عوض الشاعري - كان نومه وشيكاً

بين اليقـظة والمنام شعرت أن شطر فراشـي قد أصابه الفراغ.. تحسـسته في الظلام.. كان بارداً.. وفارغاً.. أيقنـت أنها ذهبت إليه.. قمت على عجـل.. خرجت من الغرفة.. متجنباً إصدار أي صوت.. على أطراف أصابعي قطعت المسافة حتى غرفته.

كانت هناك.. صوتها يهمس بكلماته مبهمة في أذنه.. وهو يلتقم صدرها بنهم.. وقفت منصتاً للحظـات.. كانت تقايضه بزوج من الحمام الأبيـض.. إن هو سكت.. أو أخلد للنوم.. طال توسلها وهو لم يزل يعتصر ثديها بشفتيه.. ويغمغم بصوت كالبغام, لم أستطع صبراً.. صحت:

- هيه.. أنت.. اترك امرأتي.. ونم أيها المزعج.

لم ترقه لهجتي.. فانتفض جسده.. ولفظ حلمة الثدي.. وانخرط في نوبة من الصراخ الحاد.. احتضنته وقالت وهي تبسمل:

- حرام عليك.. كان نومه وشيكاً.. لم أزعجته؟ هيا.. خذه الآن.. وحاول إسكاته.


أحسست بوخزات في ضميري.. حاولت تجاهلها.. وأنا أحدق في عينيها باستعطاف وتوسل ونظراتها لا تعني أكثر مما قالت.. فلم أجد مناصاً من الإذعان لأوامر عينيها.. وملت بجذعي.. واحتملته بين يدي برفق محاولاً هدهدته.. وهز جسده الصغير بلطف ذات اليمين وذات الشمال.. فازداد بكاؤه حدة وصخباً.. ونشأ يرفس بقدميه في عصبية وتشنج.. خشيت أن يسقط على الأرض.. فانحنيت أعيده إلى حجرها.. قالت:

- هكذا أنت دائماً.. لا تحسن حمل الأطفال.

- قلت محاولاً إضحاكها:

- لكنها مهمتك يا عزيزتي؟.. ألست الأنثى؟

- أيوا.. هذا فقط ما تجيده.. اللعب بالألفاظ.. اذهب إلى فراشك.. ودع لي هذا العنيد الذي يشبهك.. اذهب..


ضمته إلى صدرها بحنان.. وراحت تترنم بأهزوجة شعبية تحكي عن فارس أسمر.. يمتطي فرساً صهباء.. ويذود عن مضارب عشيرته.. وعن بدوية حسناء.. تلعلع زغاريدها في سماء نجعي:

هَيَّا ديه.. هَيَّا ديه

البنت السمحة غويت فيه

قالت نا بالله وبيه

تشيل مخدتها وتجيه

ما يركب غير الصهبات

والا الكوت الولوالي

هَيَّا ديه.. هَيَّا ديه


فرجعـت إلى غرفتي.. وانسللت إلى فراشي.. وصدى الحكاية يلاحقني.. وضحكات "جمال" الصغير.. تغزو سمعي.. بعد أن أقنعته الحكاية –على ما يبدو– بأن بدوية حسناء أجمل بكثير من زوج من الحمام.. ولو كان ريشهما ناصع البياض.


طبرق: 10/9/2003

مجلة المقتطف
العدد: 31.. السنة: 03.. 11/2003

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى