خيرة بورزيق - المفهوم الخاطئ لدور المسؤولية الاجتماعية !

الملاحظ أن الاهتمام في مجال المسؤولية الاجتماعية للمؤسسات يتجه في الغالب نحو الجانب المالي منها، فنجد أن جل الدارسين والناشطين في هذا الميدان يعتبرون أن الأداء الجيد للمسؤولية الاجتماعية يكون عن طريق تقديم مساعدات مادية تتمثل في إعانات وتبرعات واقتطاعات مالية تقوم بها الشركات المؤمنة بهذا المبدأ في سبيل ترقية المجتمع والمساهمة في تحقيق رفاهيته.

لكن .. لا يمكننا التغاضي بأي حال من الأحوال عن كون التحلي بالمسؤولية الاجتماعية يشمل الأفراد قبل المؤسسات. وبالتالي فإذا كانت هذه الصفة يتحلى بها الفرد بوصفه شخصا طبيعيا، فإن هذا الشخص ليس بالضرورة أن تكون له ذمة مالية ليقتطع منها ما يمكن إنفاقه من أجل نشاطاته الموجهة لخدمة المسؤولية الاجتماعية، وإلا لكان مفهومها يقتصر فقط على الشركات الاقتصادية دون المؤسسات الخدماتية والأفراد الطبيعيين لاسيما البسطاء منهم أو الفقراء هذا من جانب. من جانب آخر لكان لها اسم آخر غير اسم المسؤولية الاجتماعية على سبيل المثال الدعم المادي أو التبرعات لصالح المجتمع أو الإنفاق الاجتماعي أو المشاركة في أعباء الدولة..

الأمر ليس كذلك .. ولا يقصد من أعطوها هذا الاسم بمعناه الاصطلاحي واللغوى والتطبيقي المتمثل في "المسؤولية" وكافحوا طويلا لترى النور وتتطور أن يتم فهمها على هذه الشاكلة.. إنما مفهوم المسؤولية الاجتماعية المقصود هو أوسع وأشمل من ذلك بكثير، فقد يتصف بها الفقير أيضا، بحيث أنه على الرغم من عجزه المالي إلا أنه قد لا يخلو من طاقات معنوية تخرج عن إطار الماديات.

فقد يساهم في تثمين برامج المسؤولية الاجتماعية من خلال فكره وعلمه وتعلمه وضميره ودينه وتربيته وعزمه وإبداعاته .. قد يساهم في تقديم الدعم المعنوي للآخرين وفي اقتراح سبل وآليات لتحقيق تلك البرامج، قد يشكل جماعات خير وبر أو فرق تحسيسية .. باختصار بإمكان الفرد أمام عدم اقتداره ماديا أن يمنح مجهودات معنوية يكمل بها المساهمات المالية لغيره من المقتدرين ضمن استراتيجية تشاركية ومتداخلة.

-------------- وعليه؛ يمكن اقتراح تقسيم المسؤولية الاجتماعية كالتالي:
1- من حيث قوتها الإلزامية: تنقسم إلى الجانب القانوني والجانب التطوعي (سنعرضها لاحقا). أما:
2- من حيث نشاطها: فتقسم إلى الأداء المالي والأداء الاجتماعي:
أ) الأداء المالي: يشمل كل ما يتعلق بالجانب المادي سواء أموال أو آلات ونمو اقتصادي والمساهمة في خفض تكاليف المجتمع ورفع مداخيله .. في حين يضم:
ب) الأداء الاجتماعي: كل الطاقات الفاعلة والأدمغة النيّرة والأنفس النبيلة والضمائر الحية التي تبدل أقصى ما لديها من دراسات وأفكار ومناقشات واقتراحات، من أجل توظيف الأداء الأول فيما يخدم الدولة بأفرادها ومؤسساتها.

إن ما يدعو إلى الحديث عن هذه المسألة هو واجب التحذير من خطر انفلات المفهوم الحقيقي للمسؤولية الاجتماعية، فكثرة الحديث عن العطاءات المالية للمؤسسة لصالح المجتمع مع إغفال الجانب الاجتماعي ووصفها بأنها تجسد المسؤولية الاجتماعية بدل إدخالها في إطار المشاركات المالية المباشرة (كالتبرعات أو الزكاة أو اقتسام الأرباح)، أو غير المباشرة (كالضرائب أو الغرامات) .. سيؤدي شيئا فشيئا إلى تشويه مفهوم المسؤولية الاجتماعية، وبالتالي التغاضي أو التراجع عن تبني هذا المبدأ نظرا لمحدوديته وعدم شموليته. الأمر الذي لا يخدم مصلحة المؤسسة والمجتمع على حد سواء.

رأي شخصي: أ. بورزيق خيرة /الجزائر

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى