جعفر الديري - إليوت في العربية: ثلاثة نماذج، دراسة مقارنة.. كتاب للدكتور محمد شاهين

عرض - جعفر الديري

سواء من قبل النقاد أو المبدعين، حظيت تجربة الشاعر والمسرحي والناقد الأمريكي الكبير ت.س. إليوت، باهتمام المثقف العربي، فترجمت وقدمت لها الدراسات والتحليلات النقدية.
إنَّها تجربة، "لم تترك بصماتها واضحة على الشعر الإنجليزي والأمريكي فحسب، بل امتد أثرها إلى الشعر العالمي ليشمل شعراء من لغات وحضارات مختلفة تماما. يكفي أن نذكر من عالمنا العربي، على سبيل المثال، صلاح عبد الصبور من مصر، وبدر شاكر السياب من العراق، ونزار قباني من سوريا وغيرهم ممن حملوا لواء تطوير الشعر العربي وتجديده ابتداء من النصف الثاني من القرن العشرين".. د. نبيل راغب... مقدمة ترجمة أرض الضياع.
ويذكر جبرا إبراهيم جبرا أن مقالة إليوت (التراث والموهبة الفردية)، جذبت الكتاب العرب المحدثين إليه، "... ويدعو فيها إلى الاهتمام بالموروث وتجديده وبعث الحياة فيه مجددا من خلال الموهبة الفردية للشاعر، في مسعى تصبح فيه قيمة ذلك الموروث جديدة متجددة وصامدة في وجه الزمن. ومن من الكتاب العرب لم تخامره فكرة التجديد في الموروث وتحديث التراث الأدبي العربي، خصوصاً الشعري منه"؟
على أن أهم ما خلفه إليوت، هو قصيدته "الأرض اليباب" أو "أرض الضياع"، والتي تعتبر بحسب المترجم د. عبد الواحد لؤلؤة، "من القصائد التي تزخر بالرموز التي تشي لنزعة شعرية ميتولوجية. حيث يقول الشاعر أليوت بأن في القصيدة وعنوانها قدر كبير من الرموز الخارجية التي استوحاها من كتاب "جيسي، ل، وستن" حول الكأس المقدسة: من الشعائر إلى الرومانسية (كامبردج).
وكتاب وستن يشرح صعوبات قصيدة أليوت أكثر بكثير مما تستطيع أن تقوم به هوامش الشاعر نفسه بالإضافة إلى ذلك ينصح كل قارئ لهذه العقيدة بالعودة إلى كتاب "الغصن الذهبي" ليسهل عليه فهم البعد الميتولوجي لهذه القصيدة، فقد استفاد، أليوت، بخاصة، من خبر أي "أدونيس، آتيس، أوزيريس" في بناء قصيدته "أرض الضياع" وأي شخص له معرفة بهذه الأعمال سيدرك بسرعة ما في القصيدة من إشارات حقيقية إلى شعائر المنصب".
وفي الكتاب الصادر حديثا عن دار "العائدون للنشر والتوزيع"، في عمّان، تحت عنوان "إليوت في العربية: ثلاثة نماذج، دراسة مقارنة"، يرصد الناقد الأكاديمي الأردني د. محمد شاهين، أثر إليوت في شعر كل من: بدر شاكر السياب، وصلاح عبد الصبور، ومحمود درويش، ويقدم لذلك، د. شاهين، وهو أستاذ الأدب الإنكليزي في عدد من الجامعات، مقاربات معمقة في تجارب الشعراء الثلاثة العرب، والشاعر الإنكليزي، ويرصد أبرز مواقع وأعماق تأثر الشعراء الثلاثة بإليوت، من خلال عدة عناوين، أولها لمحة موجزة عن حجم حضور إليوت في العربية، وعمق تأثيره في الشعر العربي، ثم يتناول علاقة عبدالصبور وإليوت، وما يسميه "تأثير المحاكاة"، بينما يخص السياب بفصل عن تأثير المعاناة بين ظاهر المحاكاة وعمق المعاناة. ويخصص لدرويش فصلا للمقارنة بين قصيدة "جدارية"، وقصيدة إليوت الشهيرة "بروفروك": مواجهة الانفصال بالاتصال".
ومن آراء د. شاهين، كما يشير إلى ذلك الناقد جهاد فاضل، أن عبدالصبور استعان بلحن إليوت من دون أن يوفق في تفكيك نغماته أما السياب فإنه سمع الأغنية من إليوت واستطاع بعد ذلك أن يمتلك مفاتيح الغناء ليصدح بلحنه الخاص، ولينشد أجمل أنشودة في الشعر العربي الحديث. ولكن مهما يكن من تأثير لإليوت على السياب، فإن السياب قد أفلت من سطوة هذا التأثير لتأتي أنشودته صورة قائمة بذاتها ومستقلة تماماً عن المصدر. ويكفي السياب فخرا أن قراءة "أنشودة المطر" والاستمتاع بها على حدة، أمر ممكن من دون الرجوع إلى إليوت، برغم كل ما في أنشودته من ظلال استشفها من رائعة إليوت "الأرض اليباب". وهكذا حول الشاعر مصدرا كان على دراية به إلى شاعرية أصيلة بحيث لا تكاد تظهر فيها بصمات التأثير، شأنه في ذلك شأن كل شاعر أصيل يمتلك القدرة على تحويل الأصل إلى أصل آخر لا يقل عن سابقه قدرا وشأنا.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى