ثناء درويش - ظلال أنثوية "3"

"3"
صفيّة


للربيع العشرين على التوالي، آتيك يا شجرة الأمنيات لأعقد بكل إيمان شريطة توقي لطفل، على غصن من غصونك الذي بدأ ماء الحياة يدبّ فيه ،ليتفتّق عن براعم ورق غضة فتية .

اخترت هذا العام شريطة بيضاء قصصتها من فستان عرسي كأعزّ ممتلكاتي و أكثرها حميمية و رمزية عندي.

لأني بهذا الفستان قبل ربع قرن أعلنت للدنيا عن رغبتي في أن أكون أماً ، و ما ظننت لحظة أن السماء قد تهب كلبة جراءً صغيرة و تحرمني .

السنين الخمس الأولى مرت في مراوحة مرّة بين أملي و إجماع الأطباء أن لي رحم طفلة ضامر محال أن يحمل.. و عينا زوجي اللتان صارت نظرتهما أكثر جرأة في إعرابها عن رغبة تحولت لقرار ذات ليلة .. سأتزوج يا صفية رغم حبي لك .. لا سلطان لي على دمي يريد وريثا يحمل جيناته و اسم عائلتي.. ولك أن تبقي عزيزة مكرمة أو ترحلي.

بعدها .. أتيتك يا شجرتي الحبيبة أتمسّح بجذعك فما رأيت في الكون أقرب منك ومن قلبي للسماء..

أتيتك بيقيني أتوسل ككل مرة : "يا باثق الوجود من العدم .. اجعلني معجزتك .. لأني لا أصدق أني عاقر وها زوجي تزوج لأكثر من مرة .. لكنه ما زال يبكي كطفل على صدري حنينا لأبوة لم تتحقق" .

أنا لا أدري ما الفرق بين ربيع هذا العام وكل نيروز مرّ قبله.

و لا أدري هل هناك مسافة تفصل صوت الابتهال عن السماء و زمن يلزم ليتحول الدعاء لحقيقة .

هل هناك لحظات تتفتح بها أبواب التلبية .. من قبل سلطان مقتدر يمنح و يمنع.. ثم تغلق عمراً

هل تُجرى دراساتٌ مطولة تستغرق ربع قرن ليأتي الرد بالإيجاب ..

"لقد وصل توسلك بحق كل هذه الآهات التي ذرفتها و ستوهبين طفلك المنتظر.. لكنه لن يكون سويا كباقي الأطفال .. و ستحيين باقي عمرك حبيسة دموعك .. تلعقين في صمت سؤالاً لا إجابة له .. لماذا أثمر صبري صباراً؟!"

"4"
رضوى


لا تكتبي عني يا أمُّ ، بل دعيني أتدفق على سطورك دمعاً و توقاً و لياليَ سهد.

لعلك قد بكيتِ عمراً من تعب أو قلق أو ألم أو خيبة، لكن دموعك لم يكن لها يوماً طعم الحرمان من الضنا.

"الضنا" .. يا للكلمة المعبرة جداً عن تعب وعذاب الأولاد المحبب العذب ، للأمّ والأب، فيمضيان التعب لهاثاً لأجلهم قبل مجيئهم و بعده.

مثلك أنا تزوجت وبدهية أن أنجب لا يخامرها شك أبداً .

الشهور الأولى من الزواج تمر بالانشغال ثم يبدأ القلق يتململ ، و سؤال كلما دفناه أطل برأسه مضطرباً في نظرة العين وارتعاشة الأنامل و نشيج القلوب لما يستكين كلّ حبيب لحبيبه

"ماذا لو .....؟! "

و تخرس الحروف بعدها ، فالنفس أضعف من أن تتخيل حرماناً بهذا الحجم ، و قسوة من القدر بما يعادل عدم الإنجاب كأي كائن حيّ على هذه الأرض.

إلى أين تهرب عيناك بعيداً عني ، و كيف لك أن تكتم صراخ الأبوة في صلبك لا يمنع هديره من الوصول لقلبي كلّ جدران الكون.

يا من قاسمتني حتى شهقة الفرح وزفرة الألم ، ألم تصغي كل ليلة كيف أموء كهرة في حضنك ، و أنت أعجز عن فتح مغاليق السماء لتهبني طفلاً له لون بشرتك وعينا حلمي.

ويمضي العمر............

لا ..لا تكتبي عني

محال أن تكوني عشت تفاصيل انتظاري و أملي و خيبتي و تمردي على رحم لا ينجب و ثدي لا يرضع ، و تفكيري بالبدائل كفكرة التبني ، و تقليب الفكرة بين أخذ و رد ، ثم خاطر طفل الأنبوب ، و ... و ,,,,,,

وصولاً لاحتضاني نفسي بعد احتضار طويل لقيامة و بعث.

لأقول لزوجي في ابتسامة صلح مع قهرنا المشترك و الحرمان :

"سأفتح دار حضانة ..... "

يتبع.....

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى