جاك فوينتيلبا Jacques Fuentealba - عندما يسقط الظلام.. ت:عبد السلام بن خدة

الإهداء إلى العزيز الأستاذ محمد كانة


يقول الناقد " فنسان بسطه ":

إنّ " الميكروقصة (...) شكل من أشكال المحكي الأدبي ، تتسم بالإيجاز الشديد ، وتكتب نثرا ، قد يحدث مع ذلك أن يقربها إيقاع الجمل التي تؤلفها من الشعر. لها شعبيتها في العالمين الأدبيين الناطقين بالاسبانية والانجليزية ، وتجد دعما لترويجها من الوسائل الالكترونية ( إميلات ، توتير ، تيكستو، مدونات). لا يربطها بالهايكو، رغم المظاهر، أي قرابة. إذا كان شعر الهايكو يفسح المجال

كبيرا لتأمل الطبيعة والتراث، فإن الميكرو قصة تحجب كل وصف ، وتبتعد، بطيبة خاطر، عن سبل الحكمة لتكتفي بنقد المجتمع والهزء منه (...) " .

نقدم فيما يلي صوتا قصصيا متميزا في المشهد الميكروقصصي الفرنكفوني المعاصر؛ يتعلق الأمر بـ"جاك فوينتيلبا" (Jacques Fuentealba):

كاتب معاصر من اسبانيا. اكتشف منذ صغره عوالم كتاب كبار كــ إ.هوارد ولوفركرافت وزيلازني، ومووركوك...، كما مدته دراسته الجامعية بجسور غريبة نحو الفنتاستيك والواقعية السحرية في اللغة الاسبانية. عمل أيضا على ترجمة نصوص إبداعية إلى الفرنسية لكتاب من اسبانيا وأمريكا اللاتينية ( رودولفو مارتينيز ، سنتياغو إيكسيمينو، ألفريدو ألامو، كارلوس غارديني ، ... ).

نشر العديد من إبداعاته القصيرة في مجلات معروفة ( بلاك مامبا، بوردولاين، لوناتيك،...).

من أهم أعماله القصصية القصيرة جدا :" ابتهالات وهذيانات أخرى (2008).


***


على غير هدى استدار. لم يكن يعرف ما الذي يفعله هناك والكاتب كذلك.

في الليلة الظلماء، حينما يفتقد البدر، تعتقد السلطات بأن لا شيء يدعو للقلق. الأمن سيستتب تدريجيا. ومع ذلك سجل سقوط بعض الضحايا. حفنة من الحالمين، وشاعران أو ثلاثة شعراء.

حينما رأته يخرج شفرة الحلاقة، ظنت بأنها ستقضي ربع ساعة رديئة.

بحق، الأمر تطلب أكثر مما خمنته بكثير.

أقصر طريق مابين الأرض وجهنم يبقى إلى الآن هو الانتحار.

بالنسبة للطريق الأقصر ما بين الأرض والسماء، فإن النظريات تتباعد بشدة فيما بينها، منذ قرون. من جهة أقصر طريق ما بين السماء وجهنم يبدو جيدا أنه اتجاه وحيد.

ابتلع قطعة النسيان، وفي الحال استولى عليه شك فظيع. هل يتعلق الأمر بمسألة كمية المقادير؟ أم بشيء آخر ؟ نظر إلى القارورة الفارغة، إلى يديه اللتين لم يعد يتعرف عليهما بحق. كان عليه أن يتذكر بأي ثمن شيئا ما، لكن ما هو ؟

فلا المرآة أنبأته خبرا عنه ولا عن الصفحة البيضاء التي كان قد صارها هو بالذات.

في داخله ، شيء ما استيقظ وتمتم :


" أخيرا."

افتتاح تلك المكتبة الخاصة بالمؤلفات السحرية في دونويش كان فكرة جيدة. يتعلق الأمر بتجارة مربحة جدا. هناك كتب تظهر أحيانا لوحدها وبخاصة، مع قرعة ملائمة، يستطيع البائع أن يسترجع مؤلفاته بمجرد أن يغادر الزبناء إلى دار البقاء.

هكذا، فهو نادرا جدا ما يعيش أزمة الموجود في المخزن.


* الذبـــابة

أمسكت بها لما كانت ترقص بجنون. وهي بين راحتي يدي، أحس بها تبحث عن منفذ لها مطلقة صيحات صغيرة .

بقي هناك،يطل على المدن و الضيعات الصغيرة ،على مفرق الطرق ، فوق بطون الحجر ودَرَجَات المداخل ، في صالات مظلمة متخمة بالذهب .

بقي هناك مثلما تركه جلادوه,إلى الأبد , مسمرا.

نظر إلى الريش الذي يغطي سقف المنزل ـ ريش ودم ممتزجان ـ ثم إلى المدينة الكبيرة التي تنبسط تحته. وهو يمسح قطرة الماء المالحة الغريبة التي سقطت من عينه ,حاول أن يبتسم ليهدأ من روعه .

حياة جديدة سيكتب لها الولادة فيما بعد .

رفاق البشاعة الفائقة يسخرون منه . ياله من هامة أرقة ! لكنه لا يبالي. لايستطيع أن يعثر على النعاس بلا قيد ولا شرط ،في حين أن الحياة العادية ،الحياة الحقيقية تنتظره بحق وراء هذه الستارة،هناك وراء النافذة للمرة الألف , مد يده , واثقا ، متبلبلا ،نحو حاجز الثوب الذي يفصله عن الشمس.

مطر خفيف يتساقط على رصيف المقهى , مرغما الزبناء المذعورين على الاحتماء بالداخل . رذاذ من الدم سيشتد على رصيف المقهى . المسيح الدجال , فريدريك نيتشه سابقا , أوزي أوزبورن سابقا , دفع لجانب من الطاولة فنجانه , و هو يرفع عينيه إلى السماء .

ـ هذه لمرة الفرصة مواتية , تنهد .ما كدت أصل حتى لزم علي مباشرة العمل .


* آلهـــــــات

حركة بطيئة و باردة , كثعبان يرتقي طول فقراتي باتجاه دماغي .الارتعاشات تذغدغني , تثيرني , تتحول إلى تشنجات , تتفجر ...الطنين الأصم, الذي يدوي في أذني، ينفتح على محيط ضاج, يغطي للحظة الموسيقى المجنونة.

ثم تهدأ التشنجات , حركات أكثر بطئا , أكثر دقة تنبعث من الهيجان . يعود الهدوء . لكن ، مختلفا.

نحن إثنان . أعاني بأسه؛ نار في دمي ,صخور في حنجرتي .

حينما يتكلم في داخلي , أنسى كلماتي بمجرد ما تغادر شفتي . لا أعرف أين أوجد في الحقيقة .

الولوج إلى حواسي أصبح غير ممكن .

و أعرف أنه يحادثني و يغدق علي الموعظات ، يرسم بحكمة المصائرالعنيدة , يَعلم التكليفات العلوية , ولا يتأخر في إسماع الحاج كل ما يسعده من جميل القول .

لكن بالنسبة لي , كيف أحصل على أيسر قدر من الأمان ؟ أيسر قدر من اليقين ؟

أتيه في مسرح الظلال و صاحيا , أنا مثل الآخرين .الأسوأ, أتعلق بالمتون التي يردن جيدا حكايتها لي , لردم حفرة غياباتي .

وسيط الوحي بمعبد "دِلف" , أنا ,ورغم ذلك بالنسبة لي وحدي ,صوت الآلهة , يبقى مجهولا .



* عندما يسقط الظلام

في هذا النصف من الكرة الأرضية, كان الليل قد أرخى أرديته السوداء منذ أسابيع , كما يبدو , ليعسكر إلى الأبد.

من الجانب الآخر , يُروى أن البشر كانوا قد أتلفوا عدسات عيونهم من فرط التحديق في السماء . كانوا يفرون إلى الظل , يبقون لابدين بدلا من أن يواجهوا هذا النهار اللاينتهي .

الناس من هذا المكان , كانوا يرهقون أنفسهم للعثور على أيسر شعاع شمس , يتأسون ما جازلهم , يتشربون النجم العلوي من خلال أجهزة التلفاز , شاشات السينما . يبحثون في عيون جيرانهم عن أيسر بصيص نور , الذي سرعان ما سيخمد . بمجرد أنه قد انتهى من نهش أفئدة ساكنة نصف الكرة الأرضية ذاك ، امتد الظل إلى الجانب الآخر. لافتا انتباه ساكنة الجزء الذي لازال يضيء من العالم إلى ذكرى الليل. إلى حين أن لا يبقى على الأرض سوى الظلمات .ظلمات و صمت .

لا أومن بالأشباح , صرخ الجد في وجود أفراد أسرته المتطيرة , محركا سلاسله .

لن يفوت الفرصة لإلقاء تلك النكتة الطريفة على زوجته , بمجرد أن يبلغ الضفة الأخرى . لازال يقهقه من وقعها على نفسه . مع أنه كان متقدما كثيرا في السن و مصابا بمرض القلب , لم يكن يفكر أن بإمكان المرء أن يموت من الضحك تماما . مثل ماذا ...

لم يكن يعرف بعد بالضبط كيف ستكون نهاية العالم , لكنه كان يعمل على نحو تكون فيه هذه النهاية كألعاب نارية رائعة .

مرارة الأحلام تركته منهكا عند استيقاظه .ثم ما أن ينصرم نهاره بالتتابع , حتى يستعجل بصرخات كبيرة النعاس , إلى سقوظ الظلام . هناك , في دفء الأغطية يعيش مشاهد غربية ، التي سيزيل معناها العميق استيقاظه المقبل .





ملحوظة: بالنسبة لنصوص الكاتب المترجمة ينظر الرابط


تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى