخ، و هو المعلم الأول الذي أوصيك بالتتلمذِ على يديه. عندما تقرأ التاريخ سوف تفهم النواميس التي تحكم الكون؛ سوف تفهم كيف يفكر الرجال، و ما الذي يثيرهم، كيف تُكسب المعارك، و لماذا تندلعُ الثورات."

"الثاني؟"

"الدنيا. من التاريخ سوف تتعلم من تجارب الآخرين، أما من الدنيا فسوف تتعلمُ من تجاربك. لا تصعّر بخدك أو تنصرف عن صغائر الأمور زاعما أن السلطان لا يهتم إلا بالجليلِ منها. إن قدرة الله تتجلى في أكثر الأمور تفاهة، و قديماً قيل أن شيخا صوفيا وصل مرحة الكشف بعد أن تأمل دبيبَ النمل عشرين سنة. افتح عينيك يا سليمان، ليس عينيك و حسب، و إنما أذنيك و منخريك أيضا، استقبل كل ذرةٍ في هذا الكون، كل مشهد فيه، كل همسة، كل نسمة."

"كم ساعة أنام إذن؟"

"من يبغي السلطنةَ لا ينام،" سكت الحاج توفيق. أخذ يتأمل ملامح سليمان و كأنه ينتظر أن يتبين أثر الكلمات التي ألقاها بالتو على وجهه، كأنه يتوقع أن هذه الكلمات سوف تغير الصبي الواقف أمامه إلى الأبد. بعد صمت قصير أضاف:

"هنالك سلاح أكثر فتكا من السيف و البارود و المدفع، أتعرف ما هو؟"

عندما لم يجب سليمان أضاف المعلم هامساً:

"الأسرار."

لم يتتلمذ سليمان على يديّ معلم السلاطين كباقي أجداده، و لكن تلك الكلمتين اللتين همس المعلم بهما إليه بقيتا كالقرطين لا تفارقان أذنيه. من يبغى السلطنة لا ينام. الأسرار أشد فتكا من النار و البارود. منذها، و سليمان لا ينام أكثر من ثلاث أو أربع ساعات كي لا يفوته شيء مما يجري حوله. منذها و هو ينصت إلى ما يدور على لسان حريم و خصيان القصر: مَن يعشقُ مَن، و مَن يكرهُ مَن، ماذا يخفي ذاك عن السلطان، و ما الأمر الذي لو عرفه السلطان نجمَ عنه سقوط رأسِ صاحبِه. هذه أسلحة أكثر فتكا و أشد ضرراً، المهم أن تعرف كيف تلتقطها و متى تستخدمها، و الأهم من كل ذلك أن تبقى مستيقضا طوالَ الوقت كي لا يفوتك أمرٌ منها.

سرعان ما تحقق سليمان من أهمية هذا السلاح الفاتك و عاين أثره، فبواسطة الأسرار استطاع أن يتفادى غضبة أبيه سليم العبوس حينما أرسل إليه في مغنيسيا –الإيالة البعيدة التي يشغلها- قميصا مسموما. لولا أنه أنصت إلى شائعة خافتة انبثقت من أحد خصيان القصر بخصوص ثورة السلطان بعد أن قرأ رسالة ابنه و كيف أن السلطان أمر باستدعاء الطبيب و الخياط الخاصين بالسراي مباشرة بعد أن أنهى الرسالة، لولا ذلك لما استطاع سليمان أن يتدارى تلك الغضبة الهوجاء، و لغدا تحت التراب جثة هامدة بدل الخصي الذي أمره بلبس القميص السلطاني عوضا عنه.

أيضا بواسطة نفس هذا السلاح استطاع أن يضغط على الطبيب عباس أفندي و يجبره على أن يدلي بمعلومات سرية عن صحة السلطان و إن كان ما سمعه عن تدهورها صحيحا. رفض عباس أفندي في البداية الإجابة على أسئلة ابن السلطان عن أبيه، و لكن عندما هدده سليمان بكشف سره الخاص بإجهاض زوجة الشاه إسماعيل بعد أن وقعت أسيرة عند السلطان، عندها انصاع الطبيب الخائف لرغبة سليمان و كشف له كل ما يعرف. من خلال الطبيب عرف سليمان أن السلطان يعاني من مرض في فخذه، قد يكون خمجا أو سرطانا، و أنه لا يُرجى برؤه، و أن حياته لن تدوم أكثر من شهر أو شهرين. إذا كانت هذه المعلومة صحيحة فمن الأفضل أن يؤجل سليمان ضربته و أن يتصنع الجهل بفعلة والده حتى يموت السلطان في أرض بعيدة في إحدى مغازيه التي لا يتوقف عن شنها. و هكذا، و بنفس السلاح أيضا، استطاع سليمان –و هو البعيد في مغنيسيا- أن يصل إلى الباب العالي في الوقت المناسب، قبل أن يُنادى بموت السلطان، و قبل أن يصل الخبر أغاوات الإنكشارية و السباهية الذين كان من شأنهم أن يتربصوا له و يعرقلوا وصوله لو أتاح لهم فرصة تنظيم صفوفهم قبل أن يباغتهم في السراي.

و لكن، شتّان بين الأسرار التي تصلك حينما تكون بعيدا في إيالة مثل مغنيسيا و بين ما يصلك حينما تصبح سلطان السلاطين و ظل الله في أرضه. فجأة، و بدون سابق إنذار، و كأن أبواب السماوات فتحت، إذا بطوفان من الأسرار ينصب من كل جهة و يكاد يغرق سليمان و يشغله عن أية راحة أو نوم. لم يعد الأمر مقتصرا على ما يدور بين جدران السراي، و إنما ما يجري و يشاع في مملكة تكاد تنافس مملكة الإسكندر –البطل الذي يعشق- في اتساعها. أصبح يصغي و يخزن في عقله كل ما يتعلق بأي قائد أو ضابط من الانكشارية و السباهية، كل ما يتعلق برجالات الدولة ابتداءا من الوزير الأعظم برّي باشا، و مرورا بالدفتردار و القائمقام و السناجق و المتصرفين، و انتهاءا بالعبيد و الخصيان و الطباخين و الكناسين. كل كلمة قالوها، كل بادرة افتعلوها، كل سر باحوا به في سورة غضب أو فورة سُكر، كل مغامرة ليلية أو غرام شائن اقتحموا من أجله لجج الليل. ليس هذا و حسب، بل إن أذن سليمان بقيت مصغية لما يجري في بلاطات و قصور و غرف أعدائه في المشرق و المغرب: المؤمرات التي تدور في بلاط الملك هنري الثامن كي يتخلص من زوجته كاثرين الأرغونية لأجل محظية يتعشقها تُدعى آن بولين. الأطماع التي يضمرها فرانسوا الأول بخصوص دوقية ميلان. البابا الجديد الخائف كليمنت السابع و المحصور في أنقاض مدينته روما، القس الجرماني الغريب مارتن لوثر و الذي من شأنه أن يغير معالم المسيحية إلى الأبد. مشاكل الإمبراطور شارل الخامس مع ابنه فيليب الكسيح. المؤمرات التي تجري في بلاط الشاه إسماعيل الصفوي و ابنه طهماست. لو كان واحدا غير سليمان، لصنف هذه الأسرار و الشائعات إلى أسرار تُرفع و أسرار لا تُرفع، و لكن و لأنه سليمان –الطالب النجيب لتوفيق أفندي و الذي لم يدرس على يده سوى يوما واحدا- كانت كل الأسرار و الشائعات و المرويات أسلحة مهمة تتساوى في خطرها و فتكها لكنك لا تدري متى تحتاج إليها. قوة السلطان تتلخص في أنه الرجل الوحيد الذي يعلم كل هذه الأسرار الخطيرة التي من شأنها أن تهز و تخلع، تعلي و تخفض، من شأنها أن تهزّ بلاطات أوروبا و تجعل الفوضى تعمّ كل مكان لو أنها وصلت الأشخاص الذين يفترض بها أن لا تصل إليهم.

قطع على سليمان حبلَ أفكاره صوت الحاجب و هو يعلن قدوم رئيس القصر الداخلي إبراهيم باشا. كان إبراهيم صديق طفولة سليمان و ما زال صديق شبابه، فمنذ أن أتي به من اليونان أسيرا، و منذ أن تبين فيه معلموه مخايل النجابة، و هو لا يفارق سليمان و يلازمه كظله. كان اليد اليمنى التي ساعدت سليمان على الوصول إلى دكّة السلطة. كان هو الشخص الوحيد الذي يستطيع أن يبوح له سليمان ببعض الخواطر التي تشغله. و فوق كل ذلك كان الرفيق المناسب الذي يستأنس بصحبته حينما يخرج متنكرا في شوارع عاصمته كلما تمنّع عليه النوم.

غادر سليمانُ و إبراهيمُ باب السراي و أخذا يخبان الخطى جنوبا، باتجاه الجامع الذي بناه جدُ سليمان الأكبر محمد الثاني. كانت الليلة باردة، و هواؤها عذبا نقياً. عندما وصلا الجامع، وجدا ساحته خالية تماما. جلسَ سليمان على إحدى مصطبات المكان، و أخذ يتأمل الليل و البلاط المرصوف. رغم الخواطر التي تشغله، و رغم الهموم و الأسرار التي تعكر صفوه و تمنع نومه، آنسَ سليمان في نفسه خفة و هو يتأمل معمار الجامع القديم بقبابه المدورة و مناراته الشامخة.

"هل سمعت يا إبراهيم بالقصة التي تُروى عن عتيق سنان؟"

"المهندس الذي بنى الجامع؟"

"هو مثلك من أصول يونانية. أظنه أفضل مهندس مرّ في تاريخ أجدادي السلاطين. يُقال أن جدي الفاتح لم يكن سعيداً بعد الانتهاء من بناء الجامع، و بالأخص لم يكن سعيدا بالقبة. كان يريدها أكبر من آيا صوفيا. لهذا السبب، أمر جدي –و بكل برود- بقطع يد سنان. المهندس المسكين، كان مزهوا بالتحفة المعمارية التي بناها، كان يظن أنه بلغ الأوج في التوازي و التناظر و البناء، فإذا به يُجرُ من خناقه كي تُقطع يده. يُقال أن عتيق سنان مضى إلى القاضي محتجاً: كيف يكون جزائي على هذا العمل الرائع قطع اليد؟ عندما سمع القاضي شكواه، رثى لحاله، و حكم له بالقصاص: قطع يد السلطان، تخيّل! تقول العامة أن عتيق سنان عندما سمع بالحكم و تثبت من استعداد السلطان للرضوخ له، أشهر إسلامه. قصة بديعة، أليس كذلك؟ تصلح كي ينام عليها الأطفال. لا أظن أن سنان كان من الغفلة بحيث يخفى عليه أن الحكم الذي حكم به القاضي هو حكم السلطان. و حتى لو افترضنا أن القاضي كان شجاعا، يظل الحكم حبرا على ورق، إذ أن شفرة السيّاف تخضع للسلطان هي أيضاً. القاضي يخضع للسلطان، و السيّاف يخضع للسلطان، و عقول العامة يجب أن تخضع للسلطان. هل تدري يا إبراهيم أكثر شيء يشدني في القصة؟"

"ما هو؟"

"العقوبة التي أوقعها جدي على سنان. لم يأمر ببتر لسانه أو جدع أنفه أو قطع ذكره، بل أمر بقطع يده، يده المبدعة، الصانعة، التي أنشأت هذه التحفة. لك أن تتخيل عتيق سنان و هو يتجول في الأرض الفضاء التي اختارها مكانا للجامع، ثم كيف أمضى كل يوم و هو يرى جدران الجامع تنهض من الأساسات التي وضعها، و تتطاول بمئاذنها و مناراتها كي تلامس السحاب. لا بدّ أنه أحس بتعلق شديد يربطه بالجامع، التعلق الذي يحسه كلا من الأب و الأم و هما يشاهدان طفلهما يكبر كل يوم بين يديهما. لا بدّ أن هذا التعلق أوهمه أن الجامع له، يخصه، تحفته التي ستخلده على مر التاريخ، إلى درجة أن يبني القبة الرئيسية على الطريقة التي يراها أمثل. هنا تأتي عقوبة السلطان، صارمة، و سريعة، و كاملة الدلالة، كي تقطع اليد التي تربط سنان بالجامع. إنه ليس جامعك أيها الجاهل، هل ظننت أن العامة سوف تنسبه إليك؟ إنه جامع الفاتح. هكذا بدأ، و هكذا يجب أن يبقى، كأي شيء يجري بناؤه تحت أمر السلطان."

"قصة مرعبة."

"تراها كذلك؟ قد تكون، لمن هم بعيد عن كرسي الحكم. أما إذا كنت فوق الكرسي فهي درس شديد الأهمية، يؤكد أن كل ما يجري على هذه الأرض التي تمتد تحت قدميك يجري تحت اسمك. إن خسر قائدٌ معركة، فأنت من يخسرها. إن كسب آخر معركة، فأنت من يكسبها. و لذلك، يجب على السلطان الحاذق أن يسجن الرجلين؛ الخاسر كعقوبة على الخسارة التي ألصقها بالسلطان، و الكاسب كي لا يقف حائلا ما بين فرح الناس و بين سلطانهم."

سكت سليمان، و كذلك إبراهيم. كان ما يجري في عقل الأول يختلف عن ما يجري في عقل الثاني. كان سليمان يمتليء بنشوة قوةٍ جديدة يستشعرها في كل كلمة يقولها و كل فعل يقارفه. أما إبراهيم فلقد كان ممتلئاً بتحرز خفي، يرجو أن لا يفضحه أو يبعده عن رفيق صباه. بعد انقضاء بعض الوقت تمتم سليمان:

"و الآن، إلى الأمر الذي استدعيتك لأجله. تعلم أن وزيرنا الأكبر بريّ باشا أصبح كهلا طاعنا في السن، و هو ما لا يمكن التغاضي عنه في سلطنتنا الفتية. أحتاج وزيرا شابا قويا كاتما للسر، يركب معي حتى أقاصي الأرض و أستطيع أن أستوثقه على غالب أعمالي دون أن أخشى غدرته أو ضعفه. هل تستطيع يا إبراهيم أن تسمي رجلا يصلح لهذا المنصب؟"

"الرجال كثيرون، و لا أظن أن هناك من هو أعرف بالرجال من مولاي السلطان."

افترّ ثغر السلطان عن ابتسامة ساخرة.

"و لماذا لا تسمي نفسَك؟"

"إن عرف السلطان فيني الكفاية، فسأعمل جاهدا كي أكون عند حسن ظنه."

"أعرف فيك الكفاية يا إبراهيم. أنت رفيق صباي، و ساعدي الأيمن، و لا أعرف رجلا أكفأ منك."

"هذا شرف يا مولاي، و لكن إن أذن سلطاني –و هو من قرأ التاريخ و عرفه- أخشى أن تكون الوزارة سببا يكدّر علاقتي بمولاي. كثير من الرجال النابهين انتهوا –بعد أن تولوا الوزارة- إما في السجن أو على النطع."

"لك مني يا إبراهيم -ما دمتُ حياً- أنكَ لن تُظلم و لن تُسجن، لن تُقتل و لن تُطرد مذمماً أو مدحورا. أقسم على ذلك."

انكبّ إبراهيم على يد سلطانه يقبلها.

"الأمر الثاني الذي استدعيتك لأجله هو هذا: أريد أن أنشيء وزارة للأسرار."

"وزارة أسرار!" نظر إبراهيم مستفهماً.

"لو تطلعت يا إبراهيم داخل جمجمة سلطانك لرثيت له. ملايين الأسرار تملأ رأسه و تؤرق نومه. أريد أن أحفظ هذه الأسرار من الضياع، فائدتها للدولة تفوق فائدة المدافع و البارود و المفرقعات. لا أريد لهذه الأسرار أن تزول بعد موتي، كما أني أريد التخلص من عبء حملها وحدي."

"اترك لي مهمة تنظيم الأمر يا مولاي."

"لا.. الأمر ليس كما تظن. لا أريد أن تقيّد هذه الأسرار في صحائف و دوواين. إن مجرد وجود هذه الأسرار على ورق كفيل بافتضحاها. هل تعرف ما سيحصل حينها؟ سوف تسقط عروش و تهتز عروش."

" كيف ينوي السلطان المعظم حفظها؟"

"داخل قلوب الرجال."

تطلّع إبراهيم باشا بقلق ناحية وجه سلطانه. أحسّ بأن الأمر الذي سيتفوه به السلطان يتجاوز قصة المهندس عتيق سنان فزعا و غرابة.

"الأمر كما أتصوره هو الآتي: سوف نختار –أنا و أنت- الصفوة من رجالنا الموثوقين، أولئك الذين عرفت عنهم النباهة و الحكمة و قوة الذاكرة و الكتمان. سوف نعطي كل واحد منهم وظيفة خازن أسرار أو خزندار أو سمها ما شئت، و سوف نرسل كل واحد منهم إلى مدينة بعيدة في سلطنتنا الواسعة، و سوف نجعل لكل واحد منهم جراية مجزية، بحيث يستغني عن أي عمل آخر، و كلما أردت أن أستودع أو أسترد سراً، حينها نرسل إلى الخازندار أن أمثل أمام سلطانك كي تسمع و تحفظ."

"اعذرني يا مولاي إذ أن عقلي لا يستطيع أن يجاري خيال سلطاني المعظم. ألا يخشى مولاي أن يفضح الرجال تلك الأسرار التي استودعت في عقولهم؟ كيف يرى مولاي أن أولئك الرجال الناطقين أكتم من الورق الذي لا ينطق؟ فهمت أن بعض هذه الأسرار تعطي حاملها قوة و سلطة قد تهدد أمن السلطنة و استقرارها، ألا يخشى مولاي أن يستغل الرجال الموكلون بحفظ الأسرار بضاعتهم التي أوكلت إليهم؟"

"تماماً يا إبراهيم. تفهمني تماماً. نعم، قلوب الرجال أصون حفظا من الورق. ذلك أن المدونين بعد أن يكتبوا الأسرار، لا يتورعون عن إذاعتها، إذ أنه من الممكن دائما التحجج بأن أحدا آخرا وصل إلى الورق و قرأه. أما حينما يدرك الرجل أنه الوحيد الذي يعلم السرّ مع السلطان، حينها سوف يدفع روحه قبل أن يفشي ذاك السر. الأسرار التي سأستودعها هؤلاء الرجال خطيرة للغاية و من شأنها أن تعطي حاملهيا قوة قد تعادل قوة السلطان نفسه، و لكن هذا الافتراض لن يحصل إلا إذا حوى أحد هؤلاء جميع الأسرار التي يعلمها السلطان، و هذا لن يحصل أبداً. لهذا السبب سأستودع أسراري مجموعة رجال و ليس رجلا واحدا. لهذا السبب سوف أفرقهم في بقاع المعمورة فلا يرى الواحد منهم من يماثله في الوظيفة طوال حياته. لهذا السبب سوف أحرص على تفريق الأسرار بطريقة بارعة بحيث أن كل رجل من الخازندارية سوف يحتوي على مجموعة أسرار لا تعطي كل المعنى و لا تمنح كل القوة إلى أن تضعها مع أخواتها من الأسرار الأخرى."

"لا أملك إلا أن أنحني إعجابا أمام حكمة سلطاني المعظم. و لكن –لو سمح سلطاني- بقي سؤال أخير يجول في خاطري."

"اسأل يا إبراهيم."

"إذا لم أكن أحد خازني السرّ الذين يبغي مولاي اختيارهم، لماذا يطلعني مولاي على أمر هذه الوزارة؟"

"لأنك الوحيد الذي سيعلم أسماء هؤلاء الرجال. ألا ترى المفارقة يا إبراهيم: أنت الرجل الذي أوكل إليه سرّ وزارة الأسرار."



2

من يعرف سر الحبّ؟ من يعرف كنهَ هذا الشيء وسط القلب؟ أنتَ يا فكهاني، هل تعرف سرّ الحب؟ لا يا سيدي، أعرف أسرار الموز و القرنبيط، هل أبيعك بعضا منه؟ أنتِ يا فتاة، هل تعرفين سر الحبّ؟ لا يا سيد، و لكن إن أحببتَ سوف أنادي بعض عشاقي، أسمعهم يتحدثون كثيرا عنه. يا خازندار حلب، هل تعرف سر الحب؟ الحب، هل هناك سر للحب؟ هو يأتي و يضربً و يتركك خراباً، هذا ما أعرفه عنه. يا خازندار بغداد، هل تعرف سر الحب؟ لا يا صاحبي، لا أعرفه، كما أن مولاي سليمان لم يخبرني شيئا عنه.

مسكين سليمان! يصنع وزارة للأسرار، و يظن أنه يعلم أسرار الأرض و ما عليها، دون أن يدركَ سر هذه المضغة النابضة في صدره. كان يظن أن قلبه منصرفٌ لتلك الفتاة الشركسية -جُلبهار- التي جلبها معه من مغنيسيا كي تصبح السيدة الثانية للسراي بعد أمه السلطانة حفصة خاتون، و لكن هيهات أن تتنبأ بأمر الحب، فها هو الحب يتسلل إلى السلطان و يفاجؤه في عيون جاية سلافية، تماما كما فعل إبليس حين تسلل إلى الفردوس داخل جسد أفعى.

ذات مساء، و بعد أن أنصرف السلطان من أعماله، و بينما كان يتمشى في المعبر الواصل بين جناح نومه و السراي، إذا بعينيه تقعان على جارية قصيرة تجلس على حافة نافورة و قد أحاطت بها أشجار الدلب و السرو و الصنوبر. كانت الجارية حافية القدمين، و كانت تغسل وسط الماء تفاحة حمراء ناضجة. اقترب سليمان منها:

"من أينَ لكِ التفاحة ؟"

"قطفتها."

"من أين؟"

"من هناك." أشارت إلى شجرة تفاح عالية. أسفل الشجرة، كان حذاءا الجارية ملقيين بجانب الحائط.

"ويحك! تسلقتي الشجرة؟"

هزّت الجارية رأسها إيجابا.

"ألم يخبرك أحد أن تسلق الأشجار ممنوع في القصر؟ تصرف مثل هذا من شأنه أن يجعلك مكشوفة لمن في الخارج. لا أحد يستطيع أن يرى حريم السلطان و يظل حياً."

"إذن فالويل للطائر الذي حلق فوق رأسي قبل قليل."

"أنا لا أمزح. ما اسمكِ يا فتاة؟"

"خُرم."

"أنا لا أمزح يا خُرم، يجب أن تخضعي لأعراف السراي، عقوبة من تنتهتك التعليمات شديدة الوطأة."

"كرم مولاي أكبر من أن يضيق بجهل جاريته. أنا جديدة في السراي، لم أصل هنا إلا قبل إسبوعين، كما أن هذه التفاحة هدية إلى السلطان."

فجأة، قضمت الجارية التفاحة ثم وضعتها في راحة السلطان. بُهتَ سليمان أمام هذا التصرف الجريء.

"في بلادي يا مولاي، إذا عزمت إحداهنّ أن تخبر من تحب بمكنون قلبها تركت لديه تفاحة مقضومة."

قالت هذا و هي تسرع نحو شجرة التفاح لترتدي حذائيها ثم تغيب بعيدا تحت أقواس بوابة السراي.

عندما سأل سليمان عن معنى اسمها قيل له: الضاحكة. عندما تحرّى عن شأنها أكثر، أدرك أن من سماها كان ثاقب البصيرة. أخبروه أنها جارية جريئة، لا تتورع عن فعل الغريب و المخالف، و لقد كانت تضحك دوماً. كانت تضحك حين ترقص، و تضحك حين تغني. تضحك حين تُعنّف، و تضحك حين تتحدث. كان سليمان معتادا على سلوك واحد من حريم القصر أساسه الخضوع و التسليم، و لقد وجد في سلوك هذه الجارية السلافية شيئا جديدا مبهجا. عندما استدعاها أول مرة، أخبرها أن اسمها خُرم ثقيل الجرس، و أنه قرر أن يدعوها روكسلانا، نسبة إلى بلدها البعيدة. عندما طلب منها أن تغنيه واحدا من ألحان تلك البلاد الباردة، تناولت آلتها الموسيقية، ثم ضربت عليها إيقاعا حزينا جعل الجليد يذوب في قلبه. منذ ذلك الوقت و السلطان لا يريد إلا روكسلانا و يؤثرها لكل أوقات راحته و لهوه. كان لمثل هذا الإيثار أن يقلق السيدة جلبهار، و خصوصا بعد أن أنجبت غريمتها روكسلانا ولدين ذكرين من السلطان، و لكن تبقى جُلبهار والدة مصطفى، الإبن البكر لسليمان، و الرجل الذي يُنتظر أن يخلف أبيه على عرش السلطنة العثمانية. هكذا ظنت جُلبهار، إلى أن وقعت تلك الحادثة التي تسببت في إرسال جُلبهار و ابنها مصطفى بعيدا إلى مغنيسيا.

كانت جُلبهار تسير في أرجاء السراي بخطواتها الواثقة و قامتها الفارعة حينما بصرت بروكسلانا و هي تتبختر في ثوبها الغلامي الشفيف. زمّت جُلبهار شفتيها و تطلعت بازدراء. لقد درّبت نفسها على أن تكتم جميع خلجات قلبها، و لكنها لم تملك –هذه المرة- و هي تمر إزاء الجارية السلافية إلا أن تهمزّ بنبرة مستهجنة:

"تطلعوا! تنجب ولدين من السلطان و لا تزال تلبس كقحبة."

تجمّدت روكسلانا في مكانها و كأنما ضربتها صاعقة. تطلّعت بتحدٍ ناحية غريمتها الأكبر و هتفت:

"يا للمراء! كم أكره التصنّع و الكذب! لا يمنعكِ عن لبس هذا إلا أنكِ عجوز طاعنة."

هجمت جُلبهار على غريمتها و أنشبت أظفارها في خدّها. في المساء، عندما أرسل السلطان يستدعي روكسلانا، أجابت الأخيرة أنها لا تستطيع أن تمثل بين يدي السلطان بقلب كسير و وجه ممزق. سارع السلطان نحو غرفة محظيته، و عندما أبصر وجهها استشاط غضبا. أنصت إلى روكسلانا و هي تروي القصة بصوت باكٍ و عيون دامعة. لم ينبس ببنتِ شفة طوال حديثها. عندما فرغت، نهض من مكانه، و غادر الغرفة، و أمر باستدعاء مصطفى إلى الديوان. عندما مثل ابنه بين يديه، أخبره أنه سيرسله كي يحكم إيالة مغنيسيا كما فعل السلطان في شبابه. أضاف في الأخير –و كما لو أنه أمر عابر- أن والدته سوف تصحبه إلى هناك، و لذا فالأحرى به أن يخبرها.

هكذا انتصر جمال روكسلانا على جلال جُلبهار، و سرعان ما انقسم خاصة السلطان إلى معسكرين يتحلقان حول هاتين المرأتين: الأول يضم جُلبهار و ابنها مصطفى و الوزير الأعظم إبراهيم باشا، و الثاني يضم روكسلانا و أبنائها سليم و بايزيد و جهانجير، إضافة إلى رستم باشا زوج ابنتها محرمة. و هكذا، في نفس الوقت الذي كانت فيه جيوش السلطان تزلزل على التباع كلا من جزيرة رودس و عواصم هنغاريا و النمسا و إيران، كانت هناك حرب سرية لا تقل شراسة بين هاتين الغريميتين من شأنها أن تعكّر صفو السلطان إلى الأبد.



3

الفتى قاسم شاب مسكين، لم يدرِ أيّ نوع من الأهوال سوف يرى بسبب انخراطه في عِداد رُسل السلطان. قالوا له أنها مهنة مجزيّة، رواتبها عالية، و مستقبلها مضمون، يركب أحسن الدواب، و ينام في أغلى الخانات، و لا ينقطع أبدا المال عن جيبه أو الطعام عن معدته. هو رجل يحب السفر، كما أنه كتوم كالبئر، لن يجدوا أصلح منه. في سنتين فقط، رأى ديارا لم تخطر له على بال، رأى حلب و دمشق، بغداد و مكة، القاهرة و بيت المقدس، القفقاس و الأناضول. كانت أراضي السلطنة عريضة ممتدة مترامية الأطراف، و كانت رسائل السلطان تتهاوى كالحمائم إلى شتى بقاع هذه السلطنة. لقد أنضج الترحال شخصيته، و ملأ المال جيبه، إلى درجة أنه بدأ يفكر بالزواج و بناء منزل جديد، بل حدّث والدته عن فتاة تعجبه كي تخطبها له. هكذا كانت سيرة قاسم المهنية، حتى جاء ذلك اليوم المشؤوم، حينما سلمه مأمور السلطان رسالةً كي يوصلها إلى رجل يُدعى محمود أفندي في قونية.

جهّز قاسم متاعه، و أطعم جواده، ثم انطلق بخرجه و رسالته يقطع الفيافي و الأنهار متجها نحو قونية. حينما وصل إليها بات في الخان المخصص لمبعوثي السلطان. في الصباح، عاين الوصف الذي بيده، و اتجه نحو دار محمود أفندي. حينما قارب الدار، سمع صياحا و عويلا، و رأى ناسا متحلقين حول الدار التي كان يقصدها. حين استفهم عن الأمر، أخبره أحد المتجمهرين أن صاحب الدار –محمود أفندي- وُجد هذا الصباح في داره مشنوقا و قد ازرقّ وجهه و تصلبت أطرافه. ضرب قاسم كفا فوق كف، و هزّ رأسه مستغربا لهذه المصادفة الغريبة، ثم انصرف و هو يدعو بالغفران للفقيد المنكوب.

لم يمر يومان على وصول قاسم أسطنبول و إرجاعه الرسالة إلى الباب العالي إلا و استدعي ثانية، و سُلمت له رسالة جديدة إلى شخص آخر يُدعى فؤاد بيك في حلب. هذه المرة لم ينم قاسم ليلته في الخان، و إنما توجه مباشرة إلى موقع دار فؤاد بيك كي يسلمه الرسالة. عندما وصل هناك إذا به يُراع ببيتٍ مهجور قد اسودّت جدرانه و تساقطت درفاته. حينما قرع باب البيت المجاور ليستعلم عما حدث، أخبره الجار أن حريقا نشب في بيت فؤاد بيك قبل أسبوع، و أن جميع ساكني الدار قضوا حرقا أثناء نومهم.

لم يكن حظّ قاسم أفضل في بقية رحلاته التي تبعت هاتين السفارتين. ففي بيت المقدس، وجد ياسين بيك و قد توفي غرقا في أحد حمامات القدس، و في بغداد وجد أحمد أغا قتيلا بعد أن طُعن من الخلف في أحد الأزقة المظلمة، و في القاهرة أخبروه أن الحاج حسن مات قبل شهر بعد أن سقط فوقه حائظ متداعٍ. بعد أن رجع قاسم من مكة في آخر سفارةٍ فاشلة، إذا به يُراع بإثنين من ضباط الإنكشارية يمسكان به و يقودانه إلى غرفة مهجورة في قبو القصر كي يحققا معه. سألاه إن كان على علاقة بمقتل كل هؤلاء الأشخاص. أخذ قاسم يبكي و يسترجي و يقسم أنه رجل مسكين يؤدي وظيفته و حسب. أخذ يستعطفهم من أجل أمه العجوز و خطيبته الشابة، لكن دون جدوى، إذ أنهم عندما لم يظفروا منه بأي إجابة أو تفسير ألقوه في زنزانة، و تركوه هناك وحدَه نهبة للفزع و اليأس و الحزن.

تُرى، كيف سيكون تصرف قاسم إن علم أن كلاً من محمود أفندي و فؤاد بيك و ياسين بيك و أحمد أغا و الحاج حسن كانوا يعملون كخازندرات لسر السلطان، أن هؤلاء السادة المحترمين كانوا أعضاءا في الجهاز الغريب الذي يُدعى وزارة الأسرار؟ عندما سمع السلطان سليمان بخبر مقتل أول خازندراته في قونية أحسّ بريبة، و لكنه سرعان ما صرف هذا الظن و نسب هذه الحادثة لخلاف شخصي قد يكون اندلع بين محمود أفندي و أحد الرجال المحيطين به. كان إلحاح الأسرار الجديدة التي يبغي أن يتخلص منها أشدّ من ريبته بخصوص مقتل خازندار قونية، و لهذا أسرع بالإرسال إلى خازندار حلب كي يمثل بين يديه سريعا، فإذا به يراع أن الثاني قضى حرقاً، و إذا بكاتمي سره الذين يفترض أن لا أحد يعلم بهم سواه و سوى وزيره إبراهيم باشا يتهاوون الواحد إثر الآخر إما طعنا و إما غرقا و إما حرقا و إما شنقا.

كان تورط إبراهيم أمرا مفروغا منه في ذهن سليمان، و لكن السؤال الذي ظل يؤرقه: لمن باح إبراهيم بأسماء خازني الأسرار؟ لا يُعقل أن يكون إبراهيم هو من أمر بهذه الفظاعات، إذ ما الجدوى منها بالنسبة إليه؟ إن قتل خازني أسراره بهذه الطريقة الوحشية و الصارخة رسالة واضحة إلى السلطان يريد صاحبها أن يقول أنني أعلم أكثر أسرارك خصوصية، أنني أجمع هذه الأسلحة التي من شأنها أن تهزّ الكرسي تحتك، أنني قادم كي أخلعك قريبا فتحرزّ و مُتْ في غمرة رعبك.

كان الوزير–آنذاك- بعيدا على رأس الجيش الذي أرسله السلطان كي ينتقم من الشاه طهماست بعد أن اقتحم جنوده بغداد و نبشوا قبر الإمام أبي حنيفة النعمان. كان يُفترض به أن يتوجه مباشرة إلى بغداد، و لكن إبراهيم باشا فاجأ الإيرانيين في عاصمتهم تبريز فاقتحمها و أباحها لجنوده ستة أيام. من هناك، بعث رسالة تهنئة إلى السلطان، و توجه بجنوده إلى بغداد كي يستردها. كان لهذه الأخبار أن تشرح صدر السلطان، لولا أنه كان منشغلا بلغز قتل خازني أسراره. ثم سرت إليه شائعة مقلقة تزعم أن الوزير الأعظم استخدم لقب "السرعسكر سلطان" في إحدى مخاطباته. صحيح أن سليمان صار مؤخرا –و خصوصا بعد أن تقدمت به السن- يغدق العطايا و الألقاب على وزيره الأكبر إبراهيم باشا، و يرسله كي يكون في مقدمة الجيش عوضا عنه، و لكن أن يصل الغرور بالوزير إلى التسمي بالسرعسكر سلطان، هذا شطط يستوجب العقاب و يستدعي الحذر. هكذا، قرر سليمان أن يخرج في جيش صغير متجها إلى بغداد، باعثا برسالة إلى إبراهيم يشعره أنه سيلقاه هناك.

كان الطريق بطيئة طويلة، حافلة بالهواجس و الأفكار. مع كل شوط يقطعه، كانت أفكار سليمان تنصبّ نحو اتهام ابنه البكر مصطفى فيما يتعلق بحوادث قتل خازني أسراره. مصطفى هو الاسم الذي أصبح يتردد كثيرا على ألسنة الإنكشارية و السباهية كمثال لكل ما هو رجولي و بطولي. إنه الاسم الذي صار يقترحه البعض كبديل مناسب لوالده العجوز الذي لم يعد قادرا على الركوب في أول الجيش. مصطفى هو الإبن الناقم الذي رأى أمه جُلبهار تذبل بطيئا، و تموت منفية مقهورة بعد أن وصل إليها خبر زواج السلطان من غريمتها روكسلانا. مصطفى هو الشخص الوحيد الذي يمكن لإبراهيم أن يبوح له بأمر بالغ الخطورة كوزارة الأسرار. و لكنه ابنه، حشاشة كبده، ماذا عساه يصنع إن تأكد له تورطه في هذه القضية الكريهة؟

عندما حاذى جيش السلطان قونية، زار سليمان قبر الدرويش المولولي جلال الدين الرومي. أخذ سليمان يحدق ملياً في القبر، و كأنه يرجو من الدرويش الميت أن يقذف في قلبه ماذا عساه أن يفعل. عندما لم يلقَ إجابة في داخله، مال برأسه نحو المفتي و سأله:

"يا مفتي الديار الإسلامية، ماذا عسى برجل أقسم أمام صديق له أن لا يسجنه أو يقتله أو يعزله ما دام حيا، ثم تبيّن له أنّ ذاك الصديق غادر خؤون. أله أن يحنث بقسمه؟"

تململ المفتي في مكانه و قد تبيّن في سؤال السلطان ما يريد أن يسمعه. بعد أن أعمل فكره برهة أجاب:

"مولاي، إن للرجل موتتين: موتة صغرى و موتة كبرى. الموتة الصغرى هي النوم. الموتة الكبرى هي تلك التي تفصلنا عن دار الحساب. بالنسبة إلى الرجل الذي تسأل عنه، لو حصل أن مات غريمه أثناء نومه، حينها لا أظنه قد حنث بقسمه."

سُرّ سليمان بهذا الحل الذي لم يكن يتوقعه. عندما خرج من مزار جلال الدين الرومي كان قد أزمع في باطنه أمرا: أن يقتل صديقه إبراهيم، و أن يستدعي ابنه مصطفى بعد أن يسمع هذا الأخير بمقتل الوزير إبراهيم باشا. إن أطاع مصطفى النداء و أتى فهو بريء. إن هرب، فهو مذنب.



4

اهتزت إسطنبول لخبر مقتل الوزير إبراهيم باشا بعد أن عاد من حَملة بغداد مُظفرا منتصرا بصحبة سيده السلطان. أخذ الناس يتهامسون أنّ جثة إبراهيم باشا عُثر عليها ملقاة في إحدى غرف التوباكي و قد انطبع حول عنقها جرح غائر. لا بدّ أن الوزير الأعظم شُنق أثناء نومه بوتر قوس، الطريقة المفضلة للقتل في القصر السلطاني. لم يكن إبراهيم باشا صاحب شعبية لدى الناس، لقد كانوا يكرهونه دوما، و لطالما شككوا في إنتمائه و ديانته، و خصوصا بعد أن رجع من حملة هنغاريا بتلك التماثيل التي وضعها أمام قصره زاعما أنها تخص الآلهة هرقل و ديانا و أبولو. لقد انتشرت تلك الأيام أغنية تقول أن هناك رجلين يعرفان بإبراهيم؛ الأول هدم الأصنام، و الثاني أقامها حول قصره. لذا عندما مات الوزير، لم تكن المشاعر حزنا و رثاءا، أكثر منها دهشة و استغرابا.

انتظر سليمان حتى تأكد أنّ الخبر ذاع في أصقاع سلطنته، ثم بعث رسالة إلى ابنه مصطفى يأمره فيها بالمثول أمامه. الأيام التي تلت ذلك كانت من أصعب و أمضّ الأوقات بالنسبة إليه. هل سيأتي مصطفى أم سيفرّ؟ و ماذا سيفعل حينها؟ لم ينتظر سليمان طويلا، إذ سرعان ما جاءه خبر يفيد أن مصطفى خرج هاربا من مغنيسيا إلى أماسيا.

بعدها بأيام، سمع الناس أن السلطان سيخرج في جيش كبير إلى الشرق. لم يعلم أحد ما يحيك في صدر السلطان. اصطف الناس في الشوارع صفوفا و اعتلوا سطوح منازلهم كي يلقوا نظرة على سلطانهم المبجّل و هو يركبُ في مقدمة الجيش. يومها، بدا السلطان شاحبا متعبا، أبيض اللحية، حزين النظرة. لم يصدق الكبار منهم أنّ هذا هو نفس الشاب الفتيّ صاحب القوام المنتصب الذي دخل عاصمتهم منذ زمن بعيد كي يكون سلطانا عليهم. آهٍ لو يدرون أي أهوال و أسرار كانت تؤرق نوم سلطانهم المُتعب!

عسكر السلطان في إسكدار و نصب خيمته. بعث إلى ابنه في أماسيا: أن أقدِم، فالأرض كلها تدين لوالدك. كان ذلك صحيحا، جميع ولاة الأراضي الإسلامية خَوَل لدى سليمان، و حتى أعداؤه من ملوك أوروبا و شاه إيران من السهل شرائهم بالمال و الذهب. أرسل مصطفى إلى أبيه أنه في طريقه إلى إسكدار كي يجثو بين يدي سلطان العالمين. أعدّ سليمان المعسكر جيداً لاستقبال ولده: خيمة أولى يمثل فيها مصطفى أمام عامل السلطان كي يشعره بقدومه، ثم ممر طويل ترابي يوصله وحيدا إلى السلطان، ثم خيمة السلطان نفسها. أحاط سليمان باب خيمته بعشرة من الرجال الصمّ البكمّ. يجب أن يبقى الأمرُ سراً. كان كل واحد من هؤلاء يقف كالطود الأصمّ و قد تسلح بقوس طويل و سيف مصلت. أرخى سليمان ستار خيمته الأزرق كي يشاهد ما يجري دون أن يُرى. نعم، يجب أن يبقى الأمرُ سراً.

دخل مصطفى الممر الترابي متجها نحو خيمة أبيه. عندما رأى الرجال المسلحين استشعر شراً و أشهر سيفه. قفز أحد الرجال الصمّ من الخلف و أحاط عنق مصطفى بوتر قوس. انتفض مصطفى بقامته الشاهقة فألقى المعتدي أرضا. تهاوت فوق جسده ثلاث ضربات جرحته في فخذه و ذراعيه. زأر كأسد جريح. تطلع نحوَ الخيمة، و حينها لمح خيال الرجل المختبئ وراء الستارة الزرقاء. لم يصدق عينيه. أيُعقل أن يكون هذا هو السلطان؟ والده الذي يتطلع بدم بارد إلى ولده و هو يُذبح كالشاة! لوّح مصطفى بسيفه يمنة و يسرة. أسقط رجلين أمامه و هو يحاول التقدم نحو الستارة الزرقاء. لم يتزحزح خيال الرجل الواقف خلفها. فاجأته ضربتان على كاحله و ظهره، فسقط أرضا، و حينها تناهبته السيوف.

أشار سليمان من خلف الستارة فانصرف رجاله. حينما تأكد من خلو الميدان خرج من خلف الستارة. كانت جثة ابنه ترقد على بطنها سابحة في دمها و قد تجمدت ملامحها في تكشيرة رعب. أخذ سليمان يتأمل ملامح ابنه المرعبة و الحزن يعتصر قلبه. لقد كان شابا جميلا، فارسا مغوارا. كان بلا شك أصلح للحكم من إخوانه بايزيد المدلل، و سليم السكير، و جهانجير الكسيح. اقترب سليمان أكثر و جثا بجانب جثة ولده. أداره على ظهره و أخذ يرتب شعره و يمسح حبات العرق عن جبهته. أخذ يتمتم:

"و الآن ماذا؟ هل كان يلزم أن تتحدى إرادتي؟ لماذا فعلت ما فعلت؟ هل تريد أن تعلم كل الأسرار التي تعتمل في رأس أبيك؟ آهٍ يا مصطفى.. هناك أسرار لا أستطيع أن أنقلها حتى إلى أولئك الرجال الذين قضوا على يديك. بودي لو تركتُ كل هذا و عشت درويشا فقيرا يأكل غلّة يومه، و يدور و يرقص كما يفعل الملالي حول قبر الرجل الصالح في قونية. هل تريد أن تعلم الأسرار يا مصطفى؟ هل تريد أن تعرف كل شيء؟"

هنا فعل السلطان شيئا غريبا، إذ أسند رأس ولده الدامي على صدره ثم بدأ يسرّ في أذنه جميع الأسرار التي لم يكن يستطيع أن يتخلص منها في الأشهر الأخيرة. أخبره كل شيء: عن الهواجس التي تؤرق نومه، عن الوجوه التي تزوره كل ليلة، عن الآثام و الألام، الوساوس و الأحزان، أخبره عن غيرته التي تغرز خنجرا مسموما في قلبه، أخبره عن ضعفه و عجزه و شكه بجميع من حوله. بعد أن أفرغ كل ما في صدره، أغمض عيني ولده، و نادى على عبيده كي يدفنوا الجثة بالأسرار التي ألقيت في جمجمتها.

عندما رجع سليمان إلى عاصمته، قصد السراي القديم، و توجه إلى جناح زوجته. كانت روكسلانا من الفطنة بحيث أنها لم تطرح عليه أيّ سؤال عن حملته الأخيرة. اكتفت عندما دخل غرفتها بتقبيله و تبديل ملابسه. أخذت تسرّي عنه بنقل القصص و الأخبار التي حدثت أثناء غيابه. عندما رأت الإرهاق باديا على وجهه اقترحت عليه أن يستلقي على السرير و أخذت تمسح شعره و تدلك قدميه إلى أن أغمض عينيه. في الخارج كانت الشمس تتمايل نحو الغروب، و كانت الأرياح تتلاعب بأغصان الحديقة المحيطة بالممشى الواصل بين السراي القديم و جناح السلطان.

فجأة، دوّت صرخة عالية. قفز سليمان من السرير و توجه إلى الشرفة المطلّة على الممشى حيث صدر الصوت. هناك، و من زاويته الضيقة، رأى إحدى جواري القصر تجثو على ركبتيها، و هي تتطلع برعب إلى شيء في الحائط. سرعان ما رأى مقدّم الحرس و رئيس الخصيان يسرعان إلى موضعها، و لكنهما –و بعد أن وقعت عينا كلا منهما على موضع نظرها- إذا بهما يتسمرّان مكانهما و قد علّت وجهيهما نفس ملامح الفزع.

سارع سليمان بلبس هندامه و اتجه إلى الأسفل. كان الممشى يغصّ بالخصيان و الخدم، و كانت المشربيّات و الدُرف على طول الممشى مُشرعة على المنظر الغريب و قد تجمهرت حريم القصر خلفها. عندما وصل السلطان إلى موقع الجَلَبة، انكبّ بين قدميه مقدّم الحرس و رئيس الخصيان و هما يرتجفان رعبا. أمامه على الحائط، رأى سليمان كتابة على الجدار بخط عثمانيّ كبير و لون أحمرّ قانٍ لا يمكن أن يكون إلا دماً. على الجدار قرأ سليمان:

"يا سلطان سليمان، هل حسبت أن الله لا يعلم ما في السرائر و ما تخفي الصدور؟ هو يعلم أنك قاتلُ ابنك، و هو يعلم أنك ناكث عهدك، و هو يعلم أنك ترتاب في زوجِك. هو يعلم لكنك لا تعلم أن الأسرار تتجمع لا تتفرق، و أن من عمل ضد نواميس الكون ضربه الله فوق هامته."

تمتمَ رئيس الحرس بصوت مرتجف:

"أقسم يا مولاي أن أحداً لم يدخل من الخارج."

أضاف رئيس الخصيان بصوت لا يقل ارتجافا:

"إن أذن مولاي، سوف أجري تحقيقا مع جميع من في السراي."

لكن سليمان لم يلقِ لهما بالاً. كان منشغلا بتدّبر الكلمات التي قرأها على الجدار. كيف علم الكاتب بكل هذه الأسرار؟ كيف علم بمقتل ابنه مصطفى، بالقسم الذي قطعه أمام إبراهيم، بشكوكه حول زوجته روكسلانا؟ هذه أسرار لا يعلمها أحد و لم يتجرأ هو أن يبوح بها إلا أمام جمجمة ابنه النخرة. لكن لم تكن هذه هي الفكرة التي توقف عندها طويلا، و إنما ما جاء في السطر الأخير: مَن عمل ضد نواميس الكون ضربه الله فوق هامته. أحسّ سليمان بغصة مريرة و كأنّ يدّ الله فعلا ضربته. لا يمكن أن تكون هذه كلمات رجلٍ يريد أن يخرّب أو يهدد. إنها كلمات إرادة علوية، إرادة تعلم كل شيء و تفهم كل شيء. من يعمل ضد نواميس الكون يضربه الله فوق هامته! لا بدّ أن المقصود هو ذاك الجهاز الشاذ الذي أنشأه: وزارة الأسرار. ذاك النبتُ الشيطاني، ذاك النتوء الفاسد. الأسرار تتجمع لا تتفرق. نعم، نعم، هكذا خلق الله الدنيا، هذه هي النواميس التي تحكم الكون. لهذا السبب كان يحرص على تسقّط جميع الأسرار و الأقاويل. ربما هناك شيء في طبيعة الأسرار يجعلها تنجذب إلى بعضها لتتلاصق و تجتمع، تماما كحجر المغناطيس. لا بدّ أن هذا هو الناموس الذي يحكم نمو المعرفة و تراكمها. لا بدّ أنه نفس الناموس الذي يجعل ثلاثة أشخاص ينحنون برؤوسهم حتى تتلاصق و يتسارون، إنه حجر المغناطيس في رؤوسهم، إنها الأسرار و هي تحركهم. و ها هو يأتي -بكل جبروته و حماقته و طغيانه- كي يعمل ضد هذا الناموس الكوني، كي ينشيء هذا الجهاز اللعين الشاذ وزارةَ الأسرار، فيفرق الأسرار بعد أن تجمعت، و يبعدها عن بعضها مئات و مئات من الأميال.

تنبه سليمان لما حوله حينما بدأ خصيان القصر بإشعال مصابيح الزيت و خفض القناديل. كان مقدّم الحرس و رئيس الخصيان لا يزالان جاثيين بين قدميه. أشار سليمان لهما كي ينهضا.

"مُرْ أحد العبيد أن يمسح الكتابة." قالها و هو يستدير بجسده منصرفا.

"ماذا عن التحقيق يا مولاي؟" هتف رئيس الخصيان.

"فقط تأكد من مسح الكتابة."

توجه السلطان إلى جناحه بخطى بطيئة متمهلة. اشتدت هبة الريح و كادت أن تسقط عمامته. تطلع فوقه، فرأى قبة الفلك و قد امتدت و استدارت فوقه و كأنها عمامة هائلة. تساءل في داخله عن كنه النواميس التي تحرك الأفلاك و تبقي النجوم معلقة في مكانها لا تسقط. عندما استلقى على فراشه كان قد عقد العزمَ على حلّ وزارة الأسرار. في تلك الليلة، نام سليمان. نام كما لم ينم من قبل. نام نوما عميقا هادئاً، تماما كما كان يفعل أثناء طفولته.



عدي الحربش
July 26 / 2012

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى