سناء الحافي - عندما تُصبحين عنواناً للتخَلّي..!

قد يكون أصعب انتقام يقدم عليه الشخص ، هو الانتقام من نفسه ...!
أن يقيم القصاص عليها ، يحاسبها ..و يؤنبها ...حد الاكتواء بنار الضمير ...!
ليس خوفا من تناسل الخطايا عليه ، و لا رأفة على عواقبها ...لكن لفرط الضعف و قلق العطاء..!
هكذا شعرت ..للوهلة الأولى من الضعف ، فقدت السيطرة..و شعرت أن ما تبقى مني بقايا انسان لا يتقن إلا لغة الصمت و لا يقوى على صداه...
حين تركت الأصدقاء ..و فرطت في طموحاتي التي اعتدت أن أقتات منها لذة البقاء ..
حين اعتزلت المكتبة و المحبرة و امتهنت الطبخ ...كرمى لأعين العائلة ...
حين هاجرت وجوهًا لا تغادر دورتي الدموية ، لأكون أماً بمحض الارادة ...
حين تخليت عني ...و واجهت مطالب الزوج و الأبناء بعين المحبة و الرضا ..
و سكبت دمع شقائي لهم حساء من الحب و الاهتمام...
حتى جفت لغتي و ذبلت صحتي و احدودب ظهري و تخالطت أنفاسي داخل رئتي ..و ارتفع منسوب السكر على انقباض الضغط و ما عدت أقوى على ذات الصمت ..ذات التأمّر ..ذات التحدي..ذات الغضب ...
و كلما كتبت ورقة أشكو عليها ما يحدث حولي من استعباد شرّعته العادات و المجتمع لأني أم / امرأة/ أمة ...
و رميت بها في سلة المهملات ..أندهش جدا ...كيف لقشّها أن يتّسع لذلك الكون من الأحزان ، و كيف لِقلبي أن يتحمّل كلّ هذا العبث...!
واليوم بعد أن أصبحت ذاكرتي منفية ...( مثلي ) تماما ً...!
قررت أن أواصل ذات الغباء ...ذات الخوف ..بالرغم من سفني المكسورة و الحب المنهوب و الشواطئ المستحيلة ...
قررت أن أنجو من هذا الهول الذي يمسك بيدي و لا يكاد يفلتني ..إلا حين أتنفس الحب !
فلطالما كنت أرى أطفالي نجوما تنير أبجدية اغترابي ..و لم أهيّء نفسي يوماَ للتخلّي حين يكبرون...حين أصبح في أعينهم أماَ فارغة من الفكر ...ضعيفة الشخصية .. بدون هدف ...و لا روح و لا فائدة...
يا الله ..إلى أين أمضي ..و في غربتي ألف سؤال يضرم النار في شوارع عمري...؟
يا الله ..لكأنه ثأرٌ زمني ...يسلب مني أمومتي ...!
لكأنّه احتلال يرسو على مملكة صنعتها بالدهشة و طباشير الأطفال الملوّنة ...!
لكأنّني أضعت تاريخاً من الجنون في صدفة الخوف المتكلّس بالاختباء ...
و من قاع غربتي ...أنادي أحباء الأمس ...و أستحضر حواسي النائمة ...
ريثما يطلع الصباح ، و تلفني الكوابيس كالكفن ...لأستيقظ كالعادة أقدّم الوجبات المجانية للعائلة السعيدة ...!

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى