ضياء الدسوقي - عمي صبري بائع الجيلاتي.. قصة قصيرة

النغمات الراقصة المنبعثة من مزماره الصاج يقطع بها صمت الحارات في عز الظهيرة تلبي النداء أقدامنا الحافية التي تثير الغبار مثل قطيع من الأرانب البيضاء الصغيرة خرجت من جحورها في وقت واحد عندما سمعت وقع اقدام صاحبها التي اعتادت أن يجلب لها الطعام.
الفرحة مرسومة على ملامحنا والابتسامة العريضة تملأ وجوهنا وأكفنا مضمومة على القروش القليلة التي سندفعها ثمنا لمتعة منتظرة.
كنا نترقب مروره المتقطع وموسيقى مزماره التي يُعلن بها عن كاسات الجيلاتي اللذيذ ونلتف حوله ونتشبث بالجاكت الأبيض النظيف ونلمس ذراعه السمراء الممتلئة بالشعر النافر الأسمر لنلفت نظره إلينا ويلبي مطالبنا.
كان يلتفت إلينا مُبتسما ويمسح قطرات عرقه الذي يغسل وجهه ويقول بصوت حنون كلكم هاتخدوا.
يتوقف عن عزف نغمته وينحي مزماره جانباً ويشمر عن ساعديه وينحني ويغمس يده في بطن عربته البيضاء المستطيلة الصغيرة ذات العجلتين التي يدفعها أمامه معظم الوقت وقد يضطر لقيادتها وركوبها لوطالت المسافة.. يتحلب ريقنا مع انحنائه ونحن نعلم أنه سيغوص ليجلب لنا المتعة.
لقاؤه موعد مع السعادة وبضاعته من الجيلاتي المُثلج تطفىء لهيب الصيف ونظل نلعق أصابعنا التي سال عليها الجيلاتي لفترة طويلة جداً استزادة في المُتعة.. يمُر الصيف سريعاُ والشمس تعلن عن تعبها وتعرضها للإجهاد وتختفي خلف السُحاب طلباً للراحة والهدوء والسكينة بعد شهور الصيف التي اجهدتها.
يختفي عمي صبري وعربة الجيلاتي الخشبية البيضاء وينهمر المطر وتتحول الشوارع لبحيرات زلقة لكن نغماته ترن في آذاننا وتبشرنا بعودته من جديد ولكن هذه المرة يعود حاملا عمود خشبي طويل تتدلى منه أكياس غزل البنات الحمراء مثل زهور الربيع التي أوشكت أن تتفتح.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى