عبد الرحيم التوراني - مصطفى النهيري.. كاتب من زمن آخر

قبل أسابيع على أعمدة إحدى اليوميات المغربية، تساءل الصحفي محمد الأشهب قائلا: وأين ذهب مصطفى النهيري؟
كانت التفاتة جميلة حدثنا فيها الأشهب عن ذكريات من زمن الصحافة المغربية، حين كانت تزينها مجموعة من الأقلام المضيئة، منهم عبد الجبار السحيمي وإدريس الخوري ومصطفى النهيري، هذا الأخير الذي وصفه الأشهب ب"وجودي وقومي وماركسي وفوضوي وتنويري في آن واحد".
كما أتى الأشهب على ذكر اسم صديقنا عبد الصمد محيي الدين، الذي قال عنه إن عبد الصمد محيي الدين " يجمع بين مغامرات الكتابة والحياة. يحتسي قهوته في الرباط، وسرعان ما يحدثك من مكتبه في باريس. يصبو دائما إلى الجديد، إنه من النوع الذي يتكلم فيراه الجميع".

مساء اليوم وأنا قادم من الرباط عبر محطة "الدار البيضاء- الميناء"، التقيت بمصطفى النهيري وهو يتأبط مجموعة من المجلات والجرائد، كعادته دائما، أوقفت الرجل وسلمت عليه. فحكى لي عن سؤال محمد الأشهب عنه، وقال لي إنه اتصل بالأشهب وعرض عليه اقتراح أن يكتب مقالاته بالمقابل معهم في "الأخبار"، لكنه قوبل بالسلب. ثم أضاف إنه اكتشف أن الأشهب لم يكن سؤاله عنه حقيقيا، بل كان "مجرد ذريعة ليلتقي بصديقه عبد الصمد محيي الدين لينادمه". وأضاف: "عبد الصمد ابني.. أنا من علمته...".
وسألته عن مشاريعه الجديدة في الكتابة فرد بسخرية وامتعاض واضحين: "لمن سأكتب؟ وعلاش؟".

لم يكمل مصطفى النهيري كلامه معي، كما رفض أن يعطيني رقم هاتفه لأحاوره حول مساره الثقافي والفكري. قال: "خليها للصدفة"، ومضى ليكمل جولته المسائية بشوارع وسط المدينة، لا أحد يعرفه. لم تعد صورته والغليون بيده تظهر في "العلم" والمرحومة "الميثاق الوطني"، ولا أي جريدة أخرى.

كان النهيري في السبعينيات من القرن الماضي "يعد ظاهرة أدبية كبرى" كما وصفه صاحب "المغتربون" الكاتب الروائي محمد الاحسايني. وقد نشر النهيري أزيد من خمسة عشر كتابا على نفقته الخاصة، منها كتاب "أزمة الفكر العربي"، وكتاب "محنة العقل المبدع". ومما أذكره عن كتابات النهيري أنها مليئة بالكلمات والمصطلحات الغريبة. أو كما نعتها أحد الكتاب ب"المفرقعات اللفظية".
وقد استشهد بكتابات مصطفى النهيري الدكتور غالي شكري، حين أثبت عنوان كتاب ""أزمة الفكر العربي" ضمن لائحة مراجع أحد مؤلفاته النقدية.
ويعتبر آخرون مصطفى النهيري من الأسماء الوازنة في الحقلين الأدبي والفكري التي أهملت، بل "حوربت في بدايتها الكتابية، لكنها مع مرور الوقت، أثبتت أنها أسماء لديها ما تقول"، ووصف أحد النقاد مصطفى النهيري ب "الكاتب المغبون الذي لديه في سوق الكتاب مجموعة أعمال لكن النقد لأسباب متعددة لم يوله الاهتمام الذي يستحقه".

في السابق، كنت أصادف النهيري في وسط مدينة الدار البيضاء، يتجول مع كلبه، من نوع الكلاب البوليسية، وغالبا ما كان يجمع حوله الفتيات. وأذكر مرة أنه كتب في أحد مؤلفاته أوصاف الفتاة التي يمكن له الارتباط معها بالزواج، وفي هامش الصفحة كتب "من كانت تتوفر فيها المواصفات المذكورة عليها الاتصال بالكاتب". ويظهر أنه لا زال عازبا وقد ناهز السبعين من العمر.

عندما أنهيت هذه السطور بحثت عن صورة لمصطفى النهيري في محرك البحث "غوغل"، فجاءت نتائج البحث سلبية. كما لم أجد أي مقال أو موضوع بقلم مصطفى النهيري، وهو الذي كان غزير الإنتاج. فأدركت أن كاتبنا صار محسوبا على زمن آخر. زمن ما قبل الشبكة العنكبوتية.



تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى