عبدالرحيم التدلاوي - عبيـــــر.. قصة قصيرة

استلقيت على فراشي وكنت بكامل لباسي لا بكامل قواي البدينية التي استنزفتها في عملي. رنوت إلى السقف أمسحه كسماء بدت لي مليئة بالنجوم، صرت أعدها وأحصيها مراودا نوما يعيد لي نشاطي حتى أكمل درسي في أهمية البيئة على صحة الإنسان، فالتلوث مضر بالصحة البدنية والفكرية كما أقرت بذلك الأبحاث العلمية.
كان التلاميذ متنبهين ومهتمين، والأكيد أنهم سينجزون عروضا مهمة في هذا الباب.
تذكرت أني خرجت من مقر عملي سريع الخطو قبلتي المنزل لأنام، لحظتها تنبهت إلى يد مدت لي بوردة حمراء قانية، لم أعر صاحبتها اهتماما بل منحتها ما في جيبي، وانصرفت حاملا تلك الوردة...
نهضت من سريري بسرعة وتوجهت إلى الباب حيث تركتها، وضعتها بكل حنان في مزهرية بها ماء نقي، ثم عدت متمددا، سرقني النوم، هذه المرة، سريعا. راودني حلم جميل رأيت خلاله الوردة تتناسل وتتكاثر حتى صيرت منزلي حديقة ورد فائح، ورأيتني أنقل خطوي وئيدا أستمتع بالشذى، وأنهل من معين المنابع التي كانت تتفجر مياها عذبة.
لم أشعر إلا والشمس تطرق غرفتي تنهضني، فنهضت بهمة ونشاط لأجد غرفتي، فعلا، قد صارت حديقة ورد بعطر منعش. وما هي إلا لحظات حتى اجتمع الورد في باقة عظيمة الحضور، وصارت بأجنحة تحلق في أجواء المنزل قبل أن تغادر من النافذة المفتوحة باندهاش. سرت خلفها بلهفة أحاول استرجاعها إلى أن حطت على شفتي الفتاة التي مدتني بالوردة الغريبة، لتخرج منه كلمة عذبة الروح، منشطة للدورة الدموية والحياة: شكرا لك. خرجت من فيها ما يخرج الماء من باطن الأرض..
قالتها بصوت خفيض، وعيناها إلى الأرض تعبران عن خفر لذيذ.
شكرا لك، لم يسبق لي أن سمعتها، مموسقة برنة كالسنا هزت فؤادي وأطربته. حينئذ فهمت سر جرح سهري المزمن، وأدركت سر بلسمه.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى