أحمد رجب شلتوت - قراءات نقدية في القصة القصيرة عربيا وعالميا

// غدا في العرب //
قراءات نقدية في القصة القصيرة عربيا وعالميا
“في محبة القصة القصيرة”، تمثل هذه الجملة المسيرة الإبداعية للكاتب المصري منير عتيبة، فهو المحب للقصة القصيرة كاتبا وناقدا، حيث أصدر فيها عشر مجموعات قصصية. كما كتب في النقد الأدبي منجزين جاء الأول تحت عنوان “في السرد التطبيقي” والثاني “في عالم الرواية العجيب”، ليعلن في ثالث إصداراته شغفه الصريح بالقصة القصيرة.
لم يكن غريبا أن يمنح الكاتب والناقد المصري منير عتيبة إصداره الأخير عنوان “في محبة القصة القصيرة”. وهو المنظّم للحلقات النقاشية والندوات حول كتابة القصة القصيرة في مختبر السرديات بمكتبة الإسكندرية، فضلا عن متابعاته النقدية لأحدث المجموعات القصصية. فاختار من بين هذه المتابعات ما يشكل كتابا.
ويبدأ عتيبة كتابه الصادر مؤخرا عن دار ليفانت للنشر بالإسكندرية، بقراءة مجموعة “أرواح هائمة”، للكاتب التونسي كمال العيادي، وتكشف قصصها أننا إزاء روح هائمة أساسية هي روح السارد، وهي تجتذب شبيهاتها من الأرواح الهائمة المغتربة، فالسارد في غالبية القصص مفلس أو يكاد، في حالة إحباط أو غضب أو عدم رضا.
وهو يحكي الحكاية بضمير الراوي العليم، أو الراوي المشارك، وفي الأحوال كلها يفسح مجالا للروح الهائمة بطلة القصة للحديث عن نفسها، وكأن هذه هي المواساة الفنية التي يقدّمها الكاتب لأبطال أعماله. فرصة؛ لكي يتحدّثوا عن اغترابهم، وأن يجدوا من يسمع هذا الحديث، فيعيشوا للحظات حالة من الحميمية تنفي عنهم اغترابهم الأزلي في أثناء الحكي فقط.
وفي مجموعة “أحمر شفاه” للقاص المصري شريف عابدين، التي يحرص كاتبها على المشهدية القصصية، يقدّم الكاتب بحثا عن شيء مهم ومفقود هو السعادة، ويقدّم أضدادها من القهر والفقر والاستلاب. فيذهب بنا في رحلة بحث عن السعادة عبر طريق ضبابيّ شفيف يبدو كأنه عالم برزخيّ بين ما نعرفه جيدا ونحياه، وبين ما نتطلع إليه وإن كنا لا ندري كنهه؟ ولا ندري هل هو موجود فعلا أم لا؟ وما الثمن الذي علينا دفعه لنصل إليه؟ وهل لو دفعنا الثمن سنصل فعلا؟
وتحت عنوان “من التمرد السياسي إلى التمرد الوجودي” يتناول مجموعتي القاص البحريني أمين صالح التي تتصادم قصصه مع الذائقة التقليدية. فهو ينتج أعماله القصصية عن طريق “تعبيرية” تختصّ به، ففي مجموعته “هنا الوردة، هنا نرقص”، يعرض للعلاقة بين السلطة والحرية. فيقدّم الغريب الباحث عن الحرية عن طريق التنقل والسفر.
أما في مجموعته “والمنازل التي أبحرت أيضا”، نجد أن القهر السياسي الذي كان مدار قصص مجموعته الأولى يتحوّل إلى الأسر بأشكاله المتعددة؛ الزمن والملل والعادة.. الخ. ومطلب الحرية السياسية يتحوّل إلى رغبة في الانعتاق من كل أنواع الأسر، متمردا بذلك ليس على مجتمعه فقط بل على وجوده نفسه، فتتحوّل اللغة المباشرة المفصلة على قدر المعنى؛ لتصبح لغة محلقة بالمجاز الذي يتجاوز مجاز اللغة إلى مجاز التصوير السردي.
يرصد كتاب “في محبة القصة القصيرة” ما حقّقته المرأة الساردة من إنجاز عبر وقوف مؤلفه على عدد من المجموعات القصصية لعدد من الكاتبات. ومن بينها مجموعة “صورة للعائلة” للقاصة المصرية عزة بدر، التي تدور قصصها في دائرة الأسرة، وتعالج فكرة القهر الذكوري للأنثى، القهر بمستواه العنيف، وبمستواه الناعم الذي يصيبها بالإحباط من دون أن تستطيع مواجهته.
ويفرز الناقد قصص المجموعة في قسمين، الأول يتناول المشاعر والأحاسيس المهترئة في نطاق الأسرة. والثاني يتناول قضايا اجتماعية عامة، لتوحي بأن المجتمع بما فيه من فساد سياسي وانحلال أخلاقي، لا يمكن أن ينتج علاقات صحية أو متوازنة في إطار الأسرة.
وتقدم الكاتبة اليمنية انتصار السري في مجموعتها “لحرب واحدة” 15 قصة تنتابها هموم الذات الأنثوية والإنسانية المثقلة بعلاقات اجتماعية مهترئة، وعلاقات سياسية ضاغطة. لكن لا نجد في القصص خطابا نسويا، وإن وجدنا نساء تحت التهديد المستمر.
ففي قصة “اختراق” وقصة “قهوة مرة” مثلا، نجد محاولات للسيطرة على المرأة وتملكها، وإلاّ تم استغلال السلطة ضدها واتهامها بالإرهاب، فالكاتبة تقدّم قصصها من منظور إنساني عام وليس نسويا.
ولم يتوقف منير عتيبة عند القصة القصيرة العربية، بل وسع مدى قراءته ليعرض لقصص قصيرة تقدّم عوالم متجاورة مع ما تقدّمه قصصنا العربية، فضمن كتابه ثلاث قراءات عنها. الأولى رصد فيها حوارية الفن والمجتمع في مختارات من القصص القصيرة الأوزبكية. والأخيرة قراءة في حكايات شعبية كورية تجيب عن سؤال “كيف يرى الكوريون العالم؟”.
أما أطول دراسات الكتاب فخصّ بها عتيبة مجموعة “العظام الراكضة” للكاتبة الصينية آشه، وتضم ثماني قصص قصار تجري أحداثها على أطراف المدينة، في الريف، في الغابة، في جزيرة منعزلة، وحتى ما يحدث منها في المدينة يكون في مناطق هامشية. وكأنَّ من يعيشون هناك بعيدا عن النظر هم من يستحقون أن تراهم الكاتبة فتتحدّث عنهم، أو تمنحهم فرصة الحديث عن أنفسهم، لأنهم من دون ذلك لن يكونوا مرئيين أبدا.

قراءات نقدية في القصة القصيرة عربيا وعالميا

حول

قراءات نقدية في القصة القصيرة عربيا وعالميا | أحمد رجب | صحيفة العرب

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى