محمد بشكار - اليوم الألمِيْ للسعادة!

الحاجة لِأشياءٍ نفتقدها في واقعنا المعيش، وراء كل ما نبْتدِعه تحت غطاء رسمي يُعطيه الشرعية، لذلك ابْتدعنا أياماً سُمِّيت تغليطاً بالعالمية دون أن تشمل هذه العالمية قرية مطمورة بسكانها بين جبال الثلج في تخوم الأطلس، وهاهي السعادة التي جعلتها الأمم المتحدة لا تتجاوز يوما بتاريخ 20 مارس من كل سنة، تلوح كقوس قزح في أفق هذا الطقس الشَّتْوي رغم الغيم الذي يبكي بأعيننا، فما علينا إلا أن نفرح، وإلا ما السبب الوجيه ولو كان دون وجهٍ الذي يُحُولُ بين الإنسان وسعادته، لِمَ كل هذه الشكوى التي تترجم بفصيح العبارة أو بالإشارة تذمُّرَ الملايين من الأوضاع الاقتصادية التي يعانون عبوديتها بكل الأوضاع، أما كان عليهم الاكتفاء فقط بأن يكونوا سعداءً عِوض الإسهاب في إشاعة لغة الرفض، حتى صار العيش لا يحلو دون شكوى فهي مبعث السعادة !

أما كان عليهم الاكتفاء فقط بأن يكونوا سعداء، الكل يريد أن يعيش ومن حقه بعد أن صار يمتلك على هذه الأرض حياةً اكتسبها بشقاء والديه من أحد الأرحام على السرير، ورغم أنها حياته فهي ليست في متناول يده بل بيد من يقرِّرون مستوى عيشه.. ذلك المستوى الذي لا نجهل بمؤشراته غير البيانية وأرقامه التي تُكرر أزمتنا في كل تقرير سنوي، أن ترتيبنا الفوضوي ما زال مُتسمِّراً في موضع الذيل من الحمار.. عذرا أقصد قطار التنمية الذي نعرف إلى أي سكة يفضي وهو يعبر أكبر الجيوب، بشعاره الإيديولوجي يحتكر البعض كل السعادة التي في البلد والمُكيَّفة في درجتها الأولى حسب تعاقب الفصول، سواء نزل المطر أو جفت الأرض بسبب خطايانا، سئمنا تقارير هذه المنظمات التي تُبْدعُ في وصف حالتنا دون أن تؤشر بأصابع الاتهام إلى أسماء الجشعين الذين احتكروا الثروات، ولمسوا بسياسة التفقير العمود الفقري للشعب، وكيف تُوسَمُ هذه المنظمات بالعالمية، وهي بعدم فضح دهاقنة الفساد بالأسماء، تختار الانحياز إلى جانب المُستفيد بِمَعْزلٍ في عالم آخر؟
ولا أعجب إلا من منظمة كالأمم المتحدة التي تهدف من الاحتفال باليوم العالمي للسعادة، إلى الحثِّ على تنزيل مخططات سياسية ناجعة على أرض الواقع، قمينة بأن تُحقِّق الرفاهية للشعوب، في حين حتى التركيبة اللغوية التي درج على لغوها لساننا العربي، تُكرِّس من يستحق أن يكون سعيدا وهي تربط سعادة العيش ببعض الوظائف التي يكسب أصحابها أجرا شهريا سمينا يُعَدُّ بالملايين، فننادي على من يتمتعون بهذه الرفاهية بسعادة الوزير أو سعادة السفير، وما تبقى تحت السقف فيمكن أن نناديه يا تعاسة الفقير!
وماذا يخسر البعض لو اكتفوا فقط بأن يكونوا سُعداء، أنْ يصنع الفرد فرحاً صغيرا بالتربُّع حول برَّاد شاي يجري دافئا في الأمعاء وهو لا ينتعل إلا الخبز الحافي، فالسعادة لا تُشْترى بالمال، كما تَلقَّن أغلب أفراد جيلنا المتعلِّمين في التلاوة المُفسرة، ورغم أن سُكرة الشاي طارت، إلا أنهم حفاظا على أكذوبة الاستقرار، يكتفي اليوم من طال به الأمد، بالعيش على مضض لمنتصف الشهر بعد أن انهارت واسطة المجتمع، واختلط المُفلس مع الذي تسبَّب في إفلاسه بالديون في إطار تآلف الأديان في البلد !
أنا سعيد وفي غاية التأثر بحلول اليوم العالمي للسعادة، أكاد من الفرح وأنا أرتطم برأسي عَرْضَ الحائط المسدود أن أتحول مع الأنخاب إلى محلول، هل أنثر الورد وأقتسم سعادتي أو أفِرَّ بها كما يصنعون وهم يُهرِّبون الأموال إلى الخارج، فلا يمكن أن أحتفل باليوم العالمي للسعادة، وغيري يُكدِّرُ صفْوي بتعاسته وهو يصرخ: ألمي!

(افتتاحية ملحق "العلم الثقافي" ليومه الخميس 6 فبراير 2020)

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى